اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
هؤلاء النسوة هن ضحايا لعنف تعرضن له في ظروف ومناطق وأوقات مختلفة، وبعضهن عشن تجربة الحمل خارج إطار الزواج، فتخلت عنهن أسرهن رفقة أطفالهن، وبعضهن مازلن على وشك الإنجاب.كان تفجر الصراع مفاجئاً لمديرة منظمة شمعة، نور حسين، لكنها تصرفت بسرعة. تقول: “أحكمت إغلاق الباب، وانتظرت توقف القتال رغم أن الضرب بدأ عنيفاً. ظننت أن إطلاق النار سوف يتوقف سريعاً، ولم يخطر ببالي أنه سيتطور إلى حرب واسعة تستخدم فيها أسلحة فتاكة لا يمكن أن تستخدم في داخل الأحياء السكنية”.قرر غالبية سكان الحي المغادرة خشية أن يتضرروا من القتال، لكن سقط البعض بالرصاص المتبادل بين طرفي الصراع، ما جعل نور عاجزة عن نقل النساء وأطفالهن إلى موقع آخر بعيد عن مقر المنظمة في الحي الذي سرعان ما أصبح هدفاً للطائرات المقاتلة والقصف بالأسلحة المختلفة، كونه أشبه بثكنة عسكرية لعناصر الدعم السريع.تأسست منظمة “شمعة” في عام ۲۰۰۷، وهي تهتم بالأطفال فاقدي الرعاية، والذين تتخلى عنهم أمهاتهم فور ولادتهم، وكان يتم إيواء الأطفال سابقاً، في دار رعاية الطفل اليتيم المعروفة باسم “دار المايقوما”، والتي تُدار بواسطة وزارة الرعاية الاجتماعية، وفي ۲۰۱۱، حازت المنظمة على إذن من السلطات الرسمية لإيواء الفتيات اللائي يحبلن خارج إطار الزواج، أو من يتعرضن للاغتصاب أو العنف الجسدي، وتتخلى عنهن أسرهن.تقول إحدى النزيلات إنهن فضلن البقاء في مقر المنظمة على المخاطرة بالمغادرة، وإن أيا منهن لا تتجرأ على العودة إلى أسرتها، وهن يخشين الموت خلال الاشتباكات الدائرة، لكنهن أيضا معرضات للقتل في حال العودة إلى عائلاتهن.
في يوم ۲۱ أبريل، أي بعد ستة أيام من الصراع، نفد الطعام، وتقول نور حسين: “أجريت اتصالات هاتفية بعدد من أصدقاء المنظمة طالبة منهم إنقاذنا، وخاطر اثنان منهم بحياتهما، وأحضرا لنا بعض البقوليات والدقيق والسكر. في الفترة بين ۳ إلى ۹ مايو/ أيار، اضطررنا إلى أكل وجبة واحدة من أجل الاقتصاد في الطعام المتبقي، مخافة أن ينفد”.في الأسبوع الرابع من الصراع، كانت اثنتان من النزيلات على وشك الولادة، فأخذتهما مديرة المنظمة بسيارة أجرة، وظلت تجوب الطرق المكدسة ببقايا الآليات العسكرية المدمرة وبعض الجثث، بحثاً عن مستشفى للولادة. وقتها كانت جميع مستشفيات وسط الخرطوم مغلقة، فحياة الكوادر الطبية أصبحت في خطر حقيقي، إما بسبب شظايا القصف، أو قنابل الطائرات.خلال هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر، كادت النسوة الثلاث أن يفقدن حياتهن لأن قناصاً كان على سطح إحدى البنايات صوب سلاحه تجاه عربة الأجرة التي تقلهن، ولولا تدخل أحد رفاقه، ومنعه من إطلاق النار، لأمطرهن بالرصاص، تعلق نور: “كتبت لنا حياة جديدة. لم نكن ندرك أن الجنود القابعين داخل مركباتهم العسكرية أيديهم على الزناد، ولا يترددون في إطلاق النار على أية مركبة تظهر أمامهم. وصلنا بصعوبة إلى مستشفى ناء في جنوبي الخرطوم، وأنجبت المرأتان بسلام”.
وتعرّضت المستشفيات والمراكز الصحية في السودان إلى قصف متكرّر، فيما احتلّ بعضها مقاتلون من طرفَي النزاع، أو باتت خالية من العاملين أو الأدوية والمستلزمات الطبية. وفي ۱۷ مايو، أعلنت وزارة الصحة السودانية أن قوات الدعم السريع تمركزت في ۲۴ مستشفى، و۴ مؤسسات صحية حيوية، بينما تنفي “الدعم السريع” هذه الاتهامات، وتحمّل الجيش مسؤولية قصف مستشفى شرق النيل بالطيران الحربي “ما خلف قتلى وجرحى، ووعدت الكوادر الطبية بحمايتها من أي اعتداء”.تقول نور حسين: “أنا من شريحة فاقدي رعاية الوالدين، وقضيت فترة من طفولتي في (دار المايقوما) حين تخلى عني والدي قبل نحو خمسين عاماً، وكنت ضمن عدد قليل من أطفال تلك الشريحة الذين حظوا بتعليم أكاديمي، ما جعلني أكرس وقتي وجهدي للأطفال، ووضع حد للانتهاكات الجنسية والجسدية الواقعة على النساء”.ورغم أن “الدعم السريع” يسيطر على المنطقة برمتها، ويقيم حواجز تفتيش على المداخل والطرق الرئيسية التي تقود إلى الحي، لكن هذا لم يمنع اللصوص من الوصول إلى مقر منظمة “شمعة”، حيث تقيم النساء، وفي ۱۹ مايو، فوجئت النزيلات بمجموعة من اللصوص يقتحمون الشقة.تقول نور: “بينما كنا نتناول الغداء، في حوالي الساعة الخامسة مساء، اقتحم الشقة ستة لصوص يحملون بنادق كلاشنكوف، وطلبوا منا عدم التحرك من أماكننا، وتسليمهم الهواتف النقالة. أشهر اللصوص أسلحتهم في وجه النساء، وعقب جمعهم الهواتف، طلبوا أن ندلهم على أماكن النقود والذهب. حين أخبرتهم النساء أن ما طلبوه غير متوفر، وأنهن يتضورن جوعاً، أعادوا لهن واحداً من الهواتف، وغادروا”.
تضيف: “بعد منتصف الليل طرق اللصوص مجدداً على باب الشقة، لكن يبدو أنهم جاؤوا هذه المرة لغرض آخر غير السرقة، فقد بحثوا في كل مكان قبل ساعات، ولم يجدوا أي شيء. عادوا مجدداً، وبدأوا في طرق الباب بعنف ملوحين بالأسلحة. لكن لاحظتهم دورية عابرة من الدعم السريع، فقبضوا عليهم، وأوسعوهم ضرباً، ثم ذهبوا بهم إلى جهة غير معلومة”.ورغم العديد من المناشدات التي أطلقتها النساء، لم يجدن من ينقلهن إلي جهة آمنة، ولازلن يقبعن تحت دوي أصوات أسلحة المتقاتلين، وتهديدات اللصوص الذين نهبوا كل بيوت الحي، وأملهن الوحيد هو نجاح اتفاق وقف إطلاق النار في فرض هدنة تجلب لهن السلام بعد أن فقدن الأمان.
المصدر : العربی الجدید