اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
أثارت حملة توعوية أطلقها المجلس القومي للمرأة في مصر (جهة حكومية)، لحث السيدات على الاحتفاظ برواتبهن، جدلا أسريا واسعا، خاصة وأن تلك الدعوة لا تتفق مع الظروف الاقتصادية التي تعيشها أغلب الأسر وتستدعي أن تكون هناك مشاركة من المرأة لزوجها لتسيير أمور الحياة، وإن كان من حق الزوجة أن تحتفظ لنفسها بجزء من الراتب، أو كله.
وتحت عنوان “الست ليست ملزمة” (المرأة ليست ملزمة)، قال المجلس القومي للمرأة في رسالته التوعوية، إنه لا يوجد أي قانون أو دين يُلزم السيدة بأن تصرف راتبها على بيتها، مبررا تلك الحملة بأنها تستهدف التوعية بحقوق المرأة وتمكينها اقتصاديا، وهي الدوافع التي لم تجد تأييدا سوى من شريحة بعينها من سيدات يفضلن أن تكون لهن استقلالية مالية بعيدا عن تدخلات الأزواج.
وتعيش أغلب الأسر المصرية ظروفا مالية بالغة الصعوبة نتيجة تداعيات الأزمة الاقتصادية التي هبطت ببعض العائلات متوسطة الدخل إلى مستوى يقترب من الفقر، سواء كان الزوجان يعملان أم لا، وأصبح راتب الرجل لا يكفي لسد المتطلبات الضرورية لأسرته بما يدفعه للاعتماد بشكل كبير على زوجته لتوفير باقي احتياجات عائلته، سواء كان ذلك برضاها أم لا.
راتب الرجل لا يكفي لسد المتطلبات الضرورية لأسرته بما يدفعه للاعتماد على راتب زوجته لتوفير باقي احتياجات العائلة
ومع الوقت أصبحت هناك شريحة من الشباب المصري تتعامل مع الزواج بمنطق المنفعة، من خلال البحث عن الارتباط بامرأة عاملة كأحد أهم الشروط، وذلك جراء الظروف المعيشية الصعبة وعدم قدرة هؤلاء الشباب على الوفاء بالتزامات الأسرة وحدهم، ما يجعلهم دائما في حاجة إلى دعم من الزوجة من خلال المساهمة بجزء من راتبها، أو كله.
ويرتبط التحفظ الأسري على دعوة النساء إلى الامتناع عن المساهمة برواتبهن في متطلبات المنزل، بأن ذلك يرتقي إلى تحريض المرأة ضد زوجها، مع أن الحياة الزوجية تقوم بالأساس على مبدأ المشاركة وتحمّل الضغوط معا، دون أن ينسحب طرف ويُحمّل الآخر كل شيء استنادا إلى عرف مجتمعي أو ديني بأن الرجل وحده المسؤول عن الإنفاق.
وكان يمكن تقبل تلك الحملة التوعوية في ظروف اقتصادية واجتماعية أفضل يستطيع فيها الزوج وحده تحمل النفقات والسعي نحو جني موارد مالية إضافية لإسعاد أسرته، لكن أمام موجات الغلاء المتصاعدة وارتفاع معدلات التضخم مقابل عدم تحريك الرواتب بنفس المعدلات، أصبحت هناك صعوبات كثيرة تحول دون قيام الزوج وحده بتلك المهمة دون مساعدة الزوجة.
ويرى العديد من الأزواج الشباب أنه مع غلاء المعيشة وتدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية يفترض على الزوجين أن يعملا ويكون لديهما دخل معقول يمكنهما من فتح بيت مستقر وتغطية مصاريفه وتلبية احتياجات الأبناء ومتطلبات الحياة اليومية، لأن الرجل وحده مهما بلغت مساعيه فلن يتمكن من مواجهة تلك الضغوط وحده، وإلا استنزف جسديا ونفسيا.
وأصبح يمكن بسهولة مطالعة ما يدور في أذهان الشباب تجاه راتب المرأة، بتحول شرط الزواج من الفتاة العاملة من مجرد حالة فردية إلى ظاهرة أسرية بامتياز، بحيث تتقاسم معه عبء الحياة الزوجية لأن المرتب الواحد لا يكفي، وهذا توجه شبابي تدعمه الكثير من الأسر بالبحث عن ارتباط أولادها بفتيات لهن وظيفة ثابتة ولديهن قدرة مالية على المساعدة مستقبلا.
بقطع النظر عن اقتناع الأغلبية النسوية بحملة الاستقلالية المالية للزوجة أم لا، تظل العبرة في مدى مرونة الشريكين حول تقاسم المسؤولية
وقد لا يقتصر الأمر عند بعض الشباب على اشتراط الزواج من فتاة عاملة، بل إن هناك من يحدد نوع الوظيفة التي يجب أن تشغلها شريكة حياته، بحيث تجلب عوائد مالية أكبر، وهو ما يكشف إلى أيّ درجة تواجه الدعوات المرتبطة باستقلالية الذمة المالية للمرأة ممانعات أسرية، سواء كان مرتبطا بالطمع في مال الزوجة، أو وجود فرض عليها بمساعدة شريك حياتها.
ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية أنه سواء كانت الزوجة مدفوعة إنسانيا بتقاسم المسؤولية مع زوجها أم لا، لكن تظل العبرة في تفاهم الشريكين حول طريقة مواجهة الظروف المعيشية الصعبة، التي تتزايد حدتها بشكل يومي، ولا يجب أن تتدخل أطراف أخرى سواء كانت حكومية أو عائلية لرسم العلاقة بين الطرفين لأن ذلك يقود إلى خلافات زوجية تقود إلى الطلاق.
ويعتقد هؤلاء، أن تحول المادة لتكون الأساس في علاقة الشريكين يجعل الحياة بينهما قائمة بالأساس على المنفعة، وهذا نتاج فهم عائلي خاطئ حول أسس الزواج نفسها، وهو ما يظهر في المغالاة الواضحة في شروط الزيجة من البداية، سواء في الخطبة أو طبيعة الهدايا وتجهيزات منزل الزوجية، وغير ذلك من الرفاهيات التي كرست المادة بدلا من التشارك الإنساني.
وأكد علاء الغندور الاستشاري الأسري في القاهرة أن استقرار العلاقة الزوجية مرتبط بُحسن إدارة الشؤون المالية للأسرة، ودعوات حث النساء على عدم مساعدة الرجل تخالف مبدأ المشاركة وتقاسم المسؤولية التي هي أساس المودة والتراحم بين الشريكين، والزوجة الأصيلة تظهر وقت الشدائد عندما تهوّن على شريكها وتتعامل مع مالها، على أنه يخص أسرتها أولا.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن التدخلات الخارجية من أيّ طرف في حياة الزوجين تزرع الشقاق بينهما، خاصة عندما تكون مرتبطة بالنواحي المادية لأنها قد تؤثر على استقرار حياتهما، فإذا كان الشريكان بينهما علاقة مادية متوازنة ويتدخل طرف ثالث بنصيحة لا تتفق مع هذا التوازن تحدث مشكلة، لأن التشارك المادي وسط الصعوبات يجعل العلاقة الزوجية صلبة.
العبرة في تفاهم الشريكين حول طريقة مواجهة الظروف المعيشية الصعبة، التي تتزايد حدتها بشكل يومي، ولا يجب أن تتدخل أطراف أخرى سواء كانت حكومية أو عائلية لرسم العلاقة بين الطرفين
ولم ينف الغندور وجود شريحة من الرجال يتعاملون مع راتب الزوجة كملكية تخصهم، وهذا توجه خاطئ، لكن ما يجب أن يصل إلى الشباب حديثي الزواج، أو المقبلين على حياة أسرية، أن العلاقة بين الشريكين تكون ناجحة ومتينة عندما يكون هناك اتفاق مسبق على إدارة العلاقة المالية، ومسؤوليات كل طرف، وأن يعمل الطرفان من أجل الأسرة، لا لهدف شخصي بحت.
وتطبق نادية محمد تلك القاعدة مع زوجها. حيث تعمل معلمة، لكن شريكها أحيل على المعاش ولم يعد قادرا على الوفاء بمتطلبات أسرته، لتقوم هي بتلك المهمة. معقبة “كيف أتعامل مع راتبي على أنه حق شخصي، وشريكي لم يعد لديه عمل،” لافتة إلى أن التعاون المادي وقت التحديات المعيشية دعامة لاستقرار الأسرة وحماية كل أفرادها من المجهول.
وأشارت الأم في حديثها لـ”العرب” إلى أن الزوجة عندما تحرم شريكها من راتبها وقت الحاجة، لن يتعامل معها بالحُسنى، ومحبة الزوجة لشريكها يفترض أن تطغى على الأمور المادية لأن الزواج في النهاية شراكة إنسانية، وهذا ما يجب أن يتم تربية الفتيات عليه منذ الصغر بعيدا عن دعوات الاستقلالية المادية للزوجة، لأن الظروف المعيشية متغيرة وليست بها ثوابت.
وبقطع النظر عن اقتناع الأغلبية النسوية بحملة الاستقلالية المالية للزوجة أم لا، تظل العبرة في مدى مرونة الشريكين حول تقاسم المسؤولية، وإذا كان الهدف وجود تمكين اقتصادي للمرأة، فإن هناك مطبات معيشية تستدعي تكاتف الطرفين بإيثار ورحمة، أما إذا كانت بينهما أنانية وتسلطت المصلحة المادية على مصلحة الأسرة، فإن العلاقة قد تكون مهددة بالانهيار.
المصدر: العرب