اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
تعاني ورقاء (۱۹ سنة)، من المرض الزجاجي، وهو مجموعة من مشكلات جينية تؤثر في العظام التي لا تنمو وتتكون بشكل غير سليم، ما يسبب لها هشاشة ويعرّضها للإصابة بكسور، وتقول لـ”العربي الجديد”: “أنا يتيمة الأب الذي قتلته القوات الأميركية. وبعد ثلاثة أشهر من ولادتي اكتشفت والدتي مرضي الذي عانى منه شقيقاي أيضاً. وتدهور وضعي الصحي بسبب سوء تشخيص الأطباء وعدم معرفتهم بكيفية توفير علاج مناسب لي يحقق نتائج جيدة على صعيد تحسين حالتي”.تضيف: “دخلت المدرسة في سن العاشرة حيث لم تستقبلني أي مدرسة حين كنت في سن السادسة بسبب وضعي الصحي ورفض تحمّل مسؤولية وجودي. بحثت والدتي فترة طويلة عن مدرسة من دون أن تفقد الأمل، ونجحت في تحقيق حلمي، وأكملت المرحلتين الابتدائية والمتوسطة بصعوبة، وبدوام نصف سنوي يُعرف باسم الانتساب لإجراء الامتحانات فقط. بعدها حصلت على مرتب شهري من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وادخرت المال لفتح مشروع خاص للرسم والطباعة، ورغم معارضة والدتي وإخوتي، كنت مصرّة على تنفيذ مشروعي لتحقيق مردود مالي”.وتذكر ورقاء أن تدهور وضعها الصحي وتركيزها على دراستها أبعداها قليلاً عن مشروع الرسم والطباعة الذي واجه معوقات. لكنها تؤكد أنها تتمسك بأمنية أن تفتح مكتبة كبيرة باسمها كي تصبح مثالاً لكل امرأة من ذوات الاحتياجات الخاصة تؤمن بقدرتها على تحقيق نجاحات عملية ومهنية.بدورها، لم تتوقع عليا، وهي طالبة في قسم الهندسة المعمارية بالجامعة التكنولوجية، أن طريق عودتها إلى منزلها سيتحول إلى كابوس مستمر، ففي ظهيرة يوم حار في عام ۲۰۱۶، تعرّضت لحادث دهس مع زميلتها التي توفيت في الحال، في حين نجت هي بعد غيبوبة استمرت ۴۰ يوماً، وعندما استيقظت وجدت نفسها مصابة بشلل نصفي.تتحدث عليا بحرقة وحسرة كبيرة حين تتذكر ما شعرت به عندما علمت بما أصابها، ما جعلها تتمنى لو أنها ماتت، وتقول: “عشت لحظات الانتكاسة الأكبر في حياتي، وظللت ست سنوات لا أخرج من البيت ولا أتحدث إلى أحد، حيث كنت أشغل نفسي بالمطالعة وتعلم اللغة الإنكليزية. ومن خلال تصفّحي مواقع التواصل الاجتماعي وجدت فرصة عمل في شركة مرموقة نشرت إعلاناً عن حاجتها إلى مترجمة، فتقدمت للحصول على الوظيفة. وفي يوم الاختبار اصطدم مدير الشركة بوضعي، كما شعرت بخيبة أمل لأن مقر الشركة موجود في الطابق الثاني. لكن المدير أصرّ على أن أخضع للاختبار، واندهش من الإمكانيات التي أمتلكها لشغل وظيفة مترجمة، ووظفني مع تخصيص مكتب خاص بي في الطابق السفلي. والآن أنا رئيسة قسم الترجمة في الشركة، ويعمل معي نحو عشرة موظفين”.لم تكتف عليا بهذا المقدار من الحضور المهني المميز، بل قررت استكمال دراستها في اختصاص القانون، وهي حالياً طالبة في السنة الثانية، وتدرس إلى جانب عملها. تقول: “أنا فخورة بنفسي، ولا أشعر أنني أعاني من إعاقة، وأرى أن الإعاقة الحقيقية هي العجز عن تنمية القدرات، أو التوقف عن قبول ما تعرضه الحياة من فرص. مهما خسر الإنسان من أشياء، ثمة أشياء أكبر في الحياة لا بدّ من السعي خلفها والعمل لإنجازها مهما كان حجم التحديات”.
