مبادرة نيابية لإعفاء العاجزين عن تسديد النفقة في تونس تثير الجدل

تواجه مبادرة نيابية بخصوص إقرار عفو عام عن المطالبين بتسديد ديون أحكام النفقة في تونس انتقادات بشأن إمكانية إيجاد حل لمشكلة معقدة تسببت في تراجع نسبة الزواج في البلاد خشية تبعات دفع النفقة، التي قادت بعض الأزواج إلى السجن لعدم قدرتهم على تسديد النفقة.

يتزايد الجدل في تونس حول المبادرة التي اقترحها عدد من النواب في مجلس الشعب بخصوص إقرار عفو عام عن المطالبين بتسديد ديون أحكام النفقة، واعتبر المحامي ناصر شهلول أنّ “المبادرة ينقصها إيجاد الحلّ وطرح البديل”، مؤكّدا أنّ “النفقة لديها صبغة معاشيّة تتعلّق بحياة الأطفال الذين تتمتّع أمهاتهم بالحضانة، وليست كغيرها من المسائل على غرار القانون المتعلّق بالعفو العام في جريمة إصدار شيك بدون رصيد.”

وأفاد شهلول خلال نقاش حول القضية في فقرة “علم الشيء” في برنامج “الماتينال ويكاند” على إذاعة “الجوهرة أف.أم”، بوجود قرابة ۲۵۶ ألف محكوم بالنفقة، منهم من يقبعون في السّجون، مشيرا إلى أن “حالات الطلاق بلغت نحو ۱۴ ألف حالة طلاق سنة ۲۰۲۳٫” ولفت إلى “تسجيل عزوف متصاعد عن الزواج، حيث بلغت عقود الزواج سنة ۲۰۱۴ قرابة ۱۰۰ ألف عقد، مقابل حوالي ۷۸ ألف سنة ۲۰۲۲”.

وأعلنت الكتلة الوطنية المستقلة في البرلمان التونسي إيداع مشروع قانون يتعلق بعفو عام يهم المطالبين بديون ترتبت عن أحكام النفقة والطلاق. ويضم مشروع القانون المودع بمكتب الضبط المركزي في البرلمان التونسي نهاية فبراير الماضي، بعد تبنيه من قبل ۱۱ نائبا، ۳ فصول ينص الأول منها على شروط التمتع بالعفو، فيما ينص الفصل الثاني على الديون المشمولة بالعفو.

وفي شروط التمتع بالعفو العام في مادة الأحوال الشخصية، اقترح مشروع القانون أن يتمتع به الأشخاص الذين صدرت ضدهم أحكام بالعقوبة السجنية أو المالية وفق ما ورد في الفصل ۵۳ مكرر من مجلة الأحوال الشخصية قبل الحادي والثلاثين من ديسمبر ۲۰۲۴، على أن يستوفوا أحد الشروط: إثبات التسديد الفعلي لمبلغ لا يقل عن ۸ في المئة من جملة الديون المتخلدة بذمته بعنوان نفقة أو جراية طلاق. والشرط الثاني قضاء عقوبة سجنية تعادل أو تزيد عن ۳۰ يوما بمقتضى أحكام صادرة في المجال.

وينص الشرط الثالث على تقديم ملف طبي مسلم من الهياكل الاستشفائية العمومية إلى النيابة العمومية يثبت عجزا صحيا تفوق نسبته ۵۰ في المئة أو يثبت ما يفيد التعرض لأمراض مزمنة تحول دون الوفاء بالالتزامات. ودعا المحامي شهلول إلى “إحداث خطّة مُوفّق عائلي من أجل المساعدة على تسوية النزاعات العائلية”، مؤكّدا أنّ “هذه الخطة من شأنها التقليص في عدد قضايا الطلاق في تونس.”

كما طالب كذلك “بخلق موارد شغل للمرأة المطلقة من أجل مساعدتها على إعالة أطفالها، بالإضافة إلى إنعاش صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق المنصوص عليه في الفصل ۵۳ (مكرّر) من مجلة الأحوال الشخصية”، معتبرا “هذا الصندوق في حالة موت سريري بسبب غياب التمويل، علما وأن هذا الصندوق ينضوي تحت لواء الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.”

