عندما ثار ركاب لندن ضد التحرش الجنسي

تحت الأضواء الصفراء الخافتة لعربة خط فيكتوريا، تشبثت امرأة ذات وجه عازم ومضطرب بقضيب معدني في مترو الأنفاق.

كانت ستيلا كيرسي، عضو البرلمان البريطاني عن حزب العمال، ضحية مرة أخرى لسلوك بذيء في قلب المدينة؛ رجل متهور وقف خلفها، كسر حرمتها بكلمات بذيئة ونظرات متجاوزة. لكن تلك الليلة، كانت القصة مختلفة: سرعان ما شكل الركاب المتعبون بعد العمل دائرة بشرية حولها. صرخ أحدهم: “اترك هذه السيدة وشأنها!”، وضغط آخر على زر الطوارئ. ستيلا، التي عانت من التحرش مرات عديدة من قبل، مسحت دموعها هذه المرة وكتبت في اليوم التالي على حسابها في “إكس”:

“إذا كنتم من الأبطال المجهولين في خط فيكتوريا الذين تدخلوا بالأمس عندما تعرضت للتحرش، فتقبلوا شكري من أعماق قلبي… يرجى الإدلاء بشهادتكم لعل الشرطة تسمع صراخنا هذه المرة.”

هذا الحدث ليس سوى قطرة في محيط معاناة نساء لندن. في ظلام الأنفاق تحت الأرض، حيث تتكرر القصص المؤلمة كل يوم:

شابة تهرب من رجل في عربة مترو بخط شرق لندن في منتصف الليل، وتقفز مذعورة من القطار في محطة وابينغ في اللحظات الأخيرة. لاحقًا، قالت بعيون دامعة: “لم يكن هناك ضابط لأبلغ… كنت أريد فقط أن أصل إلى المنزل حية.”

امرأة أخرى، كل صباح في زحام الخط المركزي، يتوقف أنفاسها من كثرة التصاق أجساد الرجال بها قسراً: “لا يمكن حتى عد المرات… كأن جسدي ملك عام.”

وتلك الطالبة المذعورة في محطة كاتفورد المهجورة التي تعرضت للمطاردة سيراً على الأقدام إلى المنزل، واضطرت للركض تحت المطر.

تعتبر ردة فعل ركاب خط فيكتوريا شهادة حية على فعالية تعاليم إسلامية نزلت قبل أربعة عشر قرناً: “وَلْتَكُنْ مِنْکُمْ أُمَّةٌ یَدْعُونَ إِلَی الْخَیْرِ وَیَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ” (آل عمران:۱۰۴). هذا الأمر السماوي لا يعتبر أمن المرأة مسألة هامشية، بل واجباً جماعياً. في نظر القرآن، كل مواطن هو حارس شرف المجتمع:

الوقاية من خلال الرؤية الجماعية: في الإسلام، التدخل في الوقت المناسب (حتى بتنبيه لفظي أو الوقوف في وجه المعتدي) لا يعتبر فضولاً، بل جهاداً مدنياً. كما تدخل ركاب لندن بوعي قبل أن يتحول التحرش إلى جريمة.

كسر سلسلة الصمت: الإبلاغ الجماعي عن السلوكيات المشبوهة يكسر جرأة المجرمين.

كما أظهر مواطنو لندن في تلك الليلة الحاسمة أن النهي عن المنكر له تأثيران حيويان:

تقليل خوف الضحية: لم تكن ستيلا وحيدة.

زيادة التكلفة النفسية للجريمة: شعر المتحرش بالعار أمام الحشد.

إذا كانت لندن، بكل تقدمها المادي، لا تزال تتخبط في كابوس انعدام الأمن، فربما حان الوقت للاستماع إلى حكمة الشرق القديمة: يأتي الأمن الحقيقي عندما يعتبر كل راكب في المترو نفسه حارساً للحرمة الإنسانية؛ لا متفرجاً غير مبالٍ. هذا هو المعنى الحقيقي للحضارة.

تعریب خاص لجهان بانو