اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
وتؤكّد المكتبة الوطنيّة الفلسطينيّة أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المستمرّ منذ تاريخ ۷ تشرين الأوّل/ أكتوبر ۲۰۲۳ لا يبتعد كثيراً في جوهره الإقصائي والصّهيوني عن مسألة سلب حقّ الحياة للفلسطينيّين في أماكن تواجدهم في قطاع غزّة وخاصّة النّساء، والسّياسة الإجرائيّة المنظّمة الآخذة في التّدمير والمحو لتشكيل المجتمع الفلسطيني المحلي بصور مغايرة للسّائد والمعتاد، وقلب أدواره الاجتماعيّة المترسّخة في قالب المسؤوليّات العائلية.
ويـأتي يوم الثّامن من آذار هذا العام بملامح أكثر دمويّة على نساء القطاع المحاصر، يقف بين المرأة ويومها العالمي حرب إبادة، وبينها وبين الحقوق الأساسيّة للبشر ملايين الخطى المُعرقَلة، وقانون دولي يتعامل مع الحقوق الإنسانية بصفتها غنائم وقتية، وليست مكتسبات مستدامة لا يتم التّفاوض عليها أو المساس بشرعيّتها.
ويزداد الخطر على النّساء في ظلّ الإبادة، لا سيما وأن نسبتهن تبلغ ۴۹% من مجموع عدد سكّان قطاع غزة والبالغ نحو ۲٫۲ مليون نسمة، واستناداً إلى إحصائيات صدرت عن الأمم المتحدة؛ فإن الاحتلال قتل نحو ۹٫۰۰۰ امرأة منذ بداية الحرب الأخيرة على غزّة وحتى بداية شهر مارس/ آذار الجاري، ومن المتوقّع أن العدد يزيد عن ذلك؛ حيث تفيد التقارير بأن العديد من النّساء ما زلن تحت الأنقاض، فيما تقتل نحو ۶۳ امرأة في المتوسّط في كل يوم تستمرّ فيه الحرب، بينهنّ نحو ۳۷ أمّاً.
الواقع القانوني للمرأة الفلسطينيّة تحت الاحتلال
وبيّنت المكتبة الوطنيّة أنّ واقع المرأة الفلسطينيّة القوانين الدّولية الخاصة بوضعيات النساء أثناء الحروب والنّزاعات حول العالم على المحكّ، ما بين صدقيّة النصّ القانوني وفظاعة المُعاش، وهشاشة الوضعيّة القانونية الّتي يمكن للمرأة الفلسطينيّة الاستناد عليها، بالرغم من فظاعة الجرائم المرتكبة بحقها في رحلتها من الحرب إلى ما بعد الحرب، ومسألة المرور من هذا إلى ذاك بتردٍّ صحي ونفسي ومعيشي وأمني.
أصدر مجلس الأمن قراره ۱۳۲۵ عام ۲۰۰۰ بشأن وضعيّة المرأة والسّلام والأمن، وإضفاء الّلمسة الأمميّة على حماية المرأة في أماكن الصّراعات والحروب، حيث جاء هذا القانون كنقطة تحوّل هامّة في تقييمه الّلازم لتضرّر النّساء ومعاناتهن وتعرّضهن لاعتداءات نفسيّة وجسديّة، لكنّه ومن جهة مقابلة لا يكفل للمرأة الفلسطينيّة الواقعة تحت الاحتلال أيّ حماية، ولا يحوي على أبسط حقوق الحياة المتّفق عليها دولياً وأبرزها الحقّ في الصّحة.
وفي مقاربة قانونيّة أوضحت عضو الأمانة العامّة للاتّحاد العام للمرأة الفلسطينيّة ريما نزّال أن هذا القرار “لا يتناول الحقّ في الصّحة بشكل مباشر، بل يتناول حماية النّساء في أوقات الحروب، والقرارات الّلاحقة لقرار ۱۳۲۵ كانت تخصّ النّساء العربيّات ولم تكن تخصّ المرأة الفلسطينية”، مما يضعنا ذلك أمام العديد من التّساؤلات الملحّة؛ وأهمّها:
– حجم الكارثة الصّحية الّتي تمسّ كلّ امرأة فلسطينيّة في قطاع غزّة سواء الحوامل أو المرضعات أو النّساء الّلواتي يعانين من أمراض مزمنة.
– آفاق القانون الدّولي في حماية المرأة الفلسطينية وتحسين الوضعية النّفسية والصّحية والإنسانية في ظلّ عدوان الاحتلال القائم منذ ۷ أكتوبر.
– التّهجير القسري وانعدام أشكال الحياة في أكثر حملة ممنهجة للتّصفية الجسدية للنّساء الفلسطينيّات منذ النّكبة.
استهداف مباشر
ضمن الهجمة الشّرسة غير المسبوقة للتّصفية الفكريّة للنّساء المبدعات في قطاع غزة، استُهدف من خلال العدوان المميت شريحة واسعة من النّساء الملهمات والمبدعات، منهنّ الموسيقيّات والفنّانات التّشكيليات، كذلك الشّاعرات والكاتبات، والنّاشطات المجتمعيّات، والملهمات في المسرح، إضافة إلى أكاديميّات وباحثات في الجامعات الغزّية ما زالت إلى اليوم أجسادهنّ تحت الرّكام.
