اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
هذا مقطع قصير من مدونة فتاة صينية توثق تفاصيل حياتها اليومية وتشاركها مع خمسة ملايين يتابعون حسابها. وانتشرت هذه المقاطع بشكل واسع خلال الأشهر الأخيرة على منصات التواصل الاجتماعي، وأظهرت شابات يمارسن أنشطة طبخ وتنظيف، ويشاهدن أفلاماً ويلتهين بألعاب الفيديو في أماكن سكن مريحة خالية من تأثير الرجال. ورغم أنّ هذه الفيديوهات تبث على منصات تستهدف جمهوراً نسائياً إلى حدّ كبير، فهي تجذب شريحة كبيرة من الشباب.وحذر نشطاء من تداعيات هذه اللقطات للحياة المثالية للعازبات، وقالوا إن “الصورة الوردية التي تسود في عالم الحياة المنفردة تحتم توخي الحذر في تقييم مزاعم مدوني الفيديوهات في شأن الحرية، فالنساء العازبات اللواتي يعرضن هذه الفيديوهات ربما يكن مستقلات وجذابات لكنهن يخضعن للمنطق الأساسي للاستهلاك والتسويق الذي يسود وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يعكسن بالضرورة الحياة الواقعية والطبيعية”.وخلال السنوات الأخيرة في الصين، راج مصطلح “شنغ نيو” الذي يعني “بقايا نساء” باللغة الصينية لوصف الحالة الاجتماعية للفتيات غير المتزوجات اللواتي تجاوزن سن الـ۲۷٫ وكان هذا المصطلح يُستخدم للاستهزاء بالعانسات لأنهن يتبعن معايير غير واقعية في اختيار الزوج المحتمل، ولأن لديهن، بحسب المتنمرين، أنانية مفرطة تجعلهن لا يأخذن في الاعتبار احتياجات الأسرة أو المجتمع. وكان المصطلح يعني ضمناً أن النساء العازبات يمثلن مشكلة اجتماعية تحتاج إلى حلّ.مي لي، مدونة عزباء تقيم في مدينة تيانجين (شمال)، لديها حساب على منصة صينية شهيرة يتابعه نحو ۵۰۰ ألف مستخدم تستعرض فيه يومياتها وهواياتها واهتماماتها الخاصة. وتقول لـ”العربي الجديد”: “لا أهدف من خلال مقاطع الفيديو التي أنشرها إلى إجراء مقارنة بين حياة العازبات وتلك للمتزوجات كما يعتقد البعض. قد يكون هناك العديد من الأزواج السعداء في حياتهم، وفي المقابل هناك الكثير من التعساء الذين لم يحالفهم الحظ في الارتباط، لكن خياري الشخصي كان عدم الارتباط والبقاء عزباء لأنني ببساطة استمتع بالحرية. هذا الشعور الغامر بالسعادة يدفعني إلى مشاركة أسلوب حياتي مع الآخرين، ولاقى ذلك صدى واسعاً عند الشباب.”
ويعلّق أستاذ الدراسات الاجتماعية السابق في جامعة “صن يات سن” وي لي فنغ بالقول لـ”العربي الجديد”: “تتمثل دوافع بعض الفتيات اللواتي فضلن حياة العزوبية في تحدي الصورة النمطية السلبية المرتبطة بالنساء العازبات في الصين، إذ يردن إيصال رسائل إلى المجتمع الذي حط من قدرهن، أهمها أن أسلوب الحياة المنفرد والمستقل عن سلطة الزوج أو الرجل، أمر مرغوب، بل غاية لمن يعانين من الاضطهاد الذكوري”. يضيف: “رغم أن هيئات رسمية مثل اتحاد نساء عموم الصين تجنبت إلى حدّ كبير استخدام كلمة شنغ نيو خلال السنوات الأخيرة، لا يزال المصطلح والوصمة الكامنة وراءه ظاهرين في وسائل التواصل الاجتماعي والحياة اليومية، وحتى في السينما هناك نظرة دونية للعازبات، ومعظم الأعمال التلفزيونية تظهر أنّ الرجال لا ينجذبون إليهن. ويلفت وي إلى أنه “من خلال تتبع هذه الظاهرة ومقاطع الفيديو المنتشرة، يبدو أن فكرة الحرية تشكل محوراً أساسياً، إذ تركز جميعها على موضوع العيش وحيداً، والتي تستند غالباً إلى الرأي القائل بأن الزواج، على الأقل بالنسبة إلى النساء، يعني نهاية الحرية. ولإثبات أن أسلوب العيش المنفرد أمر مرغوب فيه، يميل مدوّنو الفيديو الذين يعيشون بمفردهم إلى تأكيد موضوعين هما الاستقلال المادي وانضباط إيقاع الحياة”.
في المقابل، ترى الباحثة الاجتماعية يو تشون، في حديثها لـ”العربي الجديد”، أن الأمر لا يعدو كونه استهلاكاً تجارياً، إذ تظهر الفيديوهات المنتشرة منتجات تتعلق بالعناية بالبشرة، وإكسسورات نسائية وأثاثاً منزلياً، ما يعكس الجوهر التجاري المفرط في منصات التواصل الاجتماعي الذي يستهدف شريحة اجتماعية محددة من خلال تعزيز ثقافة الاستهلاك عبر استغلال قوة التأثير التي تتمتع بها شابات جذابات يتابعهن مئات الآلاف من الشبان”.تضيف: “بالتزامن مع ترسيخ صورة أن البقاء عازبات يسمح للنساء بالعناية بأنفسهن بشكل أفضل مما قد يفعلنه في الزواج أو الارتباط، وأن الاستقلال المادي مفتاح سعادتهن، يجرى دفعهن في اتجاه البحث عن أسلوب حياة جديد متحرر من ضغوط الحياة الزوجية، وحين يصلون إلى هذه المحطة، يكونون أكثر استهلاكاً واستعداداً للإنفاق، وهذا بالضبط ما تسعى إليه الشركات التجارية”.
المصدر: العربي الجديد