اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
يسمع أهالي مخيم كوكنايا شمالي إدلب، صوت بكاء الشابة المعوقة محاسن المر (۲۰ سنة) حين تتعرّض للتعنيف من قبل والدها أو شقيقيها، ويحدث هذا بشكل شبه يومي. تعاني محاسن من إعاقة عقلية وصعوبات في النطق، وهي تتعرّض للضرب أو التوبيخ لمجرد خروجها من الخيمة.تقول شقيقتها سلام (۲۲ سنة) لـ”العربي الجديد”: “تتعرض أختي لمعاملة سيئة من غالبية أفراد الأسرة الذين يعتبرونها وصمة عار للعائلة. هي مرفوضة من قبل الجميع، ولا تتلقى أي رعاية صحية، الأمر الذي يزيد حالتها تدهوراً”.نزحت عائلة كريمة الجندي (۲۵ سنة) من مدينة معرة النعمان إلى مخيم مشهد روحين شمالي إدلب، وقرر أهلها تزويجها من رجل مسن، بعد تعرضها لإصابة حربية. تقول: “تعرضت لإصابة في بداية عام ۲۰۱۹، أدت إلى بتر قدمي اليسرى، ولاحقاً حصلت على طرف صناعي عبر جمعية خيرية، وأصبح وسيلتي في التنقل، وفي بداية عام ۲۰۲۲، قام أخي بتزويجي ليتخلص من عبء وجودي معهم في المنزل”.وتضيف الجندي: “أخي لم يسألني عن رأيي في هذا الزواج، وأعيش اليوم حياة أشبه بالجحيم، وكلما أردت إنهاء الزواج يرفض أهلي ذلك، ويطلبون مني الصبر والتحمل. أشعر بالتهميش، ويلاحقني شبح الخوف من المستقبل”.تعاني رائدة ديبان (۱۹ سنة) من إعاقة حركية منذ تعرضها لحادث سير، وهي تستخدم كرسياً متحركاً في التنقل، وقد حاولت سابقاً أن تنهي حياتها بسبب قسوة ظروفها، وحياة العزلة التي تعيشها، وحرمانها من حقها في التعليم والرعاية الصحية. تقول لـ”العربي الجديد”: “أعيش على الهامش كوني أحتاج إلى مساعدة لإنجاز جميع تفاصيل حياتي. يعمل والدي في ورشة لتصليح السيارات، وهو غير متفرغ لإيصالي يومياً إلى المدرسة، ويكرر على مسامعي أنني لن أجد فرصة عمل بعد إنهاء الدراسة بسبب الإعاقة، لذا أجبرني على التخلي عن دراستي، والبقاء في المنزل. أتعرض للتنمر المجتمعي، وكنت أرغب في أن أكون متعلمة ومنتجة وفاعلة، لكن قسوة الإعاقة وغياب الدعم وصعوبة التنقل حرمتني من أبسط حقوقي، وقضت على جميع أحلامي”.
ولا تختلف معاناة المعلمة نجوى الحسن (۲۸ سنة) من مدينة سرمين شمالي إدلب، عن سابقاتها، إذ حُرمت من رعاية طفليها بعد تعرّضها لإصابة حربية، وتقول لـ”العربي الجديد”: “تعرّضت لشظية قذيفة أفقدتني القدرة على المشي نتيجة تضرر عمودي الفقري. بعدها شعرت بتغير معاملة زوجي، وزادت الخلافات بيننا، ثم قام لاحقاً بالانفصال عني، وأخذ مني أولادي بحجة أني غير قادرة على رعايتهم. أعيش حالة نفسية سيئة بعد أن خسرت كل شيء، ولم يعد لحياتي معنى، وأنتظر الموت ليخلصني من المعاناة، فحتى عملي خسرته لأنني عاجزة عن التنقل، وتطاردني نظرات الشفقة في عيون الناس يومياً، وأشعر أن العقبات الاجتماعية التي تواجهها المرأة المعوقة أشد وطأة من الإعاقة ذاتها”.وتشير المرشدة الاجتماعية تسنيم العثمان من مدينة حارم شمالي إدلب، إلى أن هناك العديد من العوامل التي تزيد من مخاطر تعرض النساء المعوقات للعنف، من بينها التمييز، فالمعوقون يعتبرون أشخاصاً يستحقون الإحسان، أو يخضعون لقرارات يتخذها آخرون نيابة عنهم، ولا يعتبرهم كثيرون أصحاب حقوق، ما يشجع على الشعور بأنهم غير قادرين على اتخاذ قراراتهم بصورة مستقلة.
تضيف العثمان: “المرأة المعوقة أكثر عرضة للاستغلال، ولا تزال التقاليد السائدة تخيم على عقول أولياء الأمور، فيعتبرون أن خروج الفتاة ذات الإعاقة من المنزل، أو ذهابها إلى المدارس عيباً، أو يجلب الخزي لأسرتها، خاصة في المناطق الريفية، كما أن تأثير الإعاقة على مستقبل المرأة أكبر من تأثيرها على الرجل، إذ تفقد المرأة عادة فرصة بناء أي مستقبل شخصي أو مهني، وقد شرعنت مجتمعاتنا العنف ضد المرأة بقوانين جائرة تتعاضد مع أعراف اجتماعية وتفسيرات دينية مغلوطة، ما يجعل المرأة –الضحية- تتعرّض لعنف أكبر في حال أعلنت ما تعرضت له”.وتشدد المرشدة الاجتماعية على ضرورة الاهتمام بالنساء والفتيات ذوات الإعاقة، والعمل على منحهن حقوقهن التي تقرها المواثيق والمعاهدات الدولية كافة، فضلاً عن التصدي للتمييز ضدهن، وتوفير فرص التدريب والتأهيل بهدف دمجهن في المجتمع، وتركيز الجهود على التوعية المجتمعية للتعريف بحقوق ذوي الإعاقة، ومحاولة تغيير النظرة السلبية لهم، وتفعيل مشاركتهم المجتمعية.
المصدر : العربي الجدید