عراقيات يتحدين القمع رفضاً لقانون الأحوال الشخصية

تتكرر في المحافظات العراقية وقفات احتجاجية نسائية ضد إقرار قانون "الأحوال الشخصية" الذي تستخدم أطراف سياسية ودينية نفوذها لتعديله في مجلس النواب، رغم أنه يُثير جدالاً شعبياً واسعاً.

في ۱۱ أغسطس/ آب الماضي، تظاهرت عشرات النساء من شرائح مجتمعية مختلفة ضد القانون في ساحة الاحتفالات بمدينة الموصل، وحملن لافتات كتب عليها: “لا لتعديل قانون الأحوال الشخصية”، و”لا لسلب حضانة الأمهات”، و”لا لاغتصاب الطفولة باسم الزواج”، وعبارات أخرى نددت بمواد في القانون.
في المقابل، يصرّ مؤيدو القانون، وهم نواب وقوى سياسية ضمن تحالف “الإطار التنسيقي” الحاكم، وأيضاً جهات دينية، على مواصلة ممارسة الضغوط لتمرير القانون في البرلمان الذي أرجأ مناقشة التعديلات التي كانت مدرجة على جدول أعمال جلسة مقررة في ۲۴ يوليو/ تموز الماضي، تحت ضغط رفض نشطاء وسياسيين لها. 

وبينما تواصل ناشطات تنظيم وقفات احتجاج سلمية لرفض القانون، يواجهن صعوبات في تجاوز الضغوط التي تفرضها بعض الأطراف عليهن، ومحاولة منعهن من الخروج وإبداء آرائهن عبر حجج تجاوز التقاليد المجتمعية والتشريعات الدينية، خاصة في محافظات الجنوب، مثل النجف، حيث تعرّضت محتجات لمضايقات من أشخاص اعترضوا على خروجهن من المنازل، ورفضوا منحهن حق التعبير عن آرائهن.
تقول الناشطة في مجال حقوق المرأة، مهى الجحيشي، لـ”العربي الجديد”، إن “النساء يواجهن حملات تحريض وضغوط مجتمعية وسياسية ودينية كبيرة من أجل سلبهن حقهن في التعبير عن الرأي، خاصة في محافظات الجنوب. ما  يُراد فعلياً هو سلب المرأة العراقية حق الرأي أولاً، ثم إقرار قوانين تمنعها من الحصول على أبسط حقوقها. نسعى بدعم من جهات ترفض القانون إلى تنظيم وقفات احتجاج للتعبير عن رأينا، وندعو المثقفين والمؤسسات الإعلامية غير الحزبية إلى دعمنا لمنع تمرير هذا القانون الذي يعتبر انتهاكاً صارخا لحقوق المرأة”.
ويعمل ناشطون مدنيون لإيصال صوت المرأة الى الجهات السياسية، وكتب الناشط علي المكدام، على منصة “إكس”: “زرنا الرئيس عبد اللطيف رشيد، واستعرضنا معه أبرز أسباب الرفض، وأوضحنا له أن التعديلات المقترحة لقانون الأحوال الشخصية تخالف مواد دستورية، وسيؤدي إقرارها إلى مخاطر وانقسامات مجتمعية. أكد الرئيس أهمية الحفاظ على الاستقرار والتوازن وإبعاد كل ما يمكن أن يقسّم المجتمع ويمزق الاستقرار”.

ضد عيش المرأة في "العصور المظلمة" (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
ضد عيش المرأة في “العصور المظلمة” (أحمد الربيعي/ فرانس برس)

ويقول الباحث القانوني عبد الرزاق علي لـ”العربي الجديد”: “تتحدث إحدى فقرات مشروع القانون عن أن المتقدم للزواج سيختار أحد المذهبين الشيعي أو السني لتطبق أحكامهما في مسائل الأحوال الشخصية، وهذا غير مطبق في القانون الحالي. بعد تحديد المذهب، ينص القانون في حال وقع خلاف بين الزوج والزوجة على اللجوء إلى الرأي الشرعي لحل الخلاف من دون الاستعانة برأي القضاء، أي أن المشورة العليا للفقيه وليس القاضي”.
ويشير إلى أن “القانون يُلزم الوقفين السني والشيعي التنسيق مع مجلس الدولة لوضع مدونة الأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية وتقديمها الى مجلس النواب للموافقة عليها خلال ۶ أشهر من تاريخ إقراره. وهذه المدونة لا تزال موضع خلاف لأنها لم تعد بشكل رسمي، وهي موضع جدال قانوني وسياسي، وستبنى أساساً على آراء فقهية يلتزم القضاء بتطبيقها من دون نقاشها”.
ويضيف: “القانون الحالي يحدد سن الزواج بـ۱۸ عاماً، ويمنع الزواج خارج إطار المحاكم، كما يمنع زواج الفتيات في أعمار مبكرة، كما يراعي القانون المطبق حالياً القدرة البدنية للزوجة، أما القانون الجديد فيعتمد مسألة العمر فقط من دون أي محاذير، ويتيح للأب تزويج ابنته في عمر مبكر من دون أي نضوج عقلي، ما قد يعرّض الأسرة إلى الهدم، ويضفي القانون المقترح شرعية على الزواج خارج المحاكم عبر عقود من شخصيات دينية لا تضمن أيضاً حقوق الزوجات والأطفال، ما قد يتسبب في مشاكل على صعيد النفقة ونسب الأطفال ومشاكل اجتماعية أخرى  خطيرة على الاستقرار الأسري”.

وتتضمن التعديلات الجديدة للقانون إدخال الوقفين السني والشيعي في قضايا الخلع والتفريق، ما يعتبره رافضو القانون ترسيخاً للطائفية في إدارة الدولة والقضاء، وابتعاداً عن الدستور الذي ينص على مدنية الدولة العراقية، كما تتجاهل التعديلات حالات رفض الزوجين عقد الزواج وفقاً للمدارس الفقهية السنية أو الشيعية، وهي ظاهرة متزايدة في المجتمع العراقي الذي يشهد زيجات مختلطة بين ديانات ومذاهب، بينما يمنح القانون المعمول به منذ عام ۱۹۵۹ القضاء المدني حق عقد القران والتفريق وفقاً للقانون وليس بحسب الطوائف أو الأديان.

المصدر: العربي الجدید