اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
عبد الباسط خلف- يودع مخيم جنين المُعاد احتلاله منذ ۷ أشهر الثمانينية عليا زبيدي العامر، والدة الشهيد زياد العامر أحد قادة كتائب شهداء الأقصى عام ۲۰۰۲، وأم الأسرى المحررين: عماد، ومحمد، ومؤيد، وأحمد، وجدة الشهداء: نضال، وأيسر، وأيهم، ويوسف، وعمة الشهداء: طه وداود زبيدي والأسير المحرر زكريا، وخالة الشهيد نضال أبو شادوف.
ويقفز سريعا، شريط سيرة حياة الراحلة، التي غيبها الموت نهار الخميس، فوالدها عبد الرحيم زبيدي وأمها عائشة خميس نجار، وشقيقها دعاس (توفي صغيرا)، وأختها خضرة (تقطن في مخيم البقعة بالأردن) وشقيقها محمد (والد الشهيدين طه وداود زبيدي)، وأسعد (قضى طفلا)، وأختها فايزة (نازحة في صويلح بالأردن)، والشقيق إبراهيم (الأسير والمبعد الذي قضى شابا)، والأخت أحلام (توفيت في يعبد).
أبناء وأحفاد
ويتوالى تكرار سيرتها، فشقيقتها نصرة (مقيمة في بلدة برقين ونفذ ابنها نضال إبراهيم أبو شادوف عملية في محطة القطارات بحيفا خلال تموز ۲۰۰۱، ويقضي ابنها إسماعيل حكما بالسجن ۳۰ عاما في سجون الاحتلال، ومحمد ۵ سنوات، وتبعهم نبيل، وطارق، وقسام)، أما بيتهم فنسف عام ۱۹۸۸، أثناء هدم بيت شقيقتها الملاصق لمنزلهم، وهدم منزل ابن اخيها زكريا في نيسان ۲۰۰۲، وتكرر هدم بيت زكريا مرة أخرى خلال مطاردته. فيما تعرض شقيقها جمال للاعتقال عام ۱۹۷۹، هو وشقيقه إبراهيم وأمضيا سنة ونصف السنة في عدة سجون، وتوفي والدها وهما في الأسر.
ووفق مصادر العائلة، فقد جُرح والد الراحلة في قدمه خلال ثورة ۱۹۳۶، واعتقل وحكم سنوات طويلة، لكنه تحرر بعد الهجوم على سجن عثليت من القائد (أبو درة)، وهو أحد أقطاب الثورة ومن بلدة سيلة الحارثية في جنين خلال تموز ۱۹۳۸٫ وكرر ابن شقيقها زكريا، ونجح في انتزاع حريته مع خمسة أسرى آخرين من سجن جلبوع في أيلول ۲۰۲۱٫
وعد ووفاء
ومما باحت به عليا لـ”الحياة الجديدة” قبل رحليها، فقد عاهدت ابنها زياد ألا تخرج لا هي ولا زوجته أو أطفاله من المخيم عام ۲۰۰۲، مهما حدث، وأوفت بوعدها له، وكانت تتصل معه عدة مرات، خلال المعركة، وتسمع منه ما يرفع معنوياتها.
وأشارت إلى أنه حين تأخر اتصاله بها في اليوم الثالث، بقيت تنتظره، ولم تسمع صوته، وقبلها كان يرسل الشبان لتتبع أماكن تجمع جنود الاحتلال وآلياته.
ووفق شهادتها السابقة، فقد التصقت الأم الراحلة بالمذياع، وكانت تستمع إلى فضائية “الجزيرة”، التي راحت تنقلها المحطات المحلية بالصوت، وحين قالت المراسلة الشهيدة شيرين أبو عاقلة إن ابنها زياد وصديقه عدنان مشارقة استشهدا، ألقت الأم بالمذياع الأسود، على الحائط، وأخذت تصرخ.
