عهد نساء المقاومة مع السيد حسن نصرالله

النساء المجاهدات والمقاومات، سواء كنّ شيعيات أو مسيحيات، اللواتي كنّ حاضرات في التشييع، كان جميعهن يعبّرن عن أن المواقف الشريفة والشجاعة للشهيد السيد حسن نصرالله هي مدرسة لكل الأحرار في العالم، تمامًا كما كان هو، رمزًا للمقاومة وقائدًا استثنائيًا بإرادة قوية.

الكلام يتعلق بالجبهة والمقاومة التي وصفها الشهيد والعزيز والقائد السيد حسن نصرالله بأنها جبهة ومقاومة حيوية، وفي هذا السياق قال: “إذا قتلنا جميعًا وانهدمت بيوتنا فوق رؤوسنا، فلن نتوقف عن المقاومة الإسلامية ولن نترك غزة لتواجه مصيرها وحدها”. في حرب الوجود بين الإسلام وإسرائيل، ورغم كل الصعوبات والتهديدات، لم تتوقف جبهة المقاومة عن النضال، وقال السيد حسن نصرالله إن دعم المقاومة وحزب الله سيكون دائمًا.

أجرت وكالة “جهان بانو” الإخبارية التحليلية مقابلة مع أحد صحفيي المقاومة الذي كان حاضرًا في يوم تشييع سيد شهداء المقاومة، وروى أحداث ما قبل وبعد التشييع، وتحدث عن ارتباط نساء المقاومة في جميع أنحاء العالم وحضورهن المليوني في يوم التشييع من لبنان.

ما تقرأه هو حوار مع السيدة إيلناز رحمت نژاد، صحفية المقاومة من وكالة مهر للأنباء؛

 *حدثينا عن كيفية حضورك والصعوبات التي واجهتها للوصول إلى مراسم تشييع السيد حسن نصر الله.  

قبل أن أتحدث عن مراسم تشييع السيد حسن نصر الله ومقاومة شعب لبنان، وخاصة النساء، أحب أن أتحدث عن صعوبات السفر. كان لدينا صعوبتان. الأولى كانت إلغاء الرحلات الجوية. المتحدث باسم النظام كان قد أعلن أن الطائرات الإيرانية والعراقية المتجهة إلى بيروت تحمل المال والسلاح، مما جعل الحكومة اللبنانية تمنع دخول الرحلات الإيرانية إلى بيروت وتم إلغاء العديد من الرحلات. في النهاية، تمكّنت من الوصول إلى بيروت عبر رحلة طيران ماهان الإيرانية التي كانت تشمل الوفد الإيراني المرسل إلى بيروت، الذي ضم أعضاء من مكتب قائد الثورة الإيرانية، ممثلين من الحكومة، البرلمان، والهيئات الإيرانية، مباشرة من طهران إلى بيروت. وأعتقد أن رحلتنا كانت الأكثر تميزًا والأكثر خطرًا نظرًا للتهديدات التي أطلقها النظام الصهيوني. أولاً، كانت مباشرة من طهران، عاصمة المقاومة، إلى بيروت. ثانيًا، كانت الرحلة على متن طائرة إيرانية.

أما الصعوبة الثانية، فكانت وداع العائلات. بالنظر إلى الحرب التي مرت بها لبنان، وبالنظر إلى التهديدات التي أطلقها النظام الصهيوني، كانت العائلات في حالة من القلق والاضطراب. بل أن الكثير منا كتب وصيته قبل السفر إلى لبنان. كان قصتنا تشبه قصة المقاتل الذي كتب وصيته، وحزم حقيبته، وكان جاهزًا للسفر.

إن المعوقات التي واجهناها جعلتني أفكر أثناء الرحلة في الرابط والتقارب بين إيران ولبنان.  

لماذا يخشى النظام الصهيوني من وجود الإيرانيين في مراسم التشييع؟ العلاقة بين إيران ولبنان هي علاقة عميقة وجذورية، تعود إلى فترة الصفويين وانتشار التشيع، وبعدها قام الإمام موسى الصدر بإحياء هذه العلاقة بين إيران ولبنان.

