اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
يشتهر كعك العيد في مناطق شمال غرب سوريا خصوصا وسوريا عموما لأنه يناسب جميع العوائل من حيث التكلفة المادية البسيطة، حيث يتكون من مواد بسيطة جدا، وهي الطحين والزيت النباتي والسمن والبهارات المكونة من “حبة البركة والسمسم والمحلب والزنجبيل والشمر واليانسون والقرفة وجوزة الطيب والعصفر وهو المكون الرئيسي الذي يعطي هذا الكعك لونه الأصفر.
وتتم صناعته حسب رغبة العائلة على شكلين مختلفين الأول يكون مملَّحا، والثاني حلو وبعض العوائل تصنع من الصنفين معا.
تقول مريم أم عارف التي استضافت الجزيرة نت في خيمة نزوحها إن “كعك العيد” أو كما نسميه نحن في إدلب “كعك بعصفر” هو أكلة تراثية سورية مشهورة في أيام العيد، والمنزل الذي لا يصنع هذا “الحلو” في آخر أيام رمضان لا يدخله “العيد”؛ لأن هذا الكعك مع ثياب العيد هو الفرح الأكبر لدى الأطفال.
وتضيف أن لهذا الكعك رائحة مشهية كانت تنتشر في كل حارات القرية قديما قبل نزوحنا، واليوم تفوح في كل أرجاء المخيم وتأتي هذه الرائحة الفواحة من البهارات المتنوعة والكثيرة التي نضيفها للكعك الذي لا نصنعه إلا أيام الأعياد وفي غير أيام الأعياد لا أحد يتذكره.
وتستذكر مريم بغصة ودموع قريتها قبل النزوح وكيف كان كل الجارات يجتمعن في أيام الـ۱۰ الأخيرة من رمضان بمنزل إحداهن ليتعاونَّ في صناعة الكعك، وتطفو على الليالي الأهازيج والضحكات ويتقاسمن الأدوار بينهن، فمنهن من تعجن العجين وأخريات يُقطِّعن، والبعض الآخر يلْفُفن الكعك، ثم يتم شيُّه في الفرن؛ ليكون جاهزا على رأس قائمة الحلويات التي تُقدم في أيام العيد للضيوف
“سيأتي العيد ولا بد من ذلك ولكن أنا لم يعد لدي عيد ولا فرحة بالعيد” بهذه الكلمات تصف مريم العيد في خيمة النزوح التي تعيش فيها منذ عام ۲۰۱۸ بعد تهجيرها وعائلتها من بلدتها “التح” بريف إدلب الجنوبي لتستقر هي وعائلتها المكونة من ۸ أشخاص في خيمة صغيرة أصبحت بعد ۵ سنوات مهترئة.
ويزيد من غصتها حسب وصفها بُعد أهلها والجارات والصديقات اللائي كانت الزيارات بينهن أحد “طقوس” صباح أول أيام العيد، ولكن بعد رحلة النزوح والتهجير والمسافات الشاسعة التي أصبحت بينهن، ومنهن من أصبحت خارج سوريا وأصبح التواصل معها فقط عبر مكالمة فيديو “واتساب”، وزاد ذلك الفقر وعدم امتلاك وسائل للتنقل والزيارات؛ كل هذا بات يشعرها أن لا بهجة ولا فرحة للعيد.
راودَ الشكُّ مريم كثيرا في أن يكون عيدهم هذا العام بلا كعك، فتقول “كنت واقعة بين نارين الأولى إصرار أطفالي والثانية حالتي المادية الضيقة والصعبة بعد انقطاع المساعدات الإنسانية عن المخيمات التي بات الوضع المعيشي فيها صعبا جدا ولكن الأطفال الذين ينتظرون العيد لا يفهمون ذلك، وعندما يشاهدون الجيران يصنعون الكعك يطالبون به”.
وتضيف “رغم بساطة مكونات هذا الكعك وهي الأبسط والأرخص سعرا ولكن ضيق الحالة المادية، وغلاء الأسعار،-تصل تكلفته إلى ۱۰۰۰ ليرة تركية- يجعل الحصول عليه صعبا؛ فهذا المبلغ يمكن أن أعيش به مع أولادي لمدة أسبوعين أو شهر. ولكن بفضل من الله ثم من أهل الخير رزقني وأطفالي مكونات هذا الكعك”.
سيأتي العيد ولكن الحزن وعدم الفرح منتشر بين أقمشة وأروقة هذه الخيام الممتدة كبحر عائم ولكنه كالسراب الذي لا يسقي العطشان فكل الوجوه مرسوم عليها الغضب والتعب والقهر ولم يبق من فرح، ونحن نعيش في هذه المخيمات إلى أجل غير مسمى، وأما فرح العيد فأصبح للأطفال فقط وأنا اليوم فرحتي بصناعة الكعك ليس من أجلي إنما من أجل فرحة الأطفال، تقول مريم بلسان الحال والمقال.
المصدر : الجزيرة