اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
فتيحة حامل وأم لطفلين (۴ و۵ سنوات) غادرت الخرطوم الشهر الماضي حاملة قلبها بين يديها، ولم تتنفس بعمق إلا بعدما حطّت بها الطائرة في مطار محمد الخامس بالدار البيضاء.
“الحمد لله على نعمة الأمن”، تقول فتيحة وهي تستذكر لحظات الرعب التي عاشتها في الخرطوم خلال مكوثها هناك في الأيام الأولى للحرب.
تزوجت فتيحة رجلا سودانيا عام ۲۰۱۳، لكنه قرّر الاستقرار في الخرطوم منذ عام ۲۰۲۰ للاستثمار. كانت حياتها -كما تحكي للجزيرة نت- مستقرة ورائعة قبل أن تبدأ الطلقات الأولى للاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع في ۱۵ أبريل/نيسان الماضي.
“في اليوم الأول، انقطع التيار الكهربائي والماء، فوجدنا أنفسنا محاصرين وسط إطلاق النار عطشى وجوعى، وأطفالي يبكون طلبا للماء”. تتوقف للحظات لتسترجع أنفاسها، قبل أن تضيف “كان زوجي يخرج للبحث عن الماء من بئر لدى بعض الجيران. كان الماء مخلوطا بالتراب، وكنت أغليه وأتركه ليبرد قبل أن أعطيه لأطفالي العطشى والمرعوبين”.
بعدما تلقت اتصالا من السفارة المغربية في الخرطوم جمعت فتيحة الأوراق وبعض الملابس وغادرت بيتها مع زوجها وأطفالها باتجاه نقطة التقاء حدّدتها السفارة المغربية، ومنها اتجه الجميع نحو مدينة بورتسودان إلى حين الوصول إلى الدار البيضاء.
عادت فتيحة وأطفالها إلى منزل العائلة في مراكش، لكنها تركت خلفها زوجها الذي غادر الخرطوم نحو شمال السودان في انتظار تجهيز أوراقه للمغادرة نحو مصر.
تنتظر فتيحة في أي لحظة وضع مولودها الثالث الذي عاش معها لحظات الخوف والرعب قبل أن يفتح عينيه على الدنيا، لكن يبدو أنه سيفتحها من دون أن يرى والده بجانبه بعدما فرّقت بينهما القنابل والرصاص.
تزوجت سعيدة عام ۲۰۱۳ من زوجها السوداني، لكنها لم تضع في حسبانها أن يأتي يوم وتفصلها عنه ظروف مثل العنف الدائر في الخرطوم. غادرت السودان في مايو/أيار الماضي، ووصلت إلى الدار البيضاء حيث توجد عائلتها، بينما اتجه زوجها نحو مصر.
تقول سعيدة للجزيرة نت “وقّعتُ التزاما وجهّزت الأوراق اللازمة لتمكينه من الحصول على التأشيرة، لكن طلبوا منه قبل ذلك أن يحصل على وثيقة الإقامة في مصر، وهو ما يعمل عليه حاليا”.
وتضيف “حصل زوجي على تأشيرة دخول إلى المغرب عدة مرات منذ زواجنا، لكنني سمعت أن هناك صعوبات في تمكين السودانيين من التأشيرة بعد اندلاع المعارك. وأخشى أن تطول المدة ونظل مفترقين فترة أطول”.
بدورها، غادرت فاطمة الزهراء الخرطوم على عجل. ولم تحمل إلا ابنتها والقليل من أمتعتها. ركبت الطائرة متجهة من السودان إلى الدار البيضاء؛ هربا من المعارك الدائرة في البلاد.
تقول فاطمة الزهراء للجزيرة نت إنها أسّست حياة جديدة ومستقرة مع زوجها في السودان واعتادتها، ولم تتوقع أن يأتي يوم وتفر من هذا البلد للنجاة بروحها وروح ابنتها الوحيدة.
وتضيف “غادرنا السودان مُكرَهين، تركنا حياتنا وذكرياتنا وبيوتنا وأصدقاءنا وجيراننا. غادرنا لننجو بأنفسنا على أمل العودة بعد أن تستقر الأوضاع، غير أن الأسابيع والشهور تمر من دون أي تغيير”.
وتتابع “اتفقت مع زوجي على أن أغادر في طائرة إجلاء المواطنين المغاربة نحو المغرب، على أن يتجه هو نحو مصر ويحصل منها على التأشيرة ثم ينضم إلينا”.
