اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
تؤكد مدونة البنك الدولي، في تقرير نشر عام ۲۰۲۲، أن انخراط المرأة في سوق العمل يتفاوت من دولة إلى أخرى، لكنها محدودة بشكل عام في الدول العربية، إذ لا تتعدى النسبة في كل من العراق والأردن أكثر من ۱۵ في المائة، في حين ترتفع في لبنان إلى نحو ۲۰ في المائة، وهذه النسب من بين أدنى معدلات مشاركة المرأة في سوق العمل على مستوى العالم.وكشف تقرير المرأة العالمي الصادر عن الأمم المتحدة في عام ۲۰۲۰ أن ۴۷ في المائة من نساء العالم لديهن وظيفة، مقارنة بـ۷۴ في المائة من الرجال، وأن نسبة النساء العاملات في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا، التي تضم الدول العربية، لا تتخطى ۳۰ في المائة، ما يعني وجود أسباب تحد من انخراطهن في سوق العمل.
وحسب أحدث البيانات الصادرة عن منظمة العمل الدولية، فإن وجود النساء العربيات في المناصب الإدارية متدن للغاية، إذ إن ۱۱ في المائة فقط منهن يشغلن مناصب إدارية مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ ۲۷٫۱ في المائة.وفي ظل حالة عدم الاستقرار والأزمات والقيود والصراعات التي يشهدها العالم العربي، والعالم عموماً، والتي أدت إلى تراجع عدد الوظائف الجديدة، تواجه المرأة العربية تحديات إضافية تجعل من الصعب عليها ممارسة العمل، من بينها غياب العدالة الاجتماعية، والعبء الأسري، والصورة النمطية، والقوانين والتشريعات، كما تعد المرأة الحلقة الأضعف في سوق العمل في وقت الأزمات، وخير دليل على ذلك الاستغناء عن كثير من النساء العاملات خلال جائحة كورونا.تأتي على رأس قائمة التحديات الثقافة المتوارثة، إذ تواجه الفتيات والنساء العربيات تأثير الثقافة الرائجة الرافضة لعمل المرأة، وعادة ما تلعب السلطة الأبوية دوراً في هذا الإطار، إذ قد تمنع الفتيات من الالتحاق بالجامعات لاستكمال مسيرتهن التعليمية، وفي حال تمكنت من الحصول على شهادة جامعية، فقد يفضل الأهل تزويجها على انخراطها في سوق العمل.
بحسب البنك الدولي، تحتاج النساء والفتيات إلى المهارات المناسبة للانتقال بنجاح من الدراسة إلى العمل، في حين تبرز فجوة كبيرة بين الجنسين في هذا الصدد. في العراق على سبيل المثال، لا تتجاوز نسبة الفتيات اللائي يكملن تعليمهن الابتدائي سوى النصف بقليل، مقارنة مع ثلاثة أرباع الفتيان، ومن بين الأطفال في عمر ۱۳ سنة، يواظب ۸۰ في المائة من الفتيان على الذهاب إلى المدرسة، مقارنة مع نسبة لا تتجاوز ۴۰ في المائة من الفتيات.وغالباً ما يثير تحدي القوالب النمطية لمنح المرأة حقوقاً متساوية غضب الفئات المحافظة في المجتمع، التي تنظر إلى التغيير باعتباره تهجماً على القيم التقليدية، أو مرتبطاً بأجندات أجنبية.
ومن بين أكثر التحديات التي تواجه المرأة في مسيرتها العملية، أنها في كثير من الأحيان تكون الحلقة الأضعف بسبب قوانين تكرس التمييز داخل المؤسسات، وبعضها تفضل عمل الرجل على المرأة، في حين تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية، وحتى الصحية، العوامل التي تمنع إمكانية استمرار عمل النساء، وهذا ما ظهر بشكل جلي خلال أزمة كورونا. وبحسب دراسة أصدرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا “إسكوا”، فإن جائحة كورونا أدت إلى فقدان ۱٫۷ مليون وظيفة في العالم العربي، من بينها ما يقارب ۷۰۰ ألف وظيفة كانت تشغلها نساء، وارتفعت نسب البطالة في صفوف النساء خلال الجائحة بمعدل الضعفين مقارنة مع الرجال، كما أن القطاعات التي تشغلها النساء كانت الأكثر تأثراً بالفيروس.
