اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
يعد توالي الاتهامات الموجهة إلى الدراما المصرية بتبنيها الترويج لمشاهد العنف والبلطجة وصولا إلى انتقادات وجهها الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى الأعمال الدرامية، تعبيرا عن حساسية مجتمعية وأمنية تثيرها مسألة تزايد العنف في الشارع، وتنوع أشكاله وأنواعه بين المواطنين، في ظل مخاوف من الوصول إلى انفلات قد يشكل تهديدا لمنظومة القيم ويلحق ضررا بالاستقرار المجتمعي.
وتعددت جرائم العنف التي حظيت باهتمام واسع في مصر الأيام الماضية، وأبرزها واقعة الاعتداء بالضرب على ضابط شرطة داخل متجر بمحافظة قنا جنوب البلاد، وتدخلت الشرطة وألقت القبض على المتهمين بالاعتداء على أحد عناصرها.
وقالت وزارة الداخلية في بيان رسمي إن “الضابط كان يقوم بشراء مواد غذائية من أحد المحلات التجارية لاستخدامه الشخصي دون الإفصاح عن هويته، اكتشف قيام القائمين على المحل بالبيع بسعر أثمن من السعر المعلن عنه، وحدثت مشادة بينه وصاحب المحل وعاملين، فقاما على إثرها الأخيران بالاعتداء عليه”.
وكشفت الأجهزة الأمنية الأسبوع الماضي عن ملابسات مقطع فيديو تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي تضمن قيام أحد الأشخاص بالتعدي على آخر بالضرب مستخدما سلاحا أبيض بإحدى القرى بدمياط (شمال القاهرة).
ووقعت المشاجرة بين طرف أول وهو عامل بمقهى (مصاب بجرح طعني بالجسم) وطرف ثان عامل (مصاب بجرح قطعي بالوجه) وتطورت إلى مشاجرة تعدى خلالها الطرفان على بعضهما البعض بأسلحة بيضاء وإحداث ما بهما من إصابات بسبب إصرار الأخير على الجلوس خارج المقهى محل عمل الأول الذي رفض، وتم ضبط طرفا المشاجرة والأسلحة البيضاء المستخدمة في الواقعة.
وأصبحت أخبار الحوادث وتواردها لا تتوقف في مصر، ففي كل يوم تقريبا يفجع الناس بحادث غريب، ففي مشاجرة دامية أصيب ستة أشخاص بسبب خلاف على أولوية المرور بدائرة قسم شرطة الوراق بمحافظة الجيزة جنوب القاهرة.
وتعمل الأجهزة الأمنية على فحص فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي يوثق مشاجرة عنيفة بين عدد من الفتيات والشباب في منطقة حلوان (جنوب القاهرة)، يحوي اشتباكا بين طرفين، واستخدمت الفتيات الطوب والشوم، وسط ذهول المارة.
وتشكل هذه الحوادث جزءا من واقع يومي تتزايد فيه معدلات العنف بين المواطنين، وليست بين مواطنين ومؤسسات حكومية، غير أنها تثير قلقا حول إمكانية أن يتم توظيف الحالة التي يبدو فيها قطاع من المواطنين لديه استعداد لانتهاج العنف للحصول على حقوقه دافعا نحو توجيه حالات السخط الداخلي جراء الأوضاع الاقتصادية المتأزمة في جرائم تهدد الأمن الداخلي، ما يفسر الحساسية التي يتم التعامل بها مع مشاهد تروج للعنف والبلطجة في بعض وسائل الإعلام، رغم أن مثل هذا النوع من المشاهد يشكل جانبا من الدراما المصرية كل عام.
ودعا الرئيس السيسي صناع الدراما إلى تقديم “دراما إيجابية” كعنصر فعال في تشكيل الوعي المجتمعي وتقديم رسائل بناءة تدعم تطور الوطن، مؤكدا ضرورة ألا يكون المحتوى المقدم مقتصرا على الغث أو الهزل فقط، أو ما لا يساهم في بناء الأمة.
