اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
تخبر لمياء “العربي الجديد” أن زوجها قتل بقصف مدفعي لقوات النظام السوري استهدف مدينة خان شيخون نهاية عام ۲۰۱۹، وأن الحياة ألقت عليها كل مسؤوليات رعاية أبنائها الأربعة، وتقول: “الوضع المعيشي أصعب من أن يحتمل. يحاصرنا الفقر ويحرمنا الدخل القليل من تحصيل أدنى متطلبات العيش، لذا قررت أن أبيع معجنات على بسطة، وأنا أعرض بضائعي بأمل تحصيل دخل يغنيني مع أولادي الأربعة عن الحاجة”.تتابع: “في بداية الأمر شعرت بحرج كبير من البيع على بسطة، لأنني لست معتادة على أداء هذا العمل، لكنني صبرت وتجاوزت كل شيء لأجل أبنائي الذين أراهم أمامي يحلمون بالحصول على أكل لذيذ وفراش دافئ وسط برد المخيمات وقسوة الطقس الشتوي”.وتعاني لمياء من التهاب في الجيوب الأنفية يسبب لها صداعاً حاداً خاصة حين تتعرض لبرد مستمر، لكنها تجد أن آلامها أسهل من الفقر الذي تعانيه، لذا لا ترغب في ترك العمل خاصة بعدما بات يؤمن بعض الاحتياجات الأساسية لها.بدورها تخرج مريم الأسود (۴۱ عاماً) من منزلها كل يوم لبيع ملابس مستعملة (بالة) في أسواق مدينة سرمدا، من دون أن تضمن أنها ستستطيع كسب قوت اليوم الذي تحتاجه لها ولأبنائها، لذا تحاول بقدر ما تستطيع أن تمنع اليأس من أن يتسلل إلى نفسها ويُضعف إرادتها، في وقت فيه تتألم كثيراً من الانزلاق الغضروفي التي تعاني منه في عمودها الفقري، والذي يزعجها كثيراً لدى عودتها.وتقول مريم، وهي نازحة تقيم في مخيمات سرمدا العشوائية، لـ”العربي الجديد”: “ليس البيع على بسطة أمراً سهلاً بالنسبة إلى امرأة، ويحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد والصبر، لكنني لم أجداً بديلاً بعدما عجزت عن تأمين فرصة عمل أخرى، والحياة صعبة ولا بدّ من العمل لتحصيل لقمة العيش”.
تضيف: “أشتري بضائع بالدين من التجار، وأسدد المبالغ على أقساط تختلف بحسب كمية مبيعاتي اليومية. وما أحصل عليه يومياً يؤمن بالكاد شرائي الخبز وبعض الخضار والحطب لتدفئة بناتي الخمس اللواتي ينتظرن عودتي مساء في ظل شعورهن بجوع وبرد”.ورغم صعوبة العمل بالنسبة إلى النساء، ترى مريم أن البيع على بسطة أقل تعباً من عملها السابق في الزراعة، وأكثر ربحاً، وتخبر أن الفكرة راودتها حين كانت تمشي في شوارع المدينة لمحاولة نسيان أحزانها وهمومها التي باتت كبيرة في عقلها، ورأت أن البسطات تنتشر في كل مكان بالسوق، وأنه يمكن أن تنفذ مشروعاً مماثلاً”.
أما فهيمة (۲۹ عاماً) فتبيع مكانس قش على بسطة صغيرة في سوق مدينة كللي شمال غربي إدلب كي تعيل نفسها ووالديها المسنين. وعن بداية الفكرة تقول لـ”العربي الجديد”: “شرعت في تأمل حركة الناس في الشوارع، في وقت كنت أشعر فيه أنني إنسانة عاجزة أمام كل الحواجز والضغوط وصعوبات العيش التي قيدتني داخل سجن من الأفكار السوداء التي منعتني حتى من التنفس. وقررت ألا أستسلم للواقع الصعب، وكي لا أهدر الوقت في التذمر والشكوى انطلقت إلى العمل”.وتشتري فهيمة بضائع من مصنع قريب من منزلها، وتبيع ما تستطيع يومياً بدءاً من ساعات الصباح الأولى حتى المساء. ورغم أنها تشتكي من طول الوقت الذي تقضيه في البيع على البسطة وصعوبة حملها البضائع ذهاباً وإياباً، فهي سعيدة أن زبائن بدأوا يعتادون عليها خاصة النساء اللواتي يشترين منها لمحاولة تشجيعها ودعمها.وتقول: “أحاول أن أقفت ببسالة أمام قسوة الحياة، وأعتمد على نفسي، وأعيش مما أكسبه من دون الحاجة إلى طلب مساعدة من أحد، رغم أن ما أحصل عليه قليل جداً”.وأعلن فريق “منسقو استجابة سورية” في بيان أصدره أخيراً أن معدلات الفقر والبطالة في مناطق سيطرة المعارضة السورية شمال غربي سورية ارتفعت في شكل واضح، منذ أن توقف إدخال المساعدات الإنسانية من معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا شمالي محافظة إدلب.
وأشار إلى نسبة العائلات التي تعيش تحت حد الفقر ارتفعت إلى ۹۰٫۹۳ في المائة، وكذلك نسبة تلك التي بلغت حدّ الجوع إلى ۴۰٫۶۷ في المائة.وذكر أيضاً أن معدلات البطالة زادت بين المدنيين وصولاً إلى ۸۸٫۶۵ في المائة في المتوسط.وطرأ تخفيض كبير على قيمة المساعدات الإنسانية عدة مرات خلال العام الجاري تجاوزت نسبته ۷۰ بالمائة بالنسبة إلى المساعدات المقدمة من برنامج الأغذية العالمي WFP للمدنيين شمال غربي سورية. وفاقم ذلك معاناة النازحين خاصة بعد الزلزال الذي ضرب المنطقة في فبراير/شباط الماضي، وندرة فرص العمل.
المصدر : العربي الجدید