اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
في نهاية القرن الـ۱۹ حصل رودولف ليندت في سويسرا على براءة اختراع خليط من زبدة الكاكاو ليعطي الشوكولاتة بشكلها الحالي القوام الذي يذوب في الفم.
ومع بداية القرن الـ۲۰ بدأت عائلة كادبوري في بريطانيا بإنتاج كميات كبيرة من الشوكولاتة لأول مرة في جميع أنحاء العالم، وعلى مدار أكثر من قرن من الزمان استطاعت ألواح الشوكولاتة أن تكون طعاما مفضلا للجميع، وأن تكون جزءا من ثقافة العالم الحديث والطعام المناسب للحظات الرائعة وللتعبير عن الحب والسعادة.
“نحن نتوق إلى الشوكولاتة لأنها لذيذة ولها رائحة رائعة، الشوكولاتة تعطي ألسنتنا شعورا جيدا وتجربة رائعة في كل مرة نتناولها، هكذا كانت إجابة الدكتور إيمي جو ستافينز أستاذ علم الأعصاب وعلم النفس في جامعة ووستر الأميركية.
ووفقا للدكتور ستافينز، فإن الشوكولاتة تحتوي على مركبات كيميائية يمكنها تنشيط إفراز الدوبامين في مناطق معينة بأدمغتنا، حيث يتم إطلاق الدوبامين عندما نجرب أي شيء نستمتع به، مثل الضحك أو تناول الشوكولاتة.
وتحتوي الشوكولاتة على الكافيين والدهون والسكريات، وهي مصادر غذائية عالية السعرات الحرارية، ولكن من يحب الشوكولاتة أكثر، الرجال أم النساء؟
ربما تكون الإجابة متوقعة، حيث من المعروف أن النساء يفضلن الشوكولاتة أكثر من الرجال، لكن لماذا يحببنها أكثر منهم؟
كشفت دراسة أجريت في قسم علم النفس بجامعة ولاية مونتكلير في الولايات المتحدة الأميركية ونشرت في مجلة “أبيتايت جورنال” أن ۶۰% من الرجال يشتهون الأطعمة المالحة أو التي تحتوي على اللحوم و۶۰% من النساء يفضلن الأطعمة الحلوة.
وبتكرار التجربة على مجموع من الرجال والنساء الإسبان كانت النتائج متشابهة إلى حد كبير، مما يشير إلى أن هذه الظاهرة التي لا تزال غير مفسرة قد تكون مبنية على بعض الاختلافات الفسيولوجية الأساسية بين الرجال والنساء.
وفي سؤال عن أكثر الأوقات المفضلة لتناول الشوكولاتة لدى النساء في الولايات المتحدة الأميركية، أوضحت المشاركات في الدراسة أن الوقت المفضل هو فترة الدورة الشهرية، إذ إن هناك ارتباطا وثيقا بين الشوكولاتة ومتلازمة ما قبل الدورة الشهرية، لكن هل حقا تسبب الدورة الشهرية للنساء رغبة شديدة في تناول الشوكولاتة؟
بالعودة إلى الدراسة السابقة نجد أن ۴۰% من النساء الأميركيات يشتهين تناول الشوكولاتة خلال فترة الدورة الشهرية، في حين كانت النسبة ۴% من النساء الإسبانيات تحدثن عن رغبة ملحة في تناول الشوكولاته أثناء فترة الدورة.
أجابت الدكتورة جوليا هورمز الأستاذة المساعدة في علم النفس السريري بجامعة ألباني عن هذا السؤال في دراسة أجرتها عام ۲۰۱۱٫
وتستند الدراسة إلى مجموعة من الدراسات السابقة، والتي خلصت إلى أن الجسم الأنثوي يبحث بشكل طبيعي عن الشوكولاتة ويرغب فيها، وأن ذروة الطلب تكون في أوقات الدورة الشهرية وأن ذلك الاحتياج مرتبط بالتغيرات الهرمونية والفسيولوجية التي تمر بها المرأة مجرد نظرية خاطئة.
وتقول هورمز إن للثقافة دورا كبيرا في هذه الرغبة وهذا الاستهلاك، فالإعلانات التجارية تسوّق دائما للشوكولاتة على أنها وسيلة للتعامل مع المشاعر السلبية مثل مشاعر التوتر والألم المصاحب للدورة الشهرية، كما أنها تروج إلى كون الشوكولاتة “مكافأة” تمنحها المرأة لنفسها في نهاية يوم مرهق.
وتشير الدراسة إلى أنه تمت صياغة نموذج أميركي للجمال يضع معايير محددة يجب أن تلتزم بها المرأة لتنتمي إلى “النساء الجميلات”، نموذج يفرض على النساء الطعام الأكثر خضرة والأقل كربوهيدرات، ويفرض عليهن نظاما رياضيا معينا بغض النظر عن طبيعة أجسامهن ووظائفهن، كما عززت منصات التواصل الاجتماعي تلك الفكرة.
وبالرجوع إلى الدراسة السابقة التي تنخفض فيها نسبة ولع النساء الإسبانيات بالشوكولاتة في فترة الدورة الشهرية فإن هورمز ترى أن ذلك الأمر لا يرجع إلى اختلاف بيولوجي بين النساء الأميركيات والإسبانيات، بل إلى اختلاف قدر ومواعيد الإعلانات التجارية الخاصة بمنتجات الشوكولاتة والفئة المستهدفة بين البلدين.
وتؤكد هورمز أن للإعلانات التجارية تأثيرا كبيرا ليس على النساء فقط، بل الرجال أيضا، فالإعلانات التجارية المرتبطة باللحوم والشواء تكون من نصيب الرجال الأقوياء، وبناء عليه أصبحت اللحوم ترتبط عادة بالرجولة والذكورة، فتجد أن أقل من ۴۰% من مجمل مجتمع النباتيين في أميركا هم من الرجال وفقا لصحيفة “فيجيتريان تايمز” الأميركية، ويرجع انخفاض النسبة بين الرجال إلى الصورة المنتشرة عن النباتيين أنهم ضعفاء وأنها مناسبة أكثر للنساء.
خلصت الدراسة إلى أن الطعام في عصر تسيطر عليه وسائل الإعلام لم يعد مجرد غذاء يستخدمه الإنسان لسد جوعه والحصول على احتياجاته من السعرات الحرارية، بل أصبح وسيلة لإصدار الأحكام وتقييم الأشخاص.
اللحوم وحفلات الشواء تجعلك أكثر ذكورة وقوة، فيما تجعلك الشوكولاتة والخضروات أكثر أنوثة ونضارة.
وبالتأكيد فإن للجميع الأحقية في اختيار طعامهم المفضل ونمط حياتهم المحبب إليهم، ولكن نحتاج إلى نظرة أكثر حيادية تجاه اختياراتنا الغذائية بما يتناسب مع احتياجاتنا الفعلية، ففي النهاية محلات البقالة ليست المكان المناسب لتحديد الهوية والتعبير عن الانتماء.
المصدر : الجزيرة