مرحلة ما قبل الطلاق تهدد المستقبل التعليمي للأبناء في مصر

لا تزال الحكومة المصرية عاجزة عن إيجاد حل يؤمّن الأبناء وقت الخلافات الزوجية وقبل وقوع الطلاق بعد أن أصبحوا ورقة ابتزاز يلعبها الأبوان ضد بعضهما البعض. وأظهرت بعض الوقائع التي كشفتها مؤسسات تعليمية مؤخرا إلى أي درجة أصبح الابتزاز بورقة الأبناء وسيلة سهلة لأن يتفنن كل طرف في الضغط على الثاني من خلال الأولاد، ولو كان ذلك بالتأثير السلبي على مستقبلهم التعليمي.

 لم يعد سوء استغلال ورقة الأبناء وقت الخلافات الزوجية، تحديدا خلال فترة ما قبل الطلاق، مجرد حالات فردية في مصر بقدر ما تحولت إلى ما يمكن اعتباره ظاهرة، لأن تلك الخطوة تترك خلفها منغصات أسرية سلبية للطرف المتضرر، سواء أكان الرجل أم المرأة، خاصة إذا كان الخطر يهدد المستقبل التعليمي للأبناء.

وأظهرت بعض الوقائع التي كشفتها مؤسسات تعليمية مؤخرا إلى أي درجة أصبح الابتزاز بورقة الأبناء وسيلة سهلة لأن يتفنن كل طرف في الضغط على الثاني من خلال الأولاد، ولو كان ذلك بالتأثير السلبي على مستقبلهم التعليمي دون اكتراث لانعكاس ذلك عليهم نفسيا، بينما لا تزال الحكومة عاجزة عن إيجاد حل يؤمّن الأبناء وقت الخلافات الزوجية وقبل وقوع الطلاق.

واكتشفت سهام حمدي، وهي والدة طفل في الصف الخامس الابتدائي كان ملتحقا بمدرسة خاصة في القاهرة، قيام الأب بتحويله إلى مدرسة أخرى حكومية تدرس باللغة العربية قبل أيام قليلة من موعد إجراء امتحانات نصف العام الدراسي (۱۱ يناير المقبل)، مع أن الطفل لم يدرس في مسيرته شيئا باللغة العربية، ما يهدده بالرسوب.

وتحرك الأب في هذا المسار نكاية بالأم بعد أن وصلت العلاقة الزوجية بينهما إلى طريق مسدود، وحدث الطلاق، لكنها لم تكن حصلت بعد على الولاية التعليمية، ووجد الأب في ذلك ثغرة للانتقام منها عن طريق الابن، وقام بنقله إلى مدرسة تبعد عن مقر سكن الأم بعشرات الكيلومترات، وتغيير مسار تعليمه كليا، من اللغات إلى العربية.

الولاية التعليمية تظل للأب حتى في حالة وجود نزاع على الحضانة أو الولاية التعليمية ما لم تتحرك الأم للحصول عليها

ولأن الطالب كان يدرس في بيئة تعليمية متطورة، وانتقل بشكل مفاجئ إلى مدرسة تقع بحي شعبي ويدرس لغة لا يتقن الكتابة بها بصورة جيدة، أصيب بحالة نفسية سيئة. فالامتحانات اقتربت، والأم عاجزة عن إعادته إلى مدرسته الأصلية لأنها لم تحصل على حكم بالولاية التعليمية، كما أن مقر المدرسة الجديدة يتم الوصول إليه بصعوبة.

وقالت الأم لـ”العرب”إن زوجها السابق(طليقها) انتقم منها بطريقة بشعة عندما دمّر مستقبل ابنها. فهي لديها القدرة المالية على استمراره في مدرسة خاصة، لكنه حاول إبعاد الابن عنها بإلحاقه بمدرسة أخرى بعيدة، رغم علمه أن الطفل سوف يرسب في الامتحانات، ولم يكترث بذلك، وصارت عاجزة عن إنقاذه لعدم وجود ولاية تعليمية.

ولا تعني هذه الواقعة أن كل الأمهات ملائكة، بل إن الأب أيمن مصطفى الذي وصلت علاقته بزوجته إلى طريق مسدود وقرر الانفصال عنها، كانت حصلت على الولاية التعليمية قبل الطلاق بدعوى “حماية مستقبل ابنها الوحيد من الخلافات،” لكنها استغلت الولاية في الانتقام من الأب بتحويل ابنه من مدرسة لغات إلى أخرى حكومية عربية.

ولم ينكر الأب أنه أصيب بحالة من الجنون عندما علم بالواقعة، مفسرا ذلك، بأنه “يشقى ويتعب ويجتهد طوال الوقت كي يوفر لابنه مستقبلا تعليميا وصحيا وماليا واجتماعيا جيدا، وفجأة يتبخر كل ذلك بسبب تصرف من الأم تستهدف منه الضغط عليه كأب، بأن تقضي على المستقبل التعليمي للابن وتلحقه بمدرسة في منطقة شعبية”.

وكانت الصدمة عندما صعّدت الأم ابتزازها للأب بأن طلبت منه مبالغ مالية ضخمة، وأن يكتب لها وحدة سكنية باسمها، نظير أن توافق على إعادة الابن مرة أخرى من المدرسة الشعبية إلى الخاصة، وإلا لن تتحرك خطوة واحدة في هذا المسار، وسوف يظل المستقبل التعليمي للابن مهددا، وهو ما رضخ له الأب.

وتؤكد الواقعتان إلى أيّ حد يمكن أن يصل الابتزاز بالأبناء من جانب بعض الأزواج في مصر، بقطع النظر عن أيّ مخاطر مستقبلية سوف يتعرضون لها، المهم أن يشعر الطرف المنتقم بالنجاح في أن يتذوق الشريك الآخر مرارة القهر والإذلال والانكسار، بينما تقف المؤسسات التعليمية عاجزة عن إنقاذ الأبناء من تلك الحلقة الانتقامية، لأنها بلا صلاحيات.

ولا تملك أيّ مدرسة في مصر منع صاحب الولاية التعليمية من نقل ابنه إلى مدرسة أخرى، بعيدة أو قريبة، لغات أو حكومية عربية، كما أنها لا تسأل عن أسباب النقل أو تبحث في خلفياته. وإذا كانت على دراية كاملة بالخلافات الزوجية لا تتدخل للحفاظ على مستقبل الابن، وإلا تعرض مسؤولوها للمحاسبة من الجهة الإدارية.

استمرار الأبناء كأضعف حلقة وقت الخلافات الزوجية يستدعي تدخلا عاجلا من الجهات المسؤولة، بتقاسم الولاية عليهم، أو عدم القيام بالنقل إلا لأسباب منطقية ومكتوبة

وحسب القرارات المنظمة، فإن الولاية التعليمية تظل للأب حتى في حالة وجود نزاع على الحضانة أو الولاية التعليمية ما لم تتحرك الأم للحصول عليها، وله في ذلك حق نقل التلميذ من مدرسة إلى أخرى، أو تغيير نوعية التعليم، أو أيّ تصرف يخص مستقبل الطفل دراسيا في حدود ما تقضي به القوانين والتعليمات المنظمة للتعليم.

وتظل الأزمة الأكثر تعقيدا بالنسبة إلى الأمهات بشأن الولاية التعليمية على الأبناء مرتبطة بإصرار بعض الرجال على عدم توثيق الطلاق في سجلات الحكومة وترك الزوجة معلّقة، ولا تستطيع الحصول على وثيقة رسمية تتيح لها التعامل مع أولادها وتحسين مسارهم التعليمي، أو عودتهم إلى مدارسهم الأصلية، حال قام الأب بنقلهم بعيدا.

ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية بالقاهرة أن تكرار وقائع العبث بالمستقبل التعليمي للأبناء خلال فترة ما قبل الانفصال، يعكس تدني مفهوم الطلاق الحضاري عند الكثير من الأزواج، مقابل اللجوء إلى حيل ماكرة لقهر الشريك ولو كان ذلك من خلال تدمير الأبناء، ما يعرضهم لانتكاسة نفسية يصعب علاجها بمرور الزمن.

وأشار الاستشاري الأسري والمتخصص في تقويم السلوك محمد هاني إلى أن شعور الابن بأنه جزء من حلقة انتقام بين الأبوين يعرضه إلى صدمات نفسية أكبر من تهديد مستقبله، وكلما أصبح يُعاني من مصير مجهول بسبب ذنب لم يرتكبه، وهناك طرف من أقرب الناس يحاول الانتقام منه، فإن ذلك يفقده الأمان وانعدام الثقة في المقربين.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن استمرار الأبناء كأضعف حلقة وقت الخلافات الزوجية يستدعي تدخلا عاجلا من الجهات المسؤولة، بتقاسم الولاية عليهم، أو عدم القيام بالنقل إلا لأسباب منطقية ومكتوبة، المهم أن تكون هناك حصانة للصغار من التعرض لأيّ أذى خلال فترة ما قبل الانفصال كجزء من حقهم في العيش بأمان وسلام.

وهناك شبه اتفاق بين منظمات معنية بشؤون الطفل في مصر على أن احتكار أيّ طرف داخل الأسرة، الأب أو الأم، سلطة التحكم في مصير الأبناء قبل الانفصال أو بعده، سوف يجعل الأبناء وسيلة سهلة لإذلال الطرف الآخر وقهره، ما يجعل تقاسم الولاية ضرورة تفرضها مستجدات ووقائع حية لأبناء مهددين بالضياع.

المصدر: العرب