تقدَّم زوج فاطمة الزهراء -وهو طبيب بيطري- بطلب التأشيرة إلى السفارة المغربية في مصر قبل نحو شهر، لكن الرد لم يصله بعد.
تقول فاطمة الزهراء “طفلتي متعلّقة كثيرا بوالدها، تسألني عنه دائما، وكلما رأت أبا يداعب طفله تخبره أن والدها سيأتي قريبا ويلعب معها”.
وتشير إلى أن زوجها كان يرافقها دائما في العطلة الصيفية لزيارة العائلة في المغرب، وكان يحصل على التأشيرة بسهولة، لكنها اليوم لا تفهم سبب تأخر الرد على الطلب، ولم تجد جوابا شافيا يوضح لها الأسباب. وتستطرد “لم أكن أعتقد أننا سنفترق كل هذه المدة، ولو توقعنا أن هذا سيحدث ما غادرت وحدي”.
أما أم محمد فقد مرّت ۳ عقود على زواجها برجل سوداني أنجبت منه ۴ أبناء، ولديها أحفاد، وقرّرت هي وزوجها منذ ۵ سنوات الاستقرار في السودان بعد عقود من الإقامة في دولة الإمارات، غير أن المعارك التي نشبت في الخرطوم غيّرت مسار حياتها.
تقول للجزيرة نت إنها تلقت اتصالا من السفارة المغربية لإجلائها مع ابنتها (۱۹ عاما)، غير أنها اضطرت لترك زوجها مع بعض الأقارب حيث رافقهم إلى مكان آمن في مدينة أم درمان، في انتظار لمّ الشمل.
غادرت أم محمد -كما تحكي- وفي قلبها غصة؛ فزوجها كبير في السن ومريض بألزهايمر ويحتاج إلى رعاية خاصة، لكنها كانت تُمنّي النفس بلقاء قريب في المغرب.
وصل زوجها إلى مصر مع أقاربه، حيث أرسلت لهم كل الوثائق اللازمة لتسهيل التحاقه بها في المغرب ولم شمله مع أسرته، غير أنه لم يحصل على التأشيرة رغم تقديمه الطلب منذ نحو شهرين.
تطالب أم محمد السلطات المغربية بمراعاة الحالات الإنسانية ومنح التأشيرة لأزواج المغربيات العائدات من السودان حتى يلتئم الشمل.
تأمل أم محمد أن النفق الذي دخلته ومغربيات أخريات ستكون نهايته نور ينهي معاناتهن.
وتردف “أملنا في الله أن تنتهي الحرب ويعود الأمن. أنا متيقّنة من أن كل سيدة غادرت السودان وتركت خلفها بيتها لديها أمل في العودة إليه”.
أبعدت المعارك الدائرة في السودان هؤلاء النسوة والأطفال عن الزوج والأب والمعيل، كان أملهم النجاة بأطفالهم والخروج من أرض المعارك واللقاء مرة أخرى، لكنهم وجدوا أنفسهم في حالة شتات. اجتمعت النساء في مجموعات وأوجدن فضاءً يتبادلن فيه النصائح والتجارب، وأملهن معقود على تأشيرات تُمنح لأزواجهن للمّ الشمل واكتمال الفرحة.
وقالت مصادر في الخارجية إن السلطات أقدمت على إجلاء المغاربة من السودان، وضمنت وصولهم بأمان إلى مدنهم في وطنهم الأم. وأضافت المصادر أن مسألة التأشيرات تخضع للقوانين الجاري العمل بها.
وتم تسيير جسر جوي لتأمين عودة المواطنين المغاربة من السودان عبر ۴ رحلات جوية، حطت آخرها في مايو/أيار الماضي، وعلى متنها ۱۲۵ مواطنا مغربيا، وبلغ عدد المستفيدين من العودة ۵۷۲ شخصا.
وتأمل فتيحة وفاطمة الزهراء وسعيدة وأم محمد أن تمنح السلطات المغربية التأشيرة لأزواجهن، ولو موقّتا، ليلتئم شمل الأسر وتنتهي حال الانتظار والترقب التي يعشنها، ويلتقي الأطفال آباءهم، لكن أملهم الأكبر أن يتوقف صوت الرصاص وتنتهي المعارك في أرض السودان.
المصدر : الجزیرة