غزة.. نقص الحفاضات يزيد معاناة أمّ ترعى طفليها من طيف التوحد

داخل خيمة متهالكة لا تصلح للعيش، تقف أم أحمد شامخة رغم الإنهاك الذي ينهش جسدها وروحها. فقدت طفلتها خلال العدوان الإسرائيلي، وبقيت مع أربعة أطفال بينهم أحمد وعمر، طفلان يعانيان من اضطرابات طيف التوحد بدرجات متفاوتة، لكنهما يشتركان في وجعٍ صامت لا ينطق به سوى النظرات والإيماءات.

الأم التي درست التمريض العام ثم تخصصت في التربية الخاصة وتأهيل أطفال التوحد، لا تطبّق ما تعلمته نظريًا، بل تحيا تفاصيله في كل لحظة. فابنها أحمد مصاب بتوحد شديد ونوبات صرع بسبب الكهرباء الزائدة على الدماغ، ما يسبب له فقدانًا متكررًا للوعي وتشنجات تنخر جسده. أما عمر، فيواجه توحدًا متوسطًا وضعفًا عضليًا طرفيًا يمنعه من المشي كما يفعل الأطفال الآخرون. كلاهما غير ناطقين، ولغتهما الوحيدة إشارات خافتة وعلامات وجه تنطق بالعجز والصراخ الداخلي.

لكن مأساة هذه الأم لا تتوقف عند التعقيدات الطبية، بل تمتد إلى تفاصيل الحياة اليومية التي تحوّلت إلى معركة لا تنتهي. أبرز هذه المعارك كانت “الحفاضات”. يحتاج الطفلان إلى ما يقارب خمسة حفاضات يوميًا، في وقت لم يعد فيه شراء واحدة ممكنًا. الأسعار فاقت الخيال، والانقطاع بات معتادًا. تصف الأم الوضع بمرارة قائلة: “أصبح الحصول على الحفاضات حلمًا مستحيلًا… الوضع سيئ جدًا بدونها، بسبب المرض والعمر.”

غياب الحفاضات لا يعني فقط انعدام النظافة، بل يمس كرامة الطفل، ويضاعف ألمه النفسي والجسدي. الأم تضطر أحيانًا لاستخدام بدائل لا تصلح، فتتحول الرعاية إلى إذلال مؤلم، وتصبح كل دقيقة انتظار لحلٍ مجهول لن يأتي بسهولة.

ومع تلك الأزمة، تبرز مأساة الغذاء. الحياة القاسية وانقطاع المواد الأساسية دفعت الأم إلى خطوة مؤلمة، حين نفد منها الطحين ولم تجد ما تطعم به أطفالها الجياع. تقول: “اضطررت إلى خلط الطحين بالرمل… لم يكن لدي خيار آخر. كانوا يبكون من الجوع، ولم يكن هناك شيء يؤكل.” هذه الصورة الموجعة تختزل حال أسرة أنهكها الحرمان، وحوّلها الجوع إلى ساحة مقاومة داخل خيمة لا تحمل من الحياة سوى اسمها.

لا دعم مادي، لا غذائي، ولا حتى مجرد نظرة رحمة رسمية تجاه حالتها. فالحرب خطفت ابنتها، والعلاج لم يكتمل لأطفالها بسبب المهدئات المتزامنة مع نوبات الكهرباء، وحتى مراكز التأهيل توقفت عن استقبالهم بعد فترة وجيزة.

ورغم ذلك، تصر الأم على المقاومة. تقول: “كلنا أمل بالله، ثم بالإعلام والناس الطيبين، أن نؤمن لأطفالنا أبسط احتياجاتهم.”

قصة أم أحمد ليست حالة فردية، بل صوتًا لأمهاتٍ كثيرات يكافحن بصمتٍ لا تراه الكاميرات ولا يسمعه إلا من اختار الإنصات. وفي ظل هذا الصراخ الإنساني، يبقى السؤال: من سينقذ أطفالًا لا يملكون حق الصراخ؟

نساء FM