من وصفات الطعام إلى وصفات النجاة: حكاية أم غزاوية تحت الحصار والقصف

في شوارع غزة المحاصرة، لا تفوح رائحة الطعام كما في الأيام العادية، بل تفوح رائحة الدخان، والبارود، والرماد، والقلق. لا وقت للنكهات، ولا مجال للوصفات. فالأمهات هناك يطبخن من الصبر، ويقدّمن على موائدهن القلق والخوف قبل فتات الخبز، إن وُجد.

وردة البيك، ناشطة مجتمعية فلسطينية وأم لثلاثة أطفال، اعتادت أن تشارك متابعيها وصفات تقليدية فلسطينية على مواقع التواصل الاجتماعي. أما اليوم، فهي تكافح لتأمين وجبة واحدة في اليوم لأطفالها، إن استطاعت. كما تقول في حديث مع “نساء إف إم”.

“ما في أكل أشاركه… أحيانًا بناموا أولادي على صوت بطونهم الفاضية”، تقول وردة، وتكمل بنبرة مريرة: “كيلو الطحين وصل ٨٠ شيكل، وإذا لقيته، بعمل منه خبز بس، ما في شي نحط عليه.”

توقّفت وصفات وردة، تمامًا كما توقّف قلب الكثير من الأمهات في غزة، ممن فقدن أطفالهن في القصف، أو في حضن الجوع، أو في رحلة نزوح بلا أمان.

جوع بلا نهاية… وأمهات يكتمْن الألم

في منازل مهدمة أو خيام مؤقتة، تجلس نساء غزّيات يحتضن أطفالهن الذين يبكون من الجوع، بينما لا يجدن ما يقدمنه لهم سوى الماء الساخن. تقول وردة:

“ابني طلب حلويات، ما في شي. عملت له ‘ليالي لبنان’ من المعكرونة، طعمها مش زاكي، بس هدّاه شوي… حسّ حاله أكل شي حلو.”

تستبدل الأمهات الحليب بالماء، وتهدهد أطفالهن الجياع بأغاني من زمن الأمان المفقود. أكثر من 71,000 طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء تغذية حاد وفق تقارير أممية، بينما تواجه النساء المرضعات تحديات جسيمة، حيث يتوقف حليبهن بسبب الجوع والضغط النفسي.

المجاعة تدفع الأمهات نحو الإجهاض القسري

وسط الحصار ونقص الغذاء، تدفع المجاعة في غزة النساء إلى كوابيس لم تكن تخطر لهن يومًا، إذ تسبب الجوع الحاد ونقص العناصر الغذائية في ارتفاع مقلق لحالات الإجهاض وفقدان الحمل. تقول منظمات صحية محلية إن عددًا متزايدًا من النساء يفقدن أجنتهم بسبب سوء التغذية والضغط النفسي، في ظل عجز المستشفيات عن تقديم الرعاية اللازمة.

“ذهبت للمشفى وأنا أنزف، قالوا لي ما في قابلة، ما في دكتور… وجلست على الأرض أجهضت لحالي”، تقول إحدى النساء النازحات من شمال غزة، وهي تمسح دموعها بقطعة قماش بالية.

تؤكد إحصاءات حقوقية أن مئات النساء الحوامل واجهن مضاعفات خطيرة بسبب سوء التغذية، من بينهن من أُجبرن على الولادة في ملاجئ غير صالحة، دون كهرباء أو ماء أو أدوات تعقيم. فيما تُحرم أخريات من الفيتامينات الأساسية والرعاية الطبية، ما يجعل احتمال فقدان الحمل أقرب من فرصة الولادة الآمنة.

المرأة في قلب الاستهداف

النساء في غزة لا يهربن من الموت، بل يواجهنه بكل أشكاله: قصف، جوع، فقدان، قلق دائم على الأطفال، نزوح مرير، وتهميش في الإغاثة.

  • أكثر من ۱۲,۰۰۰ امرأة فقدن أطفالهن منذ بدء الحرب.
  • ۶۹۰,۰۰۰ فتاة وامرأة يفتقرن إلى أبسط وسائل النظافة الشخصية، مثل الفوط الصحية، مما يهدد صحتهن الجسدية والنفسية.
  • ۱۳,۹۰۱ أرملة تكافح لإعالة أسرتها بعد أن فقدت المعيل، وغالبًا ما تتقاضى النساء العاملات في الزراعة أقل من ۴ دولارات يوميًا.

رغم كل شيء… تصنع الأمل

وردة، مثل آلاف النساء في غزة، لا تزال تحاول. تقول:”أنا ما بطبخ أكل… بطبخ أمل. ولادي لازم يحسوا إني قوية، حتى لو جواتي منهارة.”

في كل وجبة ترتجلها وردة من فتات الطعام، هناك وصفة للبقاء. وصفة لا تُكتب بالمقادير، بل تُنسج من المعاناة، وتُطهى على نار الخوف، وتُقدَّم على صينية الصبر.

نساء FM