ووفقاً للبنك الدولي، تواجه المرأة حواجز تمنعها من الدخول إلى سوق العمل، أو تدفعها إلى الانسحاب منه، من ضمنها التحرش في مكان العمل، والقيود على التنقل، وغياب المرونة في ساعات العمل، وعلى سبيل المثال، تعرضت واحدة من بين كل ثلاث نساء عاملات في العراق والأردن ولبنان لنوع من التحرش اللفظي، وتعرضت واحدة من بين كل خمس نساء في العراق ولبنان، وواحدة من كل ۱۰ نساء في الأردن لنوع من التحرش الجسدي.وتفقد كثير من النساء القدرة على الانخراط في سوق العمل خلال مرحلة الزواج، إذ عادة ما تكون القيود القانونية والاجتماعية طاغية في هذه المرحلة، وفي العديد من الدول، يرفض الرجال خروج زوجاتهن للعمل، وحتى إن تمكنت المرأة من العمل خلال الزواج، فقد تضطر إلى المكوث في المنزل خلال فترات ما بعد الانجاب من أجل العناية بالأبناء، وتظهر بيانات البنك الدولي الخاصة بالأردن وإقليم كردستان العراق أن فرص قبول عمل المرأة تتراجع كثيراً بمجرد زواجها، كما يضيف الإنجاب حواجز إضافية، من بينها عدم توفر خدمات رعاية الأطفال.وتتنوع التحديات بين ما هو اجتماعي، وصحي، واقتصادي، وتظهر تأثيراتها على نمو الناتج المحلي، ما دفع الأمم المتحدة خلال عام ۲۰۲۳ إلى تخصيص جزء من جلساتها لمواجهة تلك التحديات، ودعم تشجيع انخراط المرأة في سوق العمل، ليس فقط التقليدي، بل أيضاً في سوق العمل الرقمي، حيث لا تزال المرأة غائبة بشكل أكبر.
وينعكس غياب المرأة عن سوق العمل سلباً على صحتها النفسية، وتظهر دراسة، صادرة عن مركز alm benefits البريطاني، أن “النساء أكثر عرضة للإصابة بمشاكل في الصحة العقلية بسبب توقفهن عن العمل، أو عدم انخراطهن في سوق العمل من الأساس”، ووفق الدراسة، فإن كثيراً من النساء غير العاملات يعانين من أمراض الصحة العقلية الشائعة، بما في ذلك الأرق، والقلق، والاكتئاب، وبمعدل يبلغ نحو ضعف ما يعانيه الرجال.وتعزو الدراسة البريطانية ذلك بشكل جزئي إلى عوامل مجتمعية، بما في ذلك عدم المساواة بين الجنسين، والتمييز المؤسسي على أساس الجنس، ما يتسبب في زيادة الضغوط على النساء. ووجدت دراسة صادرة عن مجلة BMJ الطبية أن “التضييق على عمل المرأة يؤثر على بنيتها الجسمانية، ويؤدي إلى إفرازها هرمونات عصبية، بما في ذلك الكورتيزول، بمعدلات أعلى من المعدل الطبيعي”.وللفجوة في سوق العمل بين الرجال والنساء تأثيرات اقتصادية أيضاً، ليس على المرأة وحدها، بل أيضاً على الاقتصاد الوطني، وتظهر دراسة للأمم المتحدة أن امرأة واحدة من بين كل خمس نساء في سن العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعمل في وظيفة مدفوعة الأجر، أو تبحث بجدية عن عمل، وفي الوقت الراهن، لا تشكل النساء سوى ۲۱ في المائة من القوى العاملة، ولا يسهمن سوى بنسبة ۱۸ في المائة من إجمالي الناتج المحلي.وترى الدراسة الأممية أنه لو ضُيّقت فجوة المشاركة في القوى العاملة بين الجنسين، لتضاعف معدل نمو إجمالي الناتج المحلي في المنطقة، أو زاد على الأقل بمقدار نحو تريليون دولار من حيث الناتج الإجمالي التراكمي. لكن بدلًا من ذلك، فقد امتدت الفجوة بين الجنسين في سوق العمل التقليدي إلى بقية القطاعات، بما في ذلك القطاع التكنولوجي، ما يؤثر في حصول النساء على الخدمات الرقمية واستخدامها.
وتغيب المرأة العربية عن المراكز التنفيذية الكبرى، إذ لا تشغل سوى ۲ في المائة فقط من بين الرؤساء التنفيذيين للمؤسسات المالية الكبرى، وفي حين يستحوذ الرجال على نحو ۸۹ في المائة من الوظائف التنفيذية العليا في العالم، فإن المرأة في المنطقة العربية تكاد تكون غائبة عن تولي هذه المناصب.ويظهر تقرير صادر عن مؤسسة Deloite الأميركية أن غياب المرأة عن سوق العمل بات واضحاً على جميع المستويات، وليس فقط غيابها عن تولي مراكز قيادية في مجالس إدارات المصارف والهيئات التنظيمية، وتؤكد بيانات، جمعتها المؤسسة خلال الفترة بين ۲۰۱۶ و۲۰۲۱، أن رحلة وصول المرأة إلى تولي منصب القيادة التنفيذية لا تزال صعبة في العالم العربي، ورغم أن الأرقام متفاوتة بين بلد وآخر، إلا أنها جميعاً أرقام خجولة.ووفق أرقام المؤسسة الأميركية، ففي المملكة العربية السعودية لم تتعد نسبة تمثيل النساء في مقاعد مجالس الإدارة ۱٫۷ في المائة في عام ۲۰۲۱، وفي قطر، وصلت النسبة إلى ۱٫۲ في المائة في نفس العام، بينما لم تكن تتجاوز ۰٫۶ في المائة في عام ۲۰۱۸، وفي الكويت، تصل نسبة تمثيل النساء في مجالس الإدارة إلى ۴ في المائة، بينما تسجل في مصر نسبة ۱۰ في المائة.
المصدر : عربی الجدید