وقالت أستاذة العلوم السياسية بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية حنان أبوسكين إن متغيرات عدة ظهرت على أشكال العنف في المجتمع المصري مؤخرا، فغالبية الدراسات التي قام بها المركز خلال سنوات ماضية ورصدت العنف في الحياة اليومية كانت تصل إلى نتائج مفادها أن الشخصية المصرية ليست عنيفة أو دموية بطبعها، وأن الجزء الأكبر من العنف يتركز على العنف اللفظي والمشادات الكلامية التي قد تصل إلى الاحتكاكات دون أن يكون هناك إمعان في استخدام العنف والقتل واستخدام الأسلحة البيضاء كما الحال حاليا.
وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن في الآونة الأخيرة بدا ملاحظا أن العنف يأخذ في التزايد وبأشكال مختلفة وتكون في الأغلب ردة الفعل العنيفة لا تتماشى مع الحدث، ما يشير إلى كونه نوعا من التنفيس عن الغضب بسبب تحديات عديدة يواجهها المصريون، وهؤلاء يقومون بإخراج مخزون العنف الكامن لديهم في مشاجرات تنشب في الشارع.
وأكدت أن هناك عاملا رئيسيا في تفشي العنف بأشكاله الحالية وهو ما يتعلق بتزايد حضور اللاجئين من دول مختلفة بين المصريين في أماكن مكتظة ما تسبب في ضغط هائل على الخدمات والمرافق، وهناك الكثير من المواطنين تضرروا من ذلك وتعرضوا للفصل من أماكن عملهم لصالح الاستعانة بجنسيات غير مصرية لا تحصل على نفس الأجر ولا يكون لديها نفس مطالب المصري الذي يعرف حقوقه جيدا، وبدا أن هناك منافسة محتدمة تضغط على المصريين داخل بلدهم.
وأشارت إلى أن الألعاب الإلكترونية لديها تأثير كبير على أجيال المراهقين الذين لهم تواجد الآن في الشارع المصري ويستسهلون العنف أسوة بممارسته عبر الألعاب التي ارتبطوا بها، ولديهم اعتياد على هذه المشاهد ويتعاملون مع الضرب أو استخدام الآلات البيضاء والحادة باعتبارها أمرا طبيعيا.
وتزامنت مع ذلك تغيرات في طبيعة التربية التي تعتمد على أن يكون أخذ الحق باليد في غياب منظومة تربوية جادة بالمدارس، وثمة تشجيع على العنف من بعض الأسر.
ووفق تصنيف موسوعة قاعدة البيانات العالمية (نمبيو) التي تهتم بتقييم مستوى الجريمة ودرجة الأمان في دول العالم، تحتل مصر المرتبة السادسة عربيا بمعدل ۴۷٫۳ نقطة في مؤشر الجريمة لعام ۲۰۲۴٫
ويشير تقرير المؤسسة الصادر العام الماضي إلى ارتفاع معدل الجريمة في مصر إلى ۶۰٫۶۴ في المئة خلال السنوات الثلاث الماضية، وتشير الإحصاءات إلى أن ما يقرب من ثمانية ملايين امرأة وفتاة تتعرض للعنف سنويا في مصر.
وسلط الإعلامي خالد أبوبكر الضوء على التأثيرات السلبية للرسائل التي تقدمها الدرما، وأبدى تخوفه من أن تؤدي إلى زيادة العبء على الأجهزة الأمنية، مع ارتفاع محتمل في معدلات الجريمة نتيجة تأثير هذه المشاهد على الجمهور.
وأكدت الباحثة حنان أبوسكين في حديثها لـ”العرب” أن الحساسية السياسية من هذا العنف وتأثيراته ترتبط بكونه يشكل خطرا على قيم المواطنة التي من المفترض أنها تعزز الثقة من جانب المواطنين في مؤسسات الدولة كي يحصلوا على حقوقهم بالطرق المشروعة، وأن تكون الدولة متواجدة ليشعر المواطن بالأمان، مستبعدة حدوث انفلات بالشارع بسبب قدرة الأجهزة الأمنية الكبيرة على مكافحة الإرهاب وضبط الشارع بصورة واضحة الفترة الماضية.
وذكرت أن الأزمة تتمثل في أن مثل هذه الجرائم تقود إلى عزلة المواطنين، وستأخذ قطاعات أوسع في تجنب أماكن حدوث الاشتباكات ولن تنخرط في جهود وقف ما يحدث من اعتداءات خشية من أن تطالها، وأن الكثير من الجرائم التي وقعت مؤخرا كان من الملاحظ فيها انتشار السلبية واللامبالاة، ما يشكل عبئا أكبر على الأجهزة الأمنية التي سيكون عليها التواجد بفعالية في الشارع للتعامل مع أي اشتباكات.
