اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
في تقرير نُشر مؤخرًا على موقع Phys.org العلمي، أظهرت نتائج دراسة في أيرلندا الشمالية أن نسبة عالية من النساء -أكثر من ۸۰٪- كانت لديهن أول تجربة مواجهة لسلوكيات جنسية مسيئة في مرحلة الطفولة. وما يجعل هذه الإحصائية أكثر إثارة للقلق هو السن المبكر للتجربة الأولى: ربع النساء قلن إنهن مررن بهذه التجربة قبل سن الحادية عشرة.
التصفير، النظرات الثابتة، التصريحات الجنسية، اللمس غير المرغوب فيه، وحتى التعرض لعرض الأعضاء التناسلية، هي ضمن قائمة السلوكيات التي اختبرتها هؤلاء النساء. إذا تم التعامل مع هذه الحالات ببساطة على أنها “سوء سلوك فردي”، فسيتم تجاهل الخطر الرئيسي: هيكل خفي يجعل المرأة تُرى ليس كإنسان، بل كشيء.
من الإنسان إلى الشيء: عملية غير مرئية ولكنها حقيقية
في السنوات الأخيرة، أجرت أبحاث علم النفس الاجتماعي في الجامعات الأوروبية والأمريكية دراسة حول ظاهرة يُشار إليها باسم “التشييء” (Objectification)؛ وهي ظاهرة قد يكون أفضل ترجمة لها “شيءنة”. تنص هذه النظرية على أنه في الثقافات التي يتم فيها عرض جسد المرأة باستمرار وعلانية -سواء في الإعلانات أو وسائل الإعلام أو حتى نمط اللباس الشائع- تتشكل تدريجياً صورة للمرأة في الذهن الجمعي تجعل جسدها محور هويتها، وليس عقلها أو فكرها أو شخصيتها.
أظهرت الدراسات المنشورة في مجلات علم النفس المرموقة (بما في ذلك أبحاث Gray و Bernard) أنه عند مواجهة صور لنساء بملابس أقل، يقل النشاط المعرفي في الدماغ في المناطق المتعلقة بـ “إدراك عقل الإنسان”. ببساطة، عندما يُرى الجسد أكثر، يُرى العقل أقل.
هذه النتائج مقلقة، لأنها تشير إلى أنه حتى الأفراد العاديين وغير العنيفين قد -دون وعي- يرون الأشخاص ذوي الملابس الأقل على أنهم أقل إدراكًا كبشر لديهم مشاعر وإرادة ووعي.
عندما لا يكفي الرؤية
في العديد من مقابلات النساء في الدراسة المذكورة، يتكرر عبارة “كان مجرد نظرة” أو “كان مجرد كلام”. ولكن وراء هذه “المجردات” يكمن نفس النظرة التي تفصل المرأة عن مكانتها الإنسانية. إذا كنت ترى شخصًا ليس كـ “شخص” بل كـ “شيء”، فلن تشعر بأي قيود في التعامل معه؛ يصبح لمسه أسهل، وإذلاله أسهل، واحترام حدوده يصبح بلا معنى.
لا يبدأ التشييء بالضرورة بسوء النية؛ بل ينشأ أحيانًا من العادات الجماعية، ومن نماذج الجمال في الفضاء الإلكتروني، ومن المعايير التي تتشكل في أذهاننا دون وعي.
مسافة تقترب
إن ما تم تصويره في مقال Phys.org ليس مجرد قضية خاصة بمجتمع بعيد. في السنوات الأخيرة، يشهد مجتمعنا أيضًا تحولات تُعرَّف ظاهريًا بـ “الحرية” و “حق الاختيار”، ولكنها في جوهرها تتطلب تأملًا:
عندما يتشكل نموذج للمرأة في الفضاء العام يقدمها في المقام الأول من خلال جسدها -سواء في اللباس أو في العرض أو في نوع الاهتمام الذي تجذبه- يكمن الخطر هناك. ليس بشكل مفاجئ، ولكن تدريجيًا. النظرات التي تصبح طبيعية، والكلمات التي لم تعد تعتبر مسيئة، والأطفال الذين يدركون نظرات الآخرين في وقت أبكر مما ينبغي.
في الختام
ربما يكون من الضروري في بعض الأحيان، بدلاً من المناقشات الصاخبة حول الحرية أو القيود، أن نسأل أنفسنا ببساطة: هل الطريقة التي نرى بها المرأة هي نفس الطريقة التي نرى بها الرجل، هل نعتبرها إنسانة؟
ربما يكون الحفاظ على كرامة المرأة، أكثر من كونه مجرد كلام، يعتمد على نظرة تعتبرها إنسانة قبل كل شيء.