ويذكر أن الفصل ۵۳ مكرر من مجلة الأحوال الشخصية، ينص على أن “يعاقب بالسجن مدّة تتراوح بين ثلاثة أشهر وعام وبغرامة من مئة دينار (۱۰۰) إلى ألف دينار (۱۰۰۰)، كلّ من حكم عليه بالنفقة أو بجراية الطلاق فقضى عمدا شهرا دون دفع ما حكم عليه بأدائه.”

ويعتبر النواب أصحاب المبادرة أن “العفو المطروح في هذا المشروع هو حل مؤقت لتخفيف وطأة معاناة المطالبين بالنفقة وجراية الطلاق الذين بلغ عددهم حسب إحصائيات شبه رسمية ۲۵۶ ألف شخص، في حين يشير محللون إلى أن نصف مليون تونسي مهددون بالسجن”، معتبرين أن “الأمر يتطلب تدخلا صارما ومصيريا من طرف الإرادة السياسية والتشريعية للإنقاذ والمصالحة الاجتماعية قد يتحقق من خلالها وضع حد للارتفاع غير المسبوق لظاهرتي العزوف عن الزواج والهجرة.”

وجاء في وثيقة شرح الأسباب أن “سنة ۲۰۲۲ لاحظ حقوقيون أن عدد قضايا النفقة التي يتعهد بها القضاء ما فتئت ترتفع بمعدلات خيالية خاصة بعد جائحة كورونا حيث سجلت الإحصائيات زيادة بـ ۳۴ ألف قضية في السنة، الأمر الذي تطلب تدخل القرار السيادي تنفيذيا كان أو تشريعيا لكن للأسف لم يسجل الموضوع أي لفتة من أصحاب القرار.”

وذكر أصحاب المبادرة أن من أهم داوعي مقترح العفو، تمتع القرين المطالب بالأداء ببعض من حريته يفتح له مجالا للعمل وحرية التنقل ويخول له السعي إلى توفير ما تيسر من القوت حتى يتقاسمه مع الحاضن لأبنائه، خاصة وأن مشروع الحال لا يسقط الديون المتخلدة بذمته.

وفتح المجال للتصالح العائلي، فبعض من الأداء قد يؤلف بين الزوجين المتخاصمين بما يعود بالنفع على الأبناء، ومصلحة الأبناء هي العامل الرئيس الذي يوجه وجدان القضاة نحو الحكم لصالح طرف على حساب طرف آخر. يضاف إلى ذلك الحد من الاستغلال المفرط لتوجه حماية الطرف الحاضن للأبناء في القانون التونسي وعادة ما تكون الزوجة. وتحقيق العدالة المرجوة من خلال سن الأحكام.

وشدّد شهلول على أنّ “مجلّة الأحوال الشخصية تحتاج إلى مراجعة شاملة وأحكام النفقة”، مؤكّدا أنّ “السجن ليس حلا ومن الضروري إيجاد آليات بديلة.” وأضاف أنّ “سجن الأب الذي تخلّف عن دفع النفقة لن يُغيّر شيئا بل سيؤدّي ذلك إلى تراكم الديون المتخلّدة بذمّته وبالتالي لن يتمتّع الأطفال بحقوقهم.”

ويتولّى صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق دفع مبالغ النفقة أو جراية الطلاق الصادرة بها أحكام باتة تعذر تنفيذها لفائدة المطلقات وأولادهن من المحكوم عليه بسبب تلدّده، وذلك وفقا للشروط المنصوص عليها بالقانون المحدث للصندوق. ويحلّ هذا الأخير محل المحكوم لهم في استخلاص المبالغ التي دفعها. وكانت وزيرة المرأة والأسرة أسماء الجابري قد أكدت في ديسمبر الماضي تراجع نسبة الإقبال على الزواج مقابل ارتفاع ظاهرة الطلاق.

وتشهد أحكام الطلاق في تونس ارتفاعا مطردا خلال السنوات الأخيرة، إذ بلغ عددها ۱۴۷۰۶ أحكام صادرة في السنة القضائيّة ۲۰۲۱-۲۰۲۲، مقابل ۱۲۵۹۸ حكما في السنة القضائيّة ۲۰۲۰-۲۰۲۱، و۱۳۳۰۲ حكم في السنة القضائية ۲۰۱۹-۲۰۲۰، وفق معطيات وزارة العدل التونسية.

المصدر: العرب