اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
ترتبط قضية الإجهاض في الولايات المتحدة بعدد من القضايا الأخرى، من بينها تقييد الحصول على وسائل منع الحمل، أو الضغط على شركات التأمين لوقف المساهمة في تمويلها، ويمنع الإجهاض في حالات الاغتصاب في بعض الولايات، وكذا في السياسة الخارجية الأميركية، بخاصة ما يتعلق بمساعدات التنمية والصحة التي تحجب عن المصحات التي تقدم أو تسمح بتقديم خدمات منع الحمل كجزء من خدمات الصحة الإنجابية، أو تعطي أدوية للإجهاض.تتأثر المساعدات الخارجية التي تقدّمها الولايات المتحدة بقضية الإجهاض منذ عهد الرئيس الراحل رونالد ريغان، والذي تولى الرئاسة بين ۱۹۸۱ و۱۹۸۹، بما في ذلك مساعداتها لصندوق الأمم المتحدة للسكان، إذ توقف الإدارات الجمهورية تلك المساعدات أو تقلصها، في حين تقدمها الإدارات الديمقراطية. ليتحول قرار الإجهاض الذي يبدو للوهلة الأولى شخصياً يتعلق بجسد المرأة وأسرتها وصحتها، إلى قرار يتخذه أخرون ضمن معركة سياسية، ومعارك أيديولوجية محلية ودولية لا تخمد.آخر المعارك انطلقت مع قرار المحكمة العليا الأميركية، الجمعة الماضي، والذي يسمح باستمرار استخدام حبوب الإجهاض التي تباع تحت اسم “ميفيبريستون” في الولايات التي لا يزال الإجهاض قانونياً فيها، وحتى الأسبوع العاشر من الحمل.ومن المتوقع أن تعود القضية مجدداً إلى المحكمة العليا، وإن تحت بند آخر، إذ ستنظر محكمة الاستئناف الخامسة في واشنطن في مرافعات شفوية حول الموضوع في ۱۷ مايو/أيار المقبل.بدأ هذا الفصل من المعركة عندما ألغى قاضي فيدرالي في تكساس، في۷ إبريل/ نيسان الحالي، ترخيص بيع حبوب “ميفيبريستون” بناء على شكوى من ناشطين مناهضين للإجهاض. جرى تعيين هذا القاضي في فترة حكم دونالد ترامب، وهو معروف بمواقفه المحافظة، ونص قراره على منع استخدام تلك الحبوب على مستوى جميع أنحاء الولايات المتحدة، ومنع ترخيصها، على الرغم من أن الترخيص صدر قبل ۲۳ سنة من قبل وكالة “إدارة الغذاء والدواء”، كما أن هناك إجماع علمي على أن استخدامها آمن، وسبق أن استخدمته ملايين النساء خلال العشرين سنة الأخيرة بالفعل.
بعد قرار قاضي تكساس، صدرت أحكام تناقضه، مما زاد الأمور تعقيداً. من بينها إصدار قاضٍ فدرالي في محكمة بولاية واشنطن قراراً يسمح باستخدام الدواء، في قضية أقامتها ۱۷ ولاية ومقاطعة كولومبيا، وتسعى لتوسيع استخدام ميفيبريستون، ثم أصدرت محكمة استئناف بطعن من الحكومة الفدرالية، في ۱۲ أبريل، قراراً بالتراجع جزئياً عن حكم القاضي في تكساس، نظراً لتقادم الطعن في موافقة “إدارة الغذاء والدواء”، وأنه يمكن الاستمرار في استخدام ميفيبريستون حتى سبعة أسابيع من الحمل في الولايات التي يكون فيها الإجهاض قانونياً، وذلك على الرغم من أن الدواء مرخص له بالاستخدام حتى عشرة أسابيع من الحمل.وتعد معركة ميفيبريستون أحد المعارك الأساسية للمعارضين للإجهاض، بعد أن نجحوا في عام ۲۰۲۲، بإصدار قرار من المحكمة العليا يلغي قراراً سابقاً لها يسمح بالإجهاض، وصدر في سنوات السبعينيات.ولعل من أسباب التركيز على منع الدواء أن أغلب عمليات الإجهاض في الولايات المتحدة حالياً تتم باستخدامه، بحسب المذكرة التي قدمتها الحكومة الفدرالية في استئنافها مؤخراً، والتي استشهدت بعشرات الدراسات والتجارب السريرية التي تظهر أن الدواء آمن للاستخدام حتى ۱۰ أسابيع من الحمل.كان من الممكن قبل صدور قرار محكمة تكساس، الحصول على الدواء عبر البريد، حتى في الولايات التي تمنع الإجهاض. لكن قرار محكمة تكساس سمح ببسط سيطرة المعارضين للإجهاض على تلك الولايات.