ويعد الإحباط أحد أبرز العوامل التي تؤدي إلى العنف، ما يشكل خطرا على مستوى طبيعة سلوكيات المواطنين، ويشكل خطرا سياسيا أيضا يستوجب تدخلات فورية للتخلص منه، كذلك الوضع بالنسبة لفقدان الأمل في المستقبل لدى شريحة من الشباب والطبقات المتوسطة التي تواجه ما يمكن وصفه بالإرهاق المجتمعي جراء الصعوبات المعيشية دون أمل في الخروج من هذه الدائرة، فضلا عن عدم تجاوب الشهادات الجامعية مع سوق العمل.
وعلاوة على تقلص المساحة الحضارية بسبب الزحام، وهو أحد أبرز أسباب العنف التي يمكن أن تتزايد مع الضغط الكبير الذي يسببه تواجد الملايين من اللاجئين والوافدين من دول مختلفة، أغلبهم يتركزون في القاهرة، وهو خطر آخر يجعل الحكومة تسرع خطواتها للتعرف على قيمة ما تتحمله من استقبال اللاجئين للحصول على المزيد من الدعم الخارجي الذي يساعدها على تحسين البيئة المعيشية للمواطنين.
وقالت أستاذة مناهج الاجتماع بكلية التربية جامعة عين شمس بالقاهرة عزة فتحي إن مصر تواجه أشكالا مختلفة من العنف نتيجة ما يتأثر به المراهقون من محتويات عبر منصة يوتيوب أو من خلال الألعاب الإلكترونية، وهو ما يترك تأثيراته السلبية على الدولة التي قد ينظر إليها البعض على أنها “غير آمنة”، ما يجعل هناك حساسية مما يحدث وآليات التعامل معه، حيث تمثل هز ثقة المواطنين في الشعور بالأمان عاملا سلبيا يبرهن على وجود تشوهات مجتمعية عديدة ويشكل خطرا على الدولة.
وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن الخطر الأكبر يتمثل في تحول العنف إلى مهنة يتم التربح منها، وهناك الكثير من المشاهير الذين يستعينون بشركات تأمين وقد يتم دفع أموال طائلة لاستقطاب بلطجية يمكن أن يساعدوا في حماية بعض رجال الأعمال وغيرهم في التعامل مع المشكلات التي يواجهونها.
وبسبب بطء إجراءات التقاضي فإن الاستعانة بـ”البودي غاردات” يمكن أن يصبح حلا سريعا، ويدعم ذلك مسألة زيادة العنف كما أنه يجعل هناك مخاوف من انعكاسات ذلك مستقبلا على أدوار مؤسسات الدولة.
وقد شهدت السنوات الماضية جرائم مروعة منها على سبيل المثال جريمة “سيدة فاقوس” التي أقدمت في عام ۲۰۲۳ على ذبح طفلها، فيما تحدثت تقارير عن قيامها بطهيه وتناول أجزاء منه، كذلك هزت جريمة ذبح الطالبة نيرة أشرف على يد زميلها أمام جامعة المنصورة مشاعر المصريين بالعام نفسه، وفي عام ۲۰۲۴ تصدرت قضية سفاح التجمع اهتمام المصريين، إذ ألقي القبض على شاب بعد قيامه بقتل ثلاث سيدات بطريقة وحشية بعد استدراجهن إلى منزله، كذلك تصدرت قضية مضيفة الطيران التونسية المتهمة بقتل ابنتها مشهد الجدل القانوني والإعلامي في مصر.
وأفادت دراسات مؤخرا بأن هناك العديد من العوامل المختلفة التي يمكن أن تسهم في زيادة معدلات الجريمة في مصر، أبرزها البطالة، وتعاطي المخدرات والكحول، وقضايا الصحة العقلية، والعزلة الاجتماعية، والضغوط الاقتصادية التي تنتج عنها زيادة معدلات الفقر وتآكل الطبقات المجتمعية. ويمكن لهذه العوامل أن تخلق شعورا باليأس، ما قد يؤدي بدوره إلى السلوك الإجرامي وارتفاع معدلات الجريمة.
المصدر: العرب