الشهيد السيد مصطفى چمران كان له دور كبير كذراع الأيمن للإمام موسى الصدر في تشكيل وإنشاء الحركات الأساسية في لبنان. الإيرانيون ضحوا بحياتهم من أجل اللبنانيين، وكذلك اللبنانيون من أجل الإيرانيين. كانوا يدينون السيد حسن نصرالله بأنه هو حصن إيران. اللبنانيون يدافعون عن الإيرانيين، والإيرانيون يدافعون عنهم. لا يوجد شيء من هذا القبيل في العالم؛ دولة تبعد عنا آلاف الكيلومترات وتدافع عنا. ونحن أيضًا نبتعد آلاف الكيلومترات عنهم، ونلعب دورًا في الدفاع عنهم. لو لم يكن الإيرانيون موجودين، لكان النظام الصهيوني لا يزال موجودًا في جنوب لبنان.

الشهيد قاسم سليماني، وعماد مغنية، والسيد حسن نصرالله كانوا العقل المدبر لحرب الـ۳۳ يومًا. أسطورة لا يقهر النظام الصهيوني تم تحطيمها أولاً في عام ۲۰۰۰ ثم في حرب الـ۳۳ يومًا. ومنذ ذلك اليوم لم يحقق النظام الصهيوني أي انتصار. وهذه هي السبب الرئيسي وراء العوائق التي يواجهها.

*ما هي أبرز النقاط التي لاحظتها في تشييع الشهيد السيد حسن نصر الله؟*

في مراسم تشييع الشهيد السيد حسن نصر الله، كانت هناك بعض النقاط البارزة بين اللبنانيين؛

كانت المراسم مهيبة جداً. من اختيار شعار “إنا على العهد” إلى الأناشيد التي كان يرددها الجميع.

كان حب اللبنانيين لإيران واضحاً في مراسم التشييع. حيث كانوا يحملون إلى جانب علم حزب الله، علم إيران. وكانوا يحملون صور السيد وأمين عام حزب الله، بالإضافة إلى صور الحاج قاسم. عندما كانوا يسألوننا “من أين أنت؟” وعندما نقول لهم “من إيران”، كانوا يبتسمون ويشعرون بالسعادة. كانوا يضعون يدهم على رؤوسهم ويقولون “إيراني على رؤوسنا”، “إيراني له مكانة في قلوبنا”. إحدى السيدات رفعت يدها وأشارت إلى عرق يدها وقالت: “دم اللبناني ودم الإيراني واحد، الدم الإيراني واللبناني واحد”. ثم بعد أن قالت ذلك، أعطتني علم لبنان وطلبت مني أن أحمله بجانب علم إيران.

كنت أتحدث مع سيدة لبنانية، وكان هناك طفل صغير بجانبها. اسم الطفل كان أمير علي. كانت عيونها مليئة بالدموع وقالت: “أربي هذا الطفل ليكون جنديّاً للمرشد الإمام خامنئي”. كانت الفتيات والفتيان المراهقون والشباب قد وضعوا صورة السيد على حقائبهم. حتى كانت صورة السيد خلفية لهواتفهم وكانوا يظهرونها لنا ليُظهروا لنا مدى محبتهم للسيد.

النقطة الأهم هي أن السيد حسن نصر الله كان ينتمي إلى جميع الشعب اللبناني. شارك في مراسم التشييع أشخاص من جميع الطوائف.

جاء الجميع من مختلف الأديان والمذاهب. وكانوا يرتدون ملابس متنوعة في المراسم. كانت النساء المحجبات وغير المحجبات يذرفن الدموع لفراق الشهيد. اللبنانيون لم يصدقوا شهادة السيد حسن نصر الله حتى لحظة وصول جثمانه. عندما دخل الجثمان إلى الحشد في المراسم، بدأ الجميع بالبكاء بصوت عالٍ ومتحد، وكانوا ينادون “سيدي” و”أبانا” ويقولون: “كنا نظن أنك مختبئ، ولكن الآن أصبحنا نصدق أنك شهيد”. تحدثت مع فتاتين مراهقتين باسم أماني وبتول وقالتا لي: “لم نبكِ على والدنا كما نبكي الآن على السيد”.

