ممارسة مهنية ضعيفة للنساء في المجالات العلمية بتونس

رغم الجهود المبذولة لتعزيز حضور النساء في البحث العلمي، تبقى الفجوة واضحة بين تفوقهن أكاديميا وضعف تمثيلهن في مراكز القرار.

تحتل تونس المرتبة الثانية عالميّا من حيث نسبة النّساء صاحبات الشّهائد العليا في اختصاصات العلوم والتّكنولوجيا والهندسة والرّياضيات، حيث تبلغ نسبة النّساء المتخرّجات في الاختصاصات العلميّة ۵۸ في المئة، إلا أنهن لا يتمتعن بنفس الحظوظ على مستوى الممارسة المهنية في المجالات العلمية مقارنة بالرجال.

وكشفت ورشة فكرية بعنوان “العلوم الصحيحة، مجال هيمنة ذكورية؟ البحث في المتداول لفهم الواقع”، في المعهد الوطني للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا بتونس، عن الممارسة المهنية الضعيفة والملحوظة للنساء في المجالات العلمية والصعوبات الكبيرة في الحصول على فرص عمل مقارنة بالرجال في نفس الاختصاص.

وتطرقت المداخلات التي قدمتها أستاذات باحثات وأساتذة باحثون وطالبات وطلبة وممثلات وممثلون عن جمعيات مختصة في مختلف المجالات العلمية وممثلات عن مؤسسات راجعة بالنظر إلى وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، إلى مختلف الأسباب الشخصية والعائلية والمجتمعية التي تكون في بعض الأحيان عائقا أمام تطور المسار المهني للنساء وخاصة في مجال التدريس بالمؤسسات الجامعية، والتي أفرزت بعض التوصيات.

وقالت المديرة العامة بمركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة (الكريديف) ثريا بالكاهية إن هذه الندوة تأتي ضمن مشروع “نساء وعلوم”، الذي يسلط الضوء على دور النساء في العلوم الصحيحة، وهو مجال غالباً ما يتم تجاهله عند الحديث عن مشاركة المرأة في البحث العلمي.

۶۰في المئة من خريجي الدكتوراه في العلوم هن من النساء

وأشارت إلى أن نساء تونس محظوظات مقارنة بدول أخرى، “حيث يمثلن حوالي ۶۰ في المئة من الطلبة في اختصاصات الهندسة والطب والرياضيات والفيزياء، لكن عندما ننظر إلى مراكز القرار، نجد حضورا ضعيفا سواء في الجامعة التونسية أو الإدارات العلمية، والسؤال الذي نطرحه هو لماذا تتألق التونسيات في البحث العلمي لكنهن يغِبن عن مواقع صنع القرار؟”

بدورها قالت رئيسة جمعية التونسيات للرياضيات سلمى النقزاوي إن المشكلة ليست في عدد النساء الباحثات، بل في مدى استكمالهن لأبحاثهن ومدى حصولهن على المناصب التي يطمحن إليها؛ فـ”بالرغم من ارتفاع عدد النساء في العلوم، إلا أن حضورهن في مراكز القرار لا يزال ضعيفاً، بعضهن ينقطعن عن البحث بسبب الالتزامات العائلية أو الزواج والإنجاب، إضافة إلى ضعف ميزانية البحث العلمي ونقص الفرص، ما يجعل استمرارهن في هذا المجال تحديا حقيقيا.”

ولفتت إلى أن ۶۰ في المئة من خريجي الدكتوراه في العلوم هن من النساء، وهو مؤشر إيجابي، لكنه لا ينعكس بالضرورة على فرص اندماجهن في سوق العمل أو تقلدهن مناصب قيادية في مجال البحث العلمي.

وترى مديرة مدرسة الدكتوراه بالمعهد الوطني للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا لطيفة برقاوي أن مشكلة غياب النساء عن مواقع القرار العلمي ليست فقط بسبب نقص الفرص، بل أيضا بسبب العقلية المجتمعية التي ترسخ فكرة أن العلوم مجال ذكوري، فـ”النساء والرجال شركاء في البحث العلمي، لكننا نشأنا في مجتمع يؤمن بأن العلوم حكر على الرجال، وهو تصور يحتاج إلى تغيير، علينا الاعتراف بأن هناك إقصاء ممنهجا ويجب وضع الباحثات في المراتب الأمامية لتشجيع الأجيال القادمة.”