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ احتدام الجدل حول الإجهاض عاد إلى الواجهة بعد أن ألغت المحكمة العليا في يونيو/حزيران ۲۰۲۲، حكماً صادراً قبل خمسين عاماً يجعل الإجهاض حقاً دستورياً، ويسمح به في جميع أنحاء الولايات المتحدة. وصدر الحكم التاريخي في عام ۱۹۷۳، في قضية عرفت باسم “رو ضد ويد”. مع إلغاء المحكمة العليا لدستورية حق الإجهاض، فإنّ ملايين الأميركيات لا يمكنهن اتخاذ القرار حول مستقبلهن في الولايات التي يعشن بها، فبعد صدور القرار منعت عدد من الولايات الإجهاض، حتى في حالات الاغتصاب.ولا تكتفي كثير من التيارات المحافظة والسياسيون الداعمون لها بفرض تلك القوانين والأحكام في ولاياتهم، بل يسعون إلى تعميمها في جميع الولايات. وفي هذا السياق يمكن فهم حكم محكمة تكساس بمنع دواء الإجهاض في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وادعاء أنه غير آمن للنساء، على الرغم من الترخيص له منذ أكثر من عقدين.وبحسب “مركز الحقوق الإنجابية” وهو منظمة عالمية من المدافعين عن حماية الحقوق الإنجابية باعتبارها حقوقاً إنسانية أساسية، فإن الأغلبية الساحقة من دول العالم تسمح بالإجهاض في حالات الاغتصاب أو حمل المحارم. أما في الولايات المتحدة، فإنّ اثنتي عشرة ولاية تمنع الإجهاض كلياً، وهي ألاباما، وأركنساس، وايداهو، وكنتاكي، ولويزيانا، وميسيسيبي (تسمح به في حالات الاغتصاب وليس المحارم)، وميزوري، وأوكلاهوما، وساوث داكوتا، وتينيسي، وتكساس، وويسكونسن. وتستثني ولاية ويست فرجينيا من المنع الكامل للإجهاض حالات حمل المحارم والاغتصاب، وهناك ولايات يشهد فيها المنع التام للإجهاض سجلاً قضائياً لم يحسم بعد، بحسب رصد قامت به صحيفة نيويورك تايمز.
۱۲ ولاية أميركية تحظر الإجهاض وفي ولايات أخرى لم يحسم الأمر قضائياً
وهناك ولايات تمنع الإجهاض بعد الأسبوع السادس من الحمل، على الرغم أن كثير من النساء لا يعرفن في تلك الفترة أنهن حوامل، وبعض الولايات التي تسمح به حتى الأسبوع الخامس عشر. كما أنّ ۲۷ ولاية تسمح بالإجهاض حتى الأسبوع الـ۲۲ بحسب الحالة، ومن ضمنها نيويورك وكاليفورنيا، وسنّت بعض الولايات قوانين إضافية تعطي حماية قانونية إضافية، في حين بدأت بعض الولايات التي تمنع الإجهاض تحاول سن قوانين تستهدف الكوادر الطبية.
لكن الجدل حول الإجهاض لن يخمد، ومن المتوقع أن تأخذ القضية دوراً مركزياً في الانتخابات الرئاسية المقبلة. بل إنها لعبت دوراً مهماً، بحسب خبراء واستطلاعات رأي، في الانتخابات النصفية التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. فعلى الرغم من أنّ الاقتصاد يلعب الدور الرئيسي غالباً في الانتخابات الأميركية، لكنّ نسبة من المصوتين في الانتخابات النصفية الأخيرة، أخذت بالحسبان في اختيار مرشحيها موقفهم من قضية الإجهاض بعد أن ألغت المحكمة العليا دستورية حق الإجهاض، وتركت الأمر للولايات للحسم فيه.كما يشكل الأمر إمكانية لحشد الناخبين من الحزبين، إذ يساعد الديمقراطيين في تعبئة أعداد أكبر من الناخبين الذين صوتوا للمرة الأولى، والناخبين الشباب والنساء دون سن الخمسين، بحسب تقرير لـ “كي. إف. إف” وهي مؤسسة مستقلة للأبحاث واستطلاعات الرأي، كما كشف استطلاع لـ “أسوشييتد برس”، أن “حوالي أربعة من كل عشرة ناخبين يرون أن قرار المحكمة العليا بإنهاء الحق الدستوري في الإجهاض كان له تأثير كبير على قرارهم بشأن التصويت في الانتخابات النصفية”، وعلى الصعيد الوطني قال نصف الذين تم استطلاع آرائهم إن “قرار المحكمة كان له تأثير كبير على المرشحين الذين دعموهم في هذه الانتخابات، بما في ذلك ما يقرب من ثلثي أولئك الذين صوتوا لمرشحي مجلس النواب الديمقراطيين”.
وعلى الرغم من أنه ما زال هناك أكثر من عام ونصف العام على الانتخابات الرئاسية، إلا أن السياسيين الأميركيين من الحزبين بدأوا بحشد مؤيديهم حول الموضوع. في تصريحات للرئيس جو بايدن حول قرار المحكمة العليا الذي أبقى على السماح باستخدام دواء ميفيبريستون حالياً، قال إن “المخاطر التي تواجه النساء في جميع أنحاء أميركا عالية. سأستمر في محاربة الهجمات ذات الدوافع السياسية على صحة المرأة. ولكن لنكن واضحين، يجب على الشعب الاستمرار في استخدام أصواتهم الانتخابية للتعبير عن رغبتهم، وانتخاب الكونجرس الذي سيمرر قانوناً يعيد حماية (رو ضد ويد)”.ومع استمرار السجال حول الموضوع، من المتوقع أن يحتل مكانة أكبر في الانتخابات الرئاسية القادمة، بخاصة أن الصورة اتضحت أكثر حول محاولات الجمهوريين التضيق على حريات النساء، ليس فقط في الولايات التي يسيطرون عليها، بل في الولايات التي تسمح بالإجهاض أيضاً، رغبة في منعه في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
المصدر : عربي الجدید