المقاومة قد أصبحت جزءاً من لحم ودم اللبنانيين. أعتقد أن وجود طائرات حربية من النظام الصهيوني بهدف بث الرعب والخوف بين اللبنانيين وإفساد مراسم التشييع كان عملاً غبياً! لأن اللبنانيين لم يهتزوا عندما جاءت الطائرات الحربية مرتين، بل على العكس، رفعوا رؤوسهم وصرخوا “لبيك يا نصر الله” و”هيهات منا الذلة”. عندما كنت أسأل السيدات اللبنانيات: “لماذا لم تخافوا؟” كن يجيبون: “إسرائيل مثل شبكة العنكبوت، لا خوف منها”.

بالتأكيد! النص المطلوب مترجم إلى العربية هو كما يلي:

بالنظر إلى وجودكم في هذه المناسبة، تحدثوا عن نساء المقاومة.

لقد تعلمت نساء لبنان درس الصمود والمقاومة من السيدة زينب (عليها السلام). جميع نساء لبنان يحملن لقب شهيد؛ أم شهيد، زوجة شهيد، أخت شهيد، بنت شهيد. لا يقتصرن على التمسك بهذا اللقب، بل يفخرن به ويعتبرنه وثيقة عز وفخار لهن.

المرأة الإيرانية، خصوصًا نساء الدفاع المقدس وأمهات وزوجات الشهداء، تُعتبر قدوة للنساء اللبنانيات. تسعى النساء في جبهة المقاومة، خصوصًا النساء اللبنانيات، إلى تربية أطفال مقاومين. في لبنان، ترى كثيرًا من النساء اللواتي يمنحن أزواجهن الشجاعة والدافع والهمّة. لا يشجعن أزواجهن فقط على الذهاب إلى ساحة المعركة، بل يجهزن أطفالهن أيضًا للقتال جنبًا إلى جنب مع آبائهم.

بالطبع، هذه الظاهرة موجودة أيضًا بين النساء الإيرانيات والفلسطينيات. خلال زيارتي إلى لبنان، تعرفت على زوجين إيرانيين لا يتجاوز عمرهما الثلاثين سنة. قد تزوجا حديثًا وهما طالبان، تركا حياتهما في إيران وجاءا مع مجموعة جهادية إلى هرمل في جنوب لبنان للمساعدة في دعم النازحين.

العداء مع النظام الصهيوني هو المهد الذي تغني فيه النساء في لبنان وفلسطين لأطفالهن كل ليلة. مسألة الحرب مع العدو الصهيوني ليست قابلة للانتهاء حتى القضاء التام على هذا النظام، وهذا العداء يتم نقله من جيل إلى جيل. تروي النساء اللبنانيات والفلسطينيات جرائم إسرائيل لأطفالهن، ويربينهم منذ الطفولة ليكونوا مقاتلين في جبهة المقاومة.

في لبنان، عندما جاؤوا طائرات حربية تابعة للنظام الصهيوني مرتين، كنت ترى بجانب الأمهات والآباء أطفالًا صغارًا ينظرون بغضب إلى الطائرات، ويشددون قبضاتهم ويصرخون بشعار “الموت لإسرائيل”. الأطفال في لبنان كانوا يبكون من أجل فراق السيد حسن نصرالله. الأطفال يعشقون الإمام الخامنئي.

اللبنانيون هم أشخاص شاكرون. كنت أمشي في شوارع الضاحية وفي مكان استشهاد السيد حسن. كان هناك منزل مدمّر، لكن على الباب كان هناك صورة للسيد حسن وكُتب على الجدار “الحمد لله رب العالمين”.

النساء اللبنانيات عندما يأتين لتشييع الشهداء لا يرون إلا الجمال. يضعن كل ذوقهن في ذلك. يزينّ صور الشهداء بالزهور ويحملنها بأيدهن. يزرعن الزهور في أحذية المجاهدين. ترى امرأة فقدت ابنها شهيدًا، لكنّها تضع الزهور وتبخر فوق صورة وجثمان ابنها الشهيد. النساء اللبنانيات يضحكن ويؤمنّ بالوعود الإلهية.

