نساء الصين الأرامل… عقاب اجتماعي خوفاً من عدوى الموت

حين يشعر شخص بحزن تجاه شيء، يحتشد الأصدقاء حوله لمواساته، لكن في الصين إذا كان سبب الحزن فقدان الشريك، يختفي الجميع، ويجد الشخص نفسه في عزلة، خصوصاً إذا كان امرأة. وبحسب التقاليد الصينية، تنسحب النساء تحديداً من حياة الأرامل خوفاً من نقل عدوى الموت إلى شركائهنّ، لأنهنّ يصبحن فألاً سيئاً.

ترجع جذور هذا “العقاب الاجتماعي” إلى عهد سلالة مينغ (۱۳۶۸-۱۶۴۴)، حين كان يحظر على النساء الأرامل الخروج من بيوتهنّ، لأن ذلك يتنافى مع مفهوم العفة، فيلازمن غرفهنّ المعزولة ويُعانين الوحدة والجوع العاطفي. من ناحية أخرى، كان الاعتقاد السائد حينها بأن الأرواح الشريرة تسكن أجساد من فقدن أزواجهنّ، وتتربص بأي شخص يحاول الاقتران منهنّ، وأدى هذا إلى فرض عزلة اجتماعية حتى من أقرب الناس إليهنّ. أيضاً كان من غير المقبول اجتماعياً أن تتزوج النساء الأرامل مرة أخرى، ولم يكن أحد يرغب أصلاً في الزواج منهنّ خوفاً من عدوى الموت التي أصابت شركاءهنّ. 

بحسب السجلات الصينية، لم يكن أحد يساعد الأرامل، وانعدمت الخدمات الاجتماعية لهنّ في تلك الحقبة، ما جعلهنّ يعشن في فقر كبير، وانتحرت كثيرات للهروب من واقعهنّ المأساوي. واستمرّ الأمر مع تتالي الأجيال، وظل المجتمع الصيني بعد قرون ينظر إلى النساء الأرامل على أنهنّ يحملن عدوى الموت التي قد تصيب أي شخص يقترن بهنّ، أو حتى يقترب منهنّ.

وفاقمت سياسة الطفل الواحد التي انتهجتها الصين في نهاية سبعينيات القرن الماضي واستمرت نحو أربعة عقود، معاناة النساء الأرامل، لأنه لم يكن لديهنّ سوى طفل واحد. وعندما كبر الأبناء والأحفاد ذهبوا إلى المدن الصناعية للعمل بعيداً عن أسرهم، ما ضاعف شعورهنّ بالوحدة والعزلة.

تبرر شو شين، وهي موظفة في شركة اتصالات بمدينة فوشان (جنوب)، لـ”العربي الجديد”، عدم رغبتها في مصادقة أرملة بأسباب عدة، في مقدمها الخوف من لعنة الموت. وتقول: “قد تكون فