قانون جديد يجرّم زواج القاصرات في باكستان

بعد جهودٍ حثيثة بذلتها المنظمات الإنسانية والحقوقية في باكستان على مدى السنوات الماضية، أقرّ البرلمان الباكستاني قانوناً جديداً يحظر زواج القاصرات ويحدّد السن الأدنى لزواج الفتيات بـ18 عاماً، تماماً كما هو للفتيان. وأكدت الحكومة الباكستانية خلال تقديم القانون إلى البرلمان، أنها "خطوة مهمة" من أجل القضاء على ظاهرة زواج القاصرات المنتشرة في البلاد، والتي لها تأثيرات سلبية على حياة الفتاة والنظام الأسري، وقد تنتج منها نزاعات تلقي بظلالها على حياة الكثيرين.

وينصّ القانون الجديد على تجريم زواج الفتاة ما دون ۱۸ عاماً، ويعاقب كل من يشارك في مثل هذه الجريمة، سواء كانوا من أولياء الأمور أو الشهود أو المأذونين، والعقوبة هي السجن سبع سنوات، علاوة على غرامات مالية كبيرة تحدّدها المحكمة المخوّلة النظر في القضية، وقد تصل إلى آلاف الدولارات. غير أن القانون الجديد أثار جدلاً واسعاً في أوساط المجتمع الباكستاني، بين مؤيّدٍ ومرحّبٍ به، ومعارضٍ أشدّ الاعتراض، وموقفٍ آخر محايدٍ من منطق أنه قرار “لا جدوى منه”. فقد أشادت الفئة المؤيّدة للقرار بدور الحكومةوالبرلمان، معتبرةً زواج القاصرات “ظاهرة راسخة في المجتمع الباكستاني، يحتاج نزعها في المرحلة الأولى إلى قانونٍ، ومن ثم إلى بذل جهودٍ مضنية من أجل تطبيقه”.

وفي الشأن، تقول الناشطة الباكستانية زرمينه نواب لـ”العربي الجديد”: “إنّه تطور كبير ولافت ومهم، حيث إن زواج القاصرات منتشر في باكستان، وأصبح كأنه شيء عادي وجزء من حياتنا. أليست هذه معضلة كبيرة تتسبّب بتبعات ثقيلة وتدمّر حياة آلاف الفتيات في مقتبل أعمارهنّ؟ كذلك فإنّها ظاهرة تستغلها شرائح مختلفة، ولا سيّما الأثرياء والأغنياء، إذ يكفلون أنهم قادرون على الزواج بفتيات صغيرات، حتى ولو كانوا في الستينيات أو الخمسينيات من عمرهم، ما يؤدّي إلى تدمير حياة تلك الفتيات، مقابل حصول الأبوين أو ذوي الفتاة على المال”. وتؤكد الناشطة أنّ “زواج القاصرات مخالف لكل الأعراف الدينية والدولية، لما له من تبعاتٍ ثقيلة، ويُعدّ جريمة نكراء بحق الفتيات الصغيرات. فقد رأيتُ في قرى القبائل أنّهم يزوّجون فتيات بعمر ۱۲ سنة إلى رجال بأعمار آبائهن، فتتحوّل تلك الفتاة بعد سنوات إلى إنسان بلا روح، تعاني الأمراض النفسية والانكسار والإذلال بكل معنى الكلمة، حيث تُحرم التعليم والرعاية الصحية اللازمة، وتصبح أمّاً قبل العشرين من عمرها، وهي لا تعرف ولا تدرك مهام الأمومة. باختصار، تُدمَّر كل حياتها. لذلك، نرحّب بهذا القانون، وندعو الجهات المتخصّصة إلى تطبيقه حرفيّاً على كل الفئات وفي كل المناطق”.

في المقابل، عارضت القانون فئة كبيرة، معظمها من علماء الدين، وكذلك الأحزاب الدينية التي أعلن بعضها الاحتجاج وتنظيم تظاهرات لمطالبة الحكومة الباكستانية بإلغائه، لكونه “يعارض الشريعة الإسلامية”، وفق قول تلك الأحزاب، و”بما أنّ باكستان دولة إسلامية، فلا يمكن القبول بأيّ حكم يعارض الشريعة الإسلامية”.

وفي السياق، أعلنت “جمعية علماء الإسلام”، أكبر الأحزاب الدينية في باكستان، معارضة هذا القانون وتحديه على كل الصعد، معتبرة أنّه “مناهض للشريعة الإسلامية”. وخلال مؤتمر صحافي عقده في الأول من شهر يونيو/حزيران الجاري، كشف زعيم الجمعية، المولوي فضل الرحمن، وهو عالم دين معروف، أنهم سيعارضون القانون، لكونه “مناهضاً للشريعة الإسلامية التي أُنشئت البلاد على أساسها، وأي خطوة تناهض الشريعة سنعارضها بكل قوة، ولن نتوانى عن استخدام أي جهد وأي خطوة للتصدي لها”. كذلك أعلنت “جمعية علماء الإسلام” تنفيذ تحركات احتجاجية في باكستان، بدءاً من ۲۸ يونيو/حزيران الجاري، حيث ستُعقد اجتماعات ومؤتمرات لعلماء الدين والخبراء والشخصيات والمؤسسات المعنية، علاوة على تنظيم مسيرات واحتجاجات في مختلف المدن، من أجل الضغط على الحكومة الباكستانية كي تعيد النظر بالقانون. وقد برزت أصوات إضافية معارضة للقانون، من بينها الجماعة الإسلامية وجماعات دينية أخرى في البلاد.

أما الفئة الثالثة، فتتّخذ موقف الحياد، لا تعارض القانون ولا تؤيّده، باعتبار أنه “قانون لا طائل منه، ولا يمكن تطبيقه، وهو مجرد إجراء رسمي روتيني، لا يليق الاهتمام به”. ويقول الزعيم القبلي، خادم الله خان سردار، لـ”العربي الجديد”: “معظم القوانين في البلاد، روتينية، وتبقى مجرّد حبر على ورق، لا تُسمن ولا تُغني من جوع. القوانين مهما كانت صارمة، لكن مع وجود العقبات لا فائدة منها”. سردار، الذي يحاول منذ أمدٍ بعيدٍ تغيير الأعراف والتقاليد التي تحرم المرأة الباكستانية حقوقها، يكشف أن “الإحصائيات تتحدث عن زواج فتاة واحدة من كل ثلاث فتيات دون سن ۱۸ عاماً، وذلك برضا أسرة الفتاة والفتى، والمجتمع يسمح بذلك، كذلك فإن النظام القبلي يؤيد ذلك ويرسّخه. وهناك فئة من الأثرياء تستفيد من هذه الظاهرة، حيث يتزوّجون أربع فتيات صغيرات في السن، مقابل دفع المال. لذلك، إضافة إلى سنّ القوانين، هناك حاجة ملحّة لتغيير النظرة والفكر حيال القضايا المتعلّقة بالنساء، من خلال التخطيط للمدى البعيد وتغيير المناهج التعليمية والتنسيق بين مختلف شرائح المجتمع المؤثرة، التي يمكنها أن تلعب دوراً مهمّاً، مثل علماء الدين والزعامة القبلية والمسؤولين في الحكومة والمؤسسات المعنيّة بحقوق الإنسان وحقوق المرأة، من أجل إحداث تغييرٍ في الفكر والعقليّة، وحينها يمكن أن يكون للقانون الجديد فائدة. لكن إن لم يحصل ذلك، فالقوانين تبقى مجرّد أوراقٍ بلا روح وبلا تأثير”.

العربي الجدید