واجهت النّساء العاملات في القطاع الصّحي أوضاعاً نفسيّة وصحية صعبة ومعقّدة، ووصل الأمر حدّ الموت في الممرّات والسّاحات والمستشفيات أثناء أدائهنّ لعملهن، كذلك التّضحية المستمرّة إضافة إلى العمل المتواصل بشكل دائم منذ بداية العدوان، والبقاء فترات طويلة خارج المنزل، كذلك فقدانهنّ لأزواجهنّ وأطفالهنّ شهداء، ودفنهم دوان وداع.
وحيثما تواجدت النساء العاملات وجدت المتاعب والمصاعب الحياتيّة، ما بين توفير لقمة العيش والموت خطوة، وما بين العمل لجلب الرّزق والقتل المباشر المتعمّد أقلّ من خطوة، فكانت الصّحفيّات من مواقع تغطيتهنّ للحرب على غزة الشّاهدة والشّهيدة، وكنّ الوسيلة والخبر.
النّساء في غزّة والظّروف الإنسانيّة والاجتماعيّة للبقاء والنّزوح
أُجبر أكثر من ۱٫۹ مليون شخص في غزة على النزوح، أي ما يعادل ۸۵% من إجمالي السّكّان، منهم حوالي مليون امرأة وفتاة، وتزداد معاناة النّساء بسبب فقدان أزواجهنّ أو أبنائهنّ أو ذويهنّ في الحرب، واستخدام الاحتلال لسياسة التجويع كسلاح ضد الفلسطينيّين، مما يضطرهنّ إلى القيام بأعمال شاقّة لتأمين احتياجات أسرهنّ الغذائيّة والصّحية والنّفسية.
وتروي السيدة أ.س معاناتها في النّزوح مؤكّدة على صعوبة الحياة في الخيام لكبار السنّ، وعدم توفير هذه الخيام لأبسط متطلّبات الكرامة الإنسانيّة، وعلى لسانها في مخاطبة نجلها المقيم في تونس واصفة معاناتها اليوميّة في الخيمة “نفسي يما أركز ظهري على حيط، على إشي يابس، تعبت من الخيمة اللي ما فيها مكان أحط ظهري عليه”.
وأكّد صندوق الأمم المتحدة للسّكّان، أن نسبة النّساء الحوامل بلغت ۴۵ ألف امرأة حامل و۶۸ ألف مرضعة في قطاع غزّة، يواجهن خطر سوء التّغذية وفقر الدّم والنّزيف والموت، وتضطرّ الكثيرات منهنّ إلى الولادة في ظروف غير آمنة وغير مريحة، سواء في مراكز الإيواء أو في منازلهن أو في الشوارع أو عند الحواجز، دون تخدير أو تعقيم أو متابعة طبيّة، وتزداد مخاطر الإصابة بالعدوى والنّزيف والتمزّق والتّسمم الحملي وغيرها من المضاعفات التي قد تودي بحياتهنّ أو حياة أطفالهنّ، خاصّة مع خروج معظم المستشفيّات عن الخدمة جرّاء الحرب، علاوة على عدم تمكّن الأمّهات المرضعات من إرضاع أطفالهنّ بسبب تزايد مخاطر المجاعة وانعدام الحليب الصّناعي، ما أدّى إلى التّسبّب بوفاة العديد من الرّضّع. كما وأنّ أكثر من ۶۹۰ ألف امرأة وفتاة في سنّ البلوغ، يفتقدن الإمدادات الضّرورية ومستلزمات النّظافة الخاصّة بهنّ.
ووصف بيان مشترك حمل توقيع مقرّري الأمم المتّحدة، انتهاكات حقوق الإنسان المبلّغ عنها ضدّ النّساء والفتيات في فلسطين، التي تخضع للحصار والهجمات الإسرائيلية المكثّفة، بـ”المروّعة”، إذ ورد أنّ ما لا يقلّ عن معتقلتين فلسطينيتيّن تعرّضتا للاغتصاب، في حين تم تهديد أخريات بالاغتصاب والعنف الجنسي، كما وأشار البيان إلى أنّ النّساء والفتيّات الفلسطينيّات المحتجزات تعرضنّ لأشكال عدّة من الاعتداء الجنسي مثل تجريدهنّ من ملابسهنّ وتفتيشهنّ من ضبّاط الجيش الإسرائيلي الذّكور.
فيما رصدت مؤسسات الأسرى الفلسطينيّة اعتقال قوّات الاحتلال لنحو ۲۰۰ امرأة من قطاع غزّة منذ بداية الحرب، بعضهن جرى نقلهنّ إلى سجن “الدامون” مع أسيرات أخريات من الضّفة الغربية، وأوضاعهن تتفاقم بشكل غير مسبوق مع مرور الوقت، حيث أن عامل الزّمن وباستمرار عمليّات التّعذيب والتّنكيل والإذلال والانتقام، عدا عن سياسة التّفتيش العاري والتّحرشات الجنسيّة والتّهديد بالاغتصاب، وسياسة التّجويع والبرد القارس زاد من حدّة المأساة. إلى جانب عدم تمكّن أي من المؤسّسات الحقوقية من رصد أيّ تفاصيل عن أسيرات غزة المعتقلات في المعسكرات الإسرائيلية، واللّاتي يرفض الاحتلال الإفصاح عن أي معطى بشأنهنّ وهنّ رهن جريمة الإخفاء القسري، كما ويرفض الاحتلال السّماح للطواقم القانونية بزيارتهنّ، وتدّعي إدارة السّجون أنهنّ لسنّ تحت إدارتها.
المصدر: نساء FM