وتابعت: غادرت المنزل في أطراف المخيم، ووصلت رغم الرصاص والقصف إلى حارة الحواشين، والتقيت بحفيدي محمد، فسألته عن زياد، ولم أنتظر الجواب، ثم تسللت إلى المستشفى، فلحق بي الشاب محمد عمر حواشين، وطلبت منه أن يعود، فرفض، وأصر على مرافقتي، وحين وصلنا دوار المستشفى، كانت أكوام الأتربة عالية، فاحتميت بها، وأصيب محمد في رأسه، وصرت أصرخ طلبا للإسعاف.
فتاة “المنسي”
ووالت الأم، التي أبصرت النور في المنسي قضاء حيفا، عام ۱۹۴۴: دخلت إلى قسم الطوارئ، ولم أجد ابني، ثم سألته عنه، ولم يخبرني أحد بشيء، وقابلت ابن جيراننا، الذي قال لي إن زياد خرج إلى نابلس، لكنني سألته: كيف خرج، وكل المخيم وجنين محاصرة؟ وحين جاءت الممرضة فاطمة تركمان، أخبرتني أن زياد في ثلاجة الموت، ورحت أفتش عنه فيها، وشاهدت دموعه على خده، وكان جسمه أصفر مثل الكركم، والثلاجة كلها شهداء.
ووفق راوية الراحلة، فقد كان آخر مشهد تتذكره، أن الممرضة أعطتها حقنة، قبل أن تفقد الوعي، ثم استفاقت في إحدى غرف المستشفى، وأقامت فيها ليلة، واخترق الرصاص الجدران، ثم بحثت عن سيارة إسعاف تعيدها إلى منزل عائلتها الذي كان فيه بناتها، وزوجات أولادها، وأحفادها، ومن بينهم أبناء زياد: آية، وملاك، وعامر، ونضال، الذين لم يعرفوا أن والدهم استشهد.
ذكريات ثقيلة
مما كان يستعصي على الرحيل من ذاكرة عليا زبيدي عامر، مشاهدتها للقبر الجماعي في ساحة المستشفى، الذي ضم ابنها، وعطية أبو إرميلة وابنه، وممرضة من عائلة الجمال، وشبان من المخيم، مثلما سمعت خلال وجودها في المستشفى، أن عائلة زوج ابنتها، تعرضت للقذائف، فعاشت على أعصابها خشية أن تكون ابنتها قد لحقت بأخيها، وحين وصلت سيارة الإسعاف، وجدت سلفة ابنتها تسبح في دمها.
وزادت الأم: عشنا ۸ أيام دون نوم، ولم أعرف شيئا عن مصير زوجي وأولادي الأربعة: محمد، وعماد، ومؤيد، وأحمد، بعد استشهاد زياد، وكانت لحظات عصيبة، لم تسكت خلالها أصوات القذائف.
ومما أضافته: احتمت عائلة العامر في غرفة صغيرة، ضمت قرابة ۳۰ امرأة وطفلا، وشاهدت الموت بعينها أكثر من مرة، ورأت الجندي، وهو يصوب بندقيته نحوها، وتلقت الكثير من الأنباء المؤلمة عن هدم المنزل الذي يتحصن فيه زوجها وأولادها، كما طلب منها جنود الاحتلال إخلاء منزلها.
وأكدت قبل الممات: يعيش زياد في قلبي، ولم أنسَه، فضحكته وشجاعته باقية، وسأبقى في المخيم، لأن ذلك يسعده، وهذا وعد الشرف، الذي أحبه ابني، ولم أترك المخيم إلا إلى المنسي أو القبر.
وتجمع أسرة عليا زبيدي عامر بين الأجداد والآباء والأبناء والبنات والأحفاد الشهداء، والأسرى، والجرحى، والأسرى المنتزعين حريتهم بأيديهم، والمبعدين، والملاحقين، والمهدومة منازلهم، والمنخرطين في ثورات ۱۹۳۶، والمشاركين في انتفاضتي الحجارة، والأقصى، والمحرومين من العلاج داخل مشافي الخط الأخضر، والشهداء المحتجزة جثامينهم في ثلاجات الموت، وشهداء الاقتحامات المتلاحقة لمحيم جنين في السنوات الأخيرة.
الحیاةالجدیدة