اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
تلك قصة ابنة الإعلامي الفلسطيني المقيم في غزة هاني المغاري، رواها بنفسه ليجعلنا شهوداً على ما تكابده أسرته مثل نحو ۲٫۵ مليون إنسان، يحاصرهم الاحتلال ويشن حرباً عليهم منذ قرابة العامين، ويجرب فيهم أعتى الأسلحة التي تتدفق إليه من مختلف دول العالم المنافق، الذي يدعي زوراً وبهتاناً الحضارة، والذي تقلقه أخبار باخرة تحمل الماشية في عرض البحر إن تعرضت لأذى أو تكدست فيها الحيوانات، فيما مصير كل هؤلاء البشر لا يعنيه.
وإن كانت حرب غزة أظهرت أساطير في الصمود والمقاومة واستحدثت مسارات جديدة في العلوم العسكرية، فإنها أيضاً – تلك الحرب نفسها – أظهرت كم نحن أمة مستضعفة، إلى درجة أن ۲ مليار مسلم يعجزون عن فك الحصار عن أهل غزة، فيما كان لدى بعض أقطاب الجاهلية من قريش مواقف أكثر نبلاً من مواقف البعض في زمننا، إذا قالو حين كانت مقاطعة المسلمين وحصارهم ««يا أهل مكة، انأكل الطعام، ونلبس الثياب ، وبنو هاشم هلكىٰ لا يُباع ولا يُبتاعُ منهم؟!».
ليت أهل غزة كانوا عصافيراً أو طيوراً مهاجرة أو حتى أسراب سمك، لكان العالم تعامل معهم برحمة أكبر وأخذ مأساتهم على محمل الألم والجد بشكل أكبر، ليت أهل غزة كانوا وروداً في حديقة بأقاصي العالم أو تماثيل أثرية في دولة نائية أو حتى أشجاراً في غابة استوائية، ربما هب العالم لمساعدتهم بصورة مغايرة.
ليت أهل غزة كانوا أصحاب بشرة شقراء أو عيون ملونة، أو ليتهم كانوا يتكملون لغة غير العربية، لشاهدنا استنفاراً عالمياً ونجدة لهم من عشرات الدول.
يوشك أهل غزة على الدخول في عامهم الثالث مع حرب الإبادة ولا زال البعض يتقاذف المسؤولة ويتساءل عن السبب وراء كل ما حدث ويحدث، لكن هل سمعتم يوماً إطفائياً يسأل عن سبب اندلاع الحريق قبل إخماده؟.
قرأنا في كتب التاريخ عن جرائم إبادة أصابتنا الفاجعة لهول تفاصيلها، ولكننا اليوم شهود عيان على إبادة غير مسبوقة، إبادة تبث أحادثها وفصولها الدامية على الهواء مباشرة، من قبل احتلال مجرم، هو آخر معاقل الاستعمار في العالم، لم يتورع عن استهداف شيء، من مساجد وكنائس ومستشفيات وطواقم إسعاف وفرق إغاثة وإعلاميون، لا بل وحتى الجنائز والمقابر نسفها.
ماذا ستقول الأجيال اللاحقة عنا حين تقرأ تاريخ أعوام المجاعة والإبادة والمحارق البشرية لأهل غزة؟ وبماذا سنجيب أحفادنا إن سألونا؟: أين كنتم منهم وماذا فعلتم لنجدتهم؟
في غزة، أجساد منهكة أشبه بالهياكل العظمية، طحين يختلط بالدماء، وأشلاء أسر أزيلت من السجلات، تلك باتت مشاهد يومية من القطاع المنكوب، فيما يفتك الجوع بأطفال أمام آبائهم وأمهاتهم الذين يمزق الأسى قلوبهم لعجزهم عن تقديم أي شيء لفلذات أكبادهم، إلا الدعاء.
القبس