ولفتت إلى أن دعم الباحثات يبدأ بتغيير نظرة المجتمع لدور المرأة في الأسرة، بحيث لا يكون نجاحها العلمي مرهوناً بتضحياتها الشخصية فقط، بل بشراكة حقيقية مع الرجل في المسؤوليات العائلية، حيث “يجب أن تتخلص النساء من فكرة أنهن قادرات على تحمل كل الأعباء بمفردهن، لذلك من الضروري أن يتحمل الأزواج جزءاً من المسؤولية، حتى تتمكن الباحثات من استكمال مساراتهن العلمية دون عوائق.”

مشكلة غياب النساء عن مواقع القرار العلمي ليست فقط بسبب نقص الفرص، بل أيضا بسبب العقلية المجتمعية التي ترسخ فكرة أن العلوم مجال ذكوري

ورغم الجهود المبذولة لتعزيز حضور النساء في البحث العلمي تبقى الفجوة واضحة بين تفوق الباحثات أكاديميا وضعف تمثيلهن في مراكز القرار، فهل يمكن للمجتمع العلمي أن يتبنى إصلاحات تضمن تمثيلية عادلة للنساء، أم ستبقى الهيمنة الذكورية عائقاً أمام مسيرتهن العلمية؟

وجاءت الورشة الفكرية ببادرة من الكريديف وبالشراكة مع المعهد الوطني للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا بتونس، وذلك في إطار برنامج المركز “المرأة والعلوم” وفي سياق انفتاحه على محيطه الخارجي وتكريسا لثقافة اتصال القرب والحوار.

ورغم تفوقهن الأكاديمي وتحملهن تحديات البحث العلمي في ظل ظروف صعبة، لا تزال نسبة تمثيلية الباحثات في مراكز القرار ضعيفة في تونس، في ظل هيمنة ذكورية واضحة على مجال العلوم الصحيحة.

وترى الباحثة في علم الاجتماع مريم كحيلة أنّ المرأة التونسية ناضلت من أجل افتكاك حقوقها وأن تتساوى مع الرجل سواء من أجل حقها في التعليم أو العمل والمشاركة السياسية والانتخاب.

وأوضحت الدكتورة كحيلة أنّ دور المرأة وفق الحركات الحقوقية والنسوية لا يقتصر فقط على ما يبدو بديهيا من الأدوار الاجتماعية والقيم التي حددها لها المجتمع الذي تعيش فيه بحسب ما يراه مناسبا لها، سواء لوظيفتها البيولوجية كالإنجاب والتربية أو العوامل الاجتماعية والبيئية كاهتمامها بأبنائها وصونهم من الانحرافات السلوكية والأخلاقية، أي ضمان تنشئة اجتماعية تعمل على ترسيم قيم وعادات جيدة لجيل جديد، ليتمكن في المستقبل من تحمل الأعباء والمسؤوليات التي توكل إليه.

وقالت إن التنشئة الاجتماعية التي يتلقاها الأفراد داخل مجتمعهم منذ ولادتهم تلعب دوراً مهماً في ترسيم الهوية الجندرية، بل وتستمر طيلة فترات حياتهم، ذلك أن لكل مجتمع خصائصه وثقافته وعاداته المختلفة عن الآخر، حيث يضع كل مجتمع صوراً نمطية للسلوك “السوي” للمرأة والرجل وما يترتب على ذلك من أدوار ووظائف محددة، بما في ذلك الأعمال التي يختارها سوق العمل.

وأكّدت أنه بناءً على التمثّلات والتصورات يتم لكل من الرجل والمرأة إعداد الأدوار والوظائف المحددة سلفاً، وهذا ما يتسبب لبلدان وثقافات عديدة في حرمان عدد من النساء من تلقي التعليم الذي يجعلهن يمارسن عملهن بالمساواة مع الرجل، وهو ما صعّد من حركة التقنين وسن المواثيق الدولية التي ترمي إلى تحقيق المساواة بين الجنسين ومشاركة المرأة في كل المجالات، خصوصاً بعد بروز الحركات النسوية المطالبة بمبدأ تكافؤ الفرص بين الجنسين.

المصدر: العرب