غيثة نمروش… حكاية مغربية انتصرت على سرطان “هودجكين”

لم تتوقّع الشابة المغربية غيثة نمروش أن تصاب بمرض سرطان "هودجكين" إلا أنها رفضت الاستسلام وقاومته حتى انتصرت عليه، وعادت إلى دراستها الجامعية، وتحلم بافتتاح مشروعها الخاص.

تسلّحت الشابة المغربية غيثة نمروش بالأمل في الشفاء والتفاؤل بالمستقبل وهي تخوض رحلتها مع مرض السرطان الذي أصيبت به وهي طالبة جامعية. لم تهزمها الأحكام الجاهزة التي تربطها بالنهاية الوشيكة، ولا حصص العلاج الكيميائي التي كانت تتحمل مشقّة السفر إليها من مسقط رأسها في فاس إلى الدار البيضاء، بل كانت ترفع شعار “لا يأس مع الحياة” وتنظر إلى الابتلاء بعين الرضا بقضاء الله وقدره.
نمروش التي تعافت من سرطان “هودجكين” (يُصيب الجهاز اللمفاوي) تحكي لـ “العربي الجديد” عن رحلتها مع المرض في أكتوبر/ تشرين الأول عام ۲۰۱۲، ولاحظت تضخم أورام صغيرة ومتفرقة في عنقها تشبه العقد، مترافقة مع بعض الأعراض كالحمى والتعرق وضعف في التنفس وارتفاع درجة الحرارة. وبعد خضوعها لسلسلة من الفحوصات والتحاليل، قرّر الطبيب إجراء عملية لاستئصالها قبل أن يوجّهها إلى إجراء تشريح دقيق لعينة من الغدد الليمفاوية للتأكد من وجود خلايا سرطانية من عدمه.
تضيف: “اضطر والدي للتوجه إلى مدينة الرباط لإجراء التشريح لدى المصالح المختصة، وكان علينا الانتظار أسابيع للحصول على النتيجة، غير أن الصدمة كانت كبيرة، وأظهرت إصابتي بالسرطان. لم يتمكن والدي في البداية من إخباري بالأمر وطلب من الطبيب إبلاغي خلال الموعد الذي كان مقرراً بيننا. وفعلاً ذلك ما حصل، وقابلت الخبر على ثقله وصعوبته بالحمد والشكر”.

ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

في تقبّل المرض سرّ التغلب عليه، هذا ما ردّده الطبيب على مسامع الشابة، محفزاً إياها على بدء مرحلة العلاج التي تلي مباشرة الكشف والتشخيص. “قررت أن أبدأ في الحين، وكأنّ قوة خفية كانت تدفعني إلى الأمام. توجهت برفقة والدي إلى مصلحة أمراض الدم وأنكولوجيا (من التخصصات الطبية المهمة التي تتدخل مباشرة في الاستراتيجية العلاجية لأمراض السرطان) الكبار لمعالجة سرطان الدم في مستشفى ۲۰ غشت بمدينة الدار البيضاء، وهناك عرفت نوعية السرطان الذي أصبت به، وتقرر فعلاً أن أخضع للحصة الأولى من العلاج الكيميائي التي كانت صعبة جداً، وبدا لي الوقت طويلاً والساعات لا تنتهي.

ربما كانت هالة الخوف التي تحاول نمروش السيطرة عليها داخلياً سبباً ثانياً في جعلها تبحث أكثر عن المرض وتطوراته. تقول: “عرفت أنه يصيب خلايا الدم خصوصاً اللمفاوية منها. وعلى الرغم من أن أسبابه غير محددة بدقة، تتراوح نسبة التعافي منه ما بين ۴۰ و۹۵ في المائة بحسب أرقام الجمعية المغربية لأمراض الدم. وتُعد أعلى مقارنةً بأمراض سرطانية شائعة أخرى، وهو ما مدّني بالعزيمة والاستمرارية وعدم الاستسلام”.
خضعت المريضة لـ ۱۴ جلسة من العلاج الكيميائي، كما تقول لـ “العربي الجديد”. تضيف: “التقيت مرضى من مختلف الفئات العمرية؛ أطفالاً وشباباً وكباراً في السن. رأيت حالات أسوأ من حالتي، فاستجمعت كل قوتي وقصصت شعري بيدي وتهيأت للمراحل المقبلة. كانت حالة إحدى المصابات التي تعافت بعد انتكاسة عايشتها برفقتها بمثابة نافذة نحو غد أفضل”.