أما أزهار العزاوي، التي تسكن في محافظة ديالى، فتحدّت التنمر الشديد الذي واجهته بسبب قامتها القصيرة التي ترفض تسميتها بأنها عاهة، وتقول لـ”العربي الجديد”: “تعرّضت لكثير من التنمر بسبب قصر قامتي، لكن ذلك لم يمنعني من تعلّم الخياطة وفتح مشروعي الخاص الذي جنيت منه الكثير من المال والسمعة الطيبة”.تتابع: “كانت والدتي أول من دعمني نفسياً ومعنوياً وعلمتني أيضاً الخياطة. وبمرور الوقت استطعت أن أفتح هذا المشروع الذي مثل إضافة مهمة لي في حياتي المهنية. وتمثلت محطتي الثانية التي واكبت نجاحاتي الشخصية وقدرتي على مواكبة تطلعي إلى الحضور الفعّال في المجتمع، في دخولي مجال منظمات المجتمع المدني المعنية بالدفاع عن حقوق ذوي الإعاقة، ثم عالم الإعلام الالكتروني، حيث ساهمت في تسليط الضوء على قضايا خاصة بشريحة المعوقين وذوي العاهات، وتحديداً النساء، من خلال كتابة تقارير صحافية عن الصحة الإنجابية والجنسية والعقلية، ونقل قصص لنجاح سيدات، حتى أنني أنشأت موقعاً خاصاً بي حقق نجاحاً باهراً”.وتقول الباحثة الاجتماعية رهام العابدي، لـ”العربي الجديد”، إن “الأسرة والمجتمع والبيئة المحيطة تلعب دوراً كبيراً في دعم كل سيدة من ذوات الاحتياجات الخاصة. وعموماً يواجه أفراد هذه الشريحة من نساء ورجال عقبات كبيرة يومياً تتعلق بالتعامل والتكيّف مع المعوقات الكثيرة التي تعترض المسار الطبيعي لحياتهم وشؤونهم اليومية بعيداً عن تعقيدات الخدمات اللوجستية والفنية وأيضاً الصحية التي يتيحها المجتمع لهم”.تضيف: “من أجل منع التنمر، يجب توفير الدعم القانوني للنساء العاملات من ذوات الاحتياجات الخاصة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، والاعتراف بجميع حقوقهن، ومساعدتهن في فتح مشاريع خاصة تناسب الإعاقات التي يعانين منها، ما يجعلهن يمتلكن إمكانات اقتصادية ومادية قد تكون أيضاً مفيدة لزيادة عدد الأيدي العاملة في القطاع الخاص”.وتتحدث عن أن “التنمر الذي تتعرض له كل واحدة من النساء المعوقات ناتج عن رسم صورة ذهنية سلبية عنهن، لكن العلم وتجارب الأمهات السابقات وغيرهن أثبتت إمكانية التخلص من هذه الصورة وتأثيراتها على الحياة عبر دمج الطفل ذي الاحتياجات الخاصة في المجتمع، وإعطائه مزيداً من الرعاية، وزرع الثقة في نفسه وحب الذات والتصالح نفسياً وجسدياً مع الإعاقة نفسيا بدءاً من الأسرة ثم المدرسة”.
وفي شأن كيفية تعامل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مع ذوي الاحتياجات الخاصة، يقول نائب رئيس هيئة ذوي الإعاقة في الوزارة، علي الحلو، لـ”العربي الجديد”: “تعتبر الوزارة الداعم الأول لهذه الشريحة بعدما سهّلت توفير قروض مالية لهم ودمجهم في التعيينات الحكومية بالقطاع العام بنسبة خمسة في المائة من إجمالي عدد الموظفين. يمكن أن يقدم الأشخاص ذوو الاحتياجات الخاصة طلبات للحصول على قروض مالية من دائرة العمل والتدريب المهني وفقاً لقانون القروض الجديد الذي يوفر مبالغ مالية للمشاريع تراوح بين ۲۰ مليون دينار (۱۵ ألف دولار)، و۸۰ مليون دينار (۶۰ ألف دولار). ويمكن أن يصبح المعوق نفسه صاحب عمل ويشغل عمالاً”.
المصدر: العربي الجدید