النساء المجاهدات والمقاومات، سواء كن شيعيات أو مسيحيات، اللاتي كنّ حاضرات في التشييع، كان كلامهن المشترك هو أن المواقف الشريفة والشجاعة للشهيد السيد حسن نصر الله هي مدرسة لجميع الأحرار في العالم، كما كان هو نفسه رمزًا للمقاومة وقائدًا استثنائيًا بإرادة قوية. كل من تأمل في حياة الجهاد للسيد حسن نصر الله، يعلم أنه كان يركز في كلامه وعمله على جميع التحولات. النساء في جبهة المقاومة أيضًا مخلصات لعهدهن مع سيد المقاومة، ولن يبخلن بأي مساعدة في هذه المدرسة الخالدة.

النساء الإيرانيات يسألنني: عندما مرت طائرات العدو الإسرائيلي فوق رؤوسكم مرتين في يوم التشييع، هل خفتم؟ فقلت: لا. لم أخف.

شجاعة ومقاومة وصمود النساء اللبنانيات جعلني لا أخاف من الطائرات الحربية وأردد مثلهم: “لبيك يا نصر الله، هيهات من الذلة”. العدو الذي كنت أسمع عنه طوال عمري وأشعر بالكره تجاهه، العدو الذي كنت دائمًا أسعى في كتاباتي لكشف جرائمه وإيصالها إلى مسامع العالم، العدو الذي كنت أتمنى موته منذ زمن، أصبح الآن قريبًا جدًا مني حتى أستطيع أن أغلق قبضتي وأقول “الموت لإسرائيل” وهو يرى ويسمع. لماذا يجب أن أخاف؟ حتى وإن كانت إسرائيل، كعادتها، ترتكب الجرائم في هذه المناسبة ونحن نفقد أرواحنا، كنا سنفخر بذلك، نفخر بأننا فقدنا حياتنا على يد أشرس إنسان في الأرض.

نساء جبهة المقاومة هن الحارسات الأبديات للخطوط الخلفية، والمربيات الحقيقيات للأجيال التي ستزيل إسرائيل وحلفاءها من صفحات التاريخ بإذن الله تعالى. إن شاء الله.

*قل لنا عن مكان استشهاد السيد حسن نصرالله.

كان بعض من زملائي في الطيران ينادونني بـ”السيدة الصحفية”. عندما أخبروني بمكان استشهاد السيد حسن نصرالله، طلبوا مني أن أقول لهم كلمتين.

كان الحديث في مكان صعود السيد صعبًا. هناك، كنت تفكر فقط في القنابل التي تزن ۸۰ طنًا وتبكي بحرقة. كانت القنابل سامة لدرجة أنك لا تستطيع حتى جلب تربة من مكان الصعود إلى إيران. بعض الأصدقاء أرادوا أن يفعلوا ذلك، لكن المسؤولين منعوهم بسبب سمية التربة.

في تلك اللحظات، قلت للأطفال إن الشهيد السيد حسن نصرالله كان مقاتلًا في الخط الأمامي ومهدمًا للخطوط الأمامية، وأنهم ضربوه بقنبلة تهدم المواقع. كان السيد درعًا لشعب غزة وحتى لإيران. وفقًا للإعلام العبري، ضربوه بقنابل تزن ۸۰ طنًا كانت مخصصة لتدمير المنشآت النووية، والمصافي، ومحطات الطاقة في إيران. بينما كنت أسير في مكان صعود السيد، كنت أفكر في لحظات شعرت فيها وكأنني كنت في إيران. عندما سمعت خبر الهجوم الجوي على مركز قيادة حزب الله، كان كل ثانية تمر كأنها مئة عام بالنسبة لي. مئة عام مليئة بالدموع والعويل. بالطبع، السيد حسن نصرالله وحزب الله لا يزالان موجودين. السيد حسن لم يغرب! كل يوم أراه أكثر إشراقًا في شروقه.

*في نهاية الحوار، نشكر السيدة رحمت نژاد على الوقت الذي خصصته لنا.