في غزة.. مهندسة تصنع الأمل من خيوط الصبر

في أحد زوايا الحياة التي رممتها الإرادة، تقف مزن فضل محمد الصوص، شابة غزية تبلغ من العمر 21 عامًا، خريجة هندسة ديكور وتصميم داخلي من قسم الهندسة المعمارية، تحمل في قلبها شغفًا جماليًا يتجاوز الهندسة ليخلق الفن وسط العتمة. في زمنٍ سرقت فيه الحرب الأبسط وأغلى ما في حياة أهل غزة، وجدت مزن طريقة لاستعادة شيء من النور، لكن هذه المرة من خيمة وبإمكانيات تكاد لا تُذكر.

تروي مزن حكايـتها بأصابع أنثوية لا تزال متمسكة بالإبداع رغم فوضى الحرب وضيق الموارد. بعد أن فقدت عملها كمصممة ديكور بسبب الدمار الذي طال غزة، اضطرت للتوقف عن ممارسة مهنتها الأساسية. لكنها رفضت أن تستسلم. تقول مزن:

“الفن مش مربوط بمكان، وكنت بحاجة أخلق شيء جميل وسط كل الفوضى حوالينا… هذا التغيير ما كان ضعف، بل إعادة اكتشاف لنفسي.”

بدأت مزن مشروعًا منزليًا بسيطًا في صناعة الهدايا والمشغولات اليدوية، لتتحول من مهندسة ديكور إلى صانعة فرح، تستخدم خامات محدودة لكنها غنية بالمشاعر. أول قطعة صنعتها كانت بوكيه فراشات من الورق الملون وبكلة شعر مصنوعة يدويًا، تحت ضغط نفسي كبير. لكن ذلك كان انطلاقة نحو التعافي الذاتي وبداية فصل جديد من حياتها المهنية والإنسانية.

ومع استمرار الحرب، واجهت مزن تحديات قاسية. تقول:”أنا أعيش في خيمة وأعمل تحت درجات حرارة مرتفعة، والكهرباء دايمًا مقطوعة ، ما بقدر أشغل المروحة أو أشحن اللابتوب أو أنشر أعمالي.”

تعيد تدوير المواد وتستعين بخيارات بديلة، وتكمل عملها أحيانًا في الهواء الطلق أو بمساعدة أصدقاء. تعمل في ظروف متقلبة، لكن الإبداع لا ينقطع.

“ممكن الظروف تعطلني، بس ما توقفني.” رغم شغفها، تصطدم مزن بجدران اقتصادية صلبة في غزة، حيث يُعتبر شراء الهدايا رفاهية، وتسويق المنتجات تحديًا مضاعفًا. لم تحصل على أي دعم مؤسساتي، لكن بذلت جهدًا شخصيًا لبناء اسمها من الصفر عبر الإنترنت والتوصيات الفردية.

“أنا مؤمنة إن في طاقات ضخمة هنا، محتاجة حد يآمن فيها.”وتضيف أن المشروع ساعدها نفسيًا وماديًا ولو بجزء بسيط، وخفف من التوتر داخل أسرتها. ورغم فقدان بيتها وكل كتبها، عادت لتقرأ بصيغة PDF، لتؤكد أن المعرفة لا تُقصف.

تقول مزن إن دعم عائلتها كان نقطة تحول، وتغيّرت نظرتهم بعد أن رأوا الإصرار والإبداع. واليوم هي تسعى لتوسيع مشروعها وتحويله إلى مساحة أمل. “بدي أفتح ورشة أعلّم فيها نساء أخريات، أعطيهم حرفة وأمل، زي ما الفن أعطاني حياة من جديد.”

أما حلمها الأكبر، فهو أن تكون مصممة ديكور ومؤسسة مشروع ناجح في نفس الوقت. ترى في إعادة إعمار غزة فرصة لتوظيف فنها، وفي المشغولات اليدوية بصمة إنسانية لا تُنسى.

“الحياة ممكن تسرق منا كل شيء، بس ما بتقدر تسرق إرادتنا. كل واحدة فينا فيها طاقة جبارة… المهم تلاقي المساحة إنها تطلعها.”

نساء FM