تعلمت من فترة المرض إعادة اكتشاف ذاتها (العربي الجديد)
تعلمت من فترة المرض إعادة اكتشاف ذاتها (العربي الجديد)

وعن أبرز الصعوبات التي تعرضت لها خلال رحلة المرض، تشير إلى أن في مقدمتها مشقة التنقل من مدينة إلى أخرى للخضوع للعلاج الكيميائي، وما يتبع ذلك من إرهاق وتعب، خصوصاً أن المريض في حاجة إلى الراحة والإضاءة القليلة، وتجنب مخالطة الناس حتى لا يزيد من إضعاف جهاز المناعة في الجسم.
وتوضح: “اضطررت أيضاً إلى التوقف عن الدراسة خلال فترة العلاج، غير أنني لم أستسلم للفراغ، بل أدركت مدى شغفي بعالم الطبخ والحلويات. كان ذلك بمثابة متنفس حقيقي لي، بالإضافة إلى متعة السفر بحسب حالتي واستقرارها. ولا أنفي أنني كنت محظوظة بالسند العائلي والوجود في بيئة سليمة ومتوازنة ساهمت في خروجي من دائرة العلّة إلى عالم التعافي”.

أدركت أن تقبّل المرض هو سرّ التغلب عليه (العربي الجديد)
أدركت أن تقبّل المرض هو سرّ التغلب عليه (العربي الجديد)

السرطان مكلف

ويستذكر والدها عبد الفتاح نمروش الذي واكب مسيرتها العلاجية تلك الفترة، قائلاً: “كانت قاسية علينا جميعاً، خصوصاً أنه لا تاريخ مرضي للعائلة، ولم يسبق لنا معرفة شيء عن هذا المرض ولا تفاصيل التشخيص وسبل العلاج. كان الخوف من خسارة ابنتي يسيطر علينا جميعاً في ظل الأحكام والتصورات الجاهزة والمغلوطة أحياناً عن السرطان. لهذا، عندما عرفت إصابتها دخلت في حالة نفسية صعبة جداً، غير أن فلذة الكبد أظهرت صبراً وقدرة على التحمل”.
ويستدرك: “صحيح أن مرض السرطان مكلف مادياً ومعنوياً ونفسياً، غير أنه بمثابة اختبار حقيقي لصدق البشر من حولنا. في هذا الصدد، لا يفوتني أن أشكر كل من قدم لنا يد المساعدة، وعلى رأسهم الدكتورة أسماء قصار المتخصصة في علاج مرض السرطان بمستشفى ۲۰ غشت، التي كان لها دور مهم في متابعة حالة ابنتي وإرشادنا وتخفيف توترنا، ولن أنسى صنيعها، وهي أهل لكل تقدير وامتنان بعد الله”.

كان يقين نمروش وأسرتها بالله كبيراً، وهو ما كلّل رحلتها بالتعافي، بعد حرصها على الالتزام بالعلاج والنظام الغذائي المتوازن، والطاقة الإيجابية، وهي اليوم تتابع وضعها الصحي بانتظام وتمارس حياتها بصورة طبيعية، وأكثر قوة وثقة من السابق. تضيف: “استأنفت دراستي في المعهد العالي الدولي للسياحة في طنجة، تخصص استراتيجيات وإدارة المنشآت الفندقية، وأحلم بافتتاح مشروعي الخاص، ومشاركة خلاصة تجاربي مع الآخرين”.
وتختم غيثة حديثها قائلة: “تعلمت من فترة المرض إعادة اكتشاف ذاتي وغايتي من هذا الوجود، ورتبت أولوياتي، وتصالحت مع نفسي بكل تغيراتها، وعرفت معنى الكلمة الطيبة، والخطوة المشجعة، والابتسامة الصادقة، وأنّها ما ضاقت واستحكمت حلقاتها إلا لتفرج”. هذه خلاصة تجربة إنسانية ورسالة أمل ومقاومة توجهها الشابة المغربية إلى كل محاربي السرطان بمختلف أنواعه، وهو أنه لا مجال للاستسلام، والمرض ليس وصمة اجتماعية، والدواء ليس إبحاراً نحو المجهول، وأنّ المحنة قد تتحول إلى منحة وانتصار، وأنّ لكلّ أجل كتاباً.

المصدر: العربي الجدید