اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
وترى نظر الناشطات النسويات أن القانون، بصيغته الحالية، يمثّل تكريساً للهيمنة الذكورية وانتهاكاً لمبدأ المواطنة، ويتنافى مع الدستور الجزائري الذي يقر بمبدأ المساواة بين المواطنين والمواطنات بينما يرى مؤيدو القانون أنه يعكس “طبيعة المجتمع الجزائري المحافظ” وأنه لا مجال لتعديل مواد في قانون مصدره الأساسي الشريعة التي تعد نصوصها شرعية وصحيحة مقدسة، بحسبهم.
وجاءت تعديلات عام ۲۰۰۵ دون مساس بالبنية التقليدية للعائلة، حيث أقام المساواة في ما يتعلق بسن الزواج وكرّس المساواة في العلاقات بين الزوجين في ما يخص إدارة الأسرة وألغى الزواج بالوكالة وواجب الطاعة ومبدأ رب الأسرة. كما أبقى على تعدد الزوجات وإن أخضعه لشروط، ومنح المرأة الحق في الطلاق بسبب التعدد، وفي الخلع مقابل مبلغ مادي تعويضي تدفعه للزوج.
على عكس المغرب الذي تخوض المنظمات النسوية وجمعيات المجتمع المدني فيه معركة لإصلاح “مدونة الأسرة”، لا تُناقَش أية إصلاحات ملموسة لقانون الأسرة في الجزائر حالياً. يقتصر النقاش على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي البرامج التلفزيونية، في مقابل سعي بعض الجمعيات إحداث إصلاحات في القانون عبر المناصرة التي قدمتها منظمة سيداف – مركز الإعلام والتوثيق لحقوق الطفل والمرأة – عام ۲۰۲۱ لتغيير الفقرة الأولى من المادة ۶۶ من قانون الأسرة، وهي تنص على إسقاط الحضانة عن الأم المطلقة في حال تزوجت مرة أخرى بغير قريب مِحرِم.
أربعة عقود وقانون الأسرة الجزائري “مجحف وغير عادل في حق النساء”، ولا إرادة سياسية لتغيير ذلك بسبب التمسّك بـ”أحكام الشريعة الإسلامية وتفسير المشرعين لها” والقلق على “معايير المجتمع المحافظ”… إلى متى؟
وتنقسم النسويات في الجزائر بين من ينادين بإلغاء القانون تماماً واستبداله بقانون مدني، وأخريات يطالبن بإجراء إصلاحات عليه. المحامية عويشة بختي من دعاة الإلغاء حيث ترى أن “تعديلات عام ۲۰۰۵ كانت شكلية ولم تكن عميقة. المساواة لن تتحقق إلا بإلغاء القانون وسن آخر مدني”، وفق ما تذكره لرصيف۲۲٫
أما الناشطة النسوية آمال حجاج، فتقول إنه لا فرق بين دعوات الإلغاء والتعديل، “أنا شخصياً لا أرى أن هناك شقاقاً بين المطلبين، لأنه إذا قمنا بالإصلاحات وتحوّلت إلى قوانين مدنية متساوية، فإننا سنخرج من مفهوم قانون الأسرة إلى قانونٍ مدنيٍّ”. تضيف آمال لرصيف۲۲: “هذا القانون أنتج مشاكل أكثر من تقديمه لحلول، من خلال ترتيب سلطوي للأدوار الاجتماعية للرجال والنساء” .
من جهتها، تنبه الحقوقية عائشة زميت إلى أن “قانون الأسرة الجزائري مثل أي قانون وضعي يحتوي على عدة نقائص يحاول القانونيون والناشطون والمنظمات النسوية في كل مرة تحسينه ليتماشى مع تطور المجتمع مع المحافظة على مصدر تشريعه”، مردفةً أن “هناك عدة مواد يُساء فهمها وتطبيقها من طرف القضاء”. كما تُذكّر بأن “أصل القانون هو الشريعة وهذه الأخيرة بها عدة مذاهب، فهناك مسائل فيها خلاف والمشرّع لا يأخذ بالخلاف”.
رغم غياب المحاولات الجدية لإصلاح القانون منذ ۲۰۰۵، يسعى كثيرون إلى جذب الانتباه إلى الثغرات الموجودة في قانون الأسرة في كل فرصة سانحة، منها الجريدة النسوية الجزائرية التي نشرت بياناً، عشية الذكرى الأربعين لتمرير القانون، عددت فيه قائمة التغييرات التي تراها ضرورية لتحقيق المساواة، موضحةً سبب استمرار النضال ضد قانون الأسرة.
“يؤدي قانون الأسرة إلى عدم المساواة في الميراث، مما يزيد من عدم الاستقرار الاقتصادي للنساء في مجتمع يشكلن فيه أقلية في سوق العمل. المادة ۶۶ تجيز إسقاط حضانة الأطفال عن الأم المطلقة إذا تزوجت مرة أخرى، مما يعرضهن للابتزاز ويجبرهن على البقاء في مواقف (علاقات) غير مستقرة أو عنيفة. يسمح القانون بتعدد الزوجات، مما يهدد كرامة النساء ويكرّس العنف ضدهن. كما يُلزم النساء بوجود ولي لإتمام الزواج المدني رغم الاعتراف بمسؤولياتهن في المخالفات والضرائب والتصويت والطلاق. يعترف القانون بولاية الأب فقط في حالة زواج الأبوين، مما يستبعد الأمهات ويؤثر سلباً على فهم الأطفال للمساواة بين الجنسين. كما يحتوي القانون على ثغرات تسمح بتزويج القاصرات وتجاهل حقوق الأمهات العازبات وأطفالهن”، يورد البيان.
“الحكومات المتعاقبة في الجزائر تستخدم الدين والتقاليد لإضفاء الشرعية على سلطتها، ما يجعل الحفاظ على قانون الأسرة المستند إلى الشريعة وسيلة لدعم الفئات المحافظة والدينية، وهو ما يعني بالضرورة أن أي محاولة لإصلاح القانون الأسري تواجه مقاومة كبيرة من المجموعات الدينية والمحافظة، وتتطلب توافقاً اجتماعياً يصعب تحقيقه راهناً”
السلطة تتجاهل… ما هي موانع التعديل؟
تتجاهل السلطة الجزائرية، حسب المحامية بختي، المطالبات المتكررة والدائمة بتغيير قانون الأسرة. تقول: “منذ ۱۹۸۴ مروراً بـ۲۰۰۵ إلى يومنا هذا، تتجاهل السلطة مطالبنا”، وتفسر ذلك بغياب إرادة حقيقية نحو تحقيق المساواة.
تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.
هنا تأتي مهمّة رصيف۲۲، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.
علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.ألن تنضمّ/ ي إلى من يشبهونك؟
يعزو مختصون اجتماعيون وحقوقيون البطء في إحداث تغييرات على مستوى القانون الذي يحكم مفاصل الأسرة الجزائرية إلى عدة أسباب من أبرزها غياب الإرادة السياسية. “لم نشهد تعديلات بمعنى الكلمة على مر السنوات، لأن الإرادة السياسية التي تتماشى مع توجه العصرنة غائبة تماماً”، تقول بختي.
ويستمر قانون الأسرة لعدة أسباب تاريخية وثقافية وسياسية واجتماعية بحسب المختصة في علم الاجتماع والباحثة خديجة بوسعيد والتي تحددها في “الإرث الاستعماري حيث تأثر قانون الأسرة بالقوانين الاستعمارية الفرنسية وكذلك بالتقاليد الإسلامية بعد الاستقلال، عام ۱۹۶۲” إذ سعت الجزائر إلى تحديد هوية وطنية تجمع بين هذه التأثيرات، ما أدى إلى تدوين القوانين التي تحكم الأسرة بشكل كبير وفق تأثير الشريعة الإسلامية وتفسيرات المشرعين لها، على حد قولها.
وتقترح بوسعيد أن أبرز ما يحول دون تغيير القانون هو أن “الجزائر بلد ذو أغلبية مسلمة، حيث تلعب الشريعة الإسلامية دوراً مهماً في التشريع، ويُعتبر القانون وسيلة للحفاظ على القيم الإسلامية والنظام الاجتماعي التقليدي. المجتمع الجزائري محافظ بشكل كبير في ما يتعلق بأدوار الجنسين والهياكل الأسرية، ويعكس القانون هذه المواقف، خصوصاً في أمور الزواج، والطلاق، وحضانة الأطفال والميراث”.
تدعو مؤسسة الجريدة النسوية إلى عقد مؤتمر تأسيسي يسمح للجمعيات النسوية، مع بقية النساء الجزائريات من كل الأطياف، والمشرّعين/ات، والمجتمع المدني بكل توجهاته بالمشاركة معاً في إصدار قوانين مدنية جديدة تحترم مبدأ المساواة الدستوري والدولي، وكذلك كرامة النساء، للتقدم فعلياً نحو مجتمع أكثر عدالة ومساواة… ما الذي يحول دون حصول ذلك؟
وتشدد بوسعيد على أن “الحكومات المتعاقبة في الجزائر تستخدم الدين والتقاليد لإضفاء الشرعية على سلطتها، ما يجعل الحفاظ على قانون الأسرة المستند إلى الشريعة وسيلة لدعم الفئات المحافظة والدينية، وهو ما يعني بالضرورة أن أي محاولة لإصلاح القانون الأسري تواجه مقاومة كبيرة من المجموعات الدينية والمحافظة، وتتطلب توافقاً اجتماعياً يصعب تحقيقه راهناً”.
علاوة على ما سبق، يُعتبر الاستقرار الأسري والحفاظ على الهياكل التقليدية، في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية، أولوية لتجنب الاضطرابات الاجتماعية. ولتطوير قانون الأسرة، يجب أن تتوافر إصلاحات سياسية وتطور في العقليات الاجتماعية وجهود مستمرة من الحركات الإصلاحية”، وفق ما تختم به الباحثة الجزائرية.
ويوم ۹ حزيران/ يونيو من كل عام، تقدم الجمعيات والمنظمات والهيئات المعنية بالنساء وحقوق الإنسان في الجزائر العديد من المقترحات والحلول من أجل سد ثغرات قانون الأسرة.
على سبيل المثال، تدعو مؤسسة الجريدة النسوية إلى عقد مؤتمر تأسيسي يسمح للجمعيات النسوية، مع بقية النساء الجزائريات من كل الأطياف، والمشرّعين/ات، والمجتمع المدني بكل توجهاته بالمشاركة معاً في إصدار قوانين مدنية جديدة تحترم مبدأ المساواة الدستوري والدولي، وكذلك كرامة النساء، للتقدم فعلياً نحو مجتمع أكثر عدالة ومساواة، ما يضمن حماية أكثر لحقوق النساء، إضافة إلى دعم مشاركتهن الكاملة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للبلاد، من أجل مستقبل أفضل للجميع.
في المقابل، يقترح مخبر قانون الأسرة وهو كيان بحث تابع لجامعة الجزائر، ضرورة تخصيص محاكم أسرية متخصصة والعمل على تدعيم قضاة شؤون الأسرة بمختصين في الشريعة وعلم الاجتماع والنفس للمساهمة في مجال الصلح للحد من الخصومات الأسرية، بالإضافة إلى التكوين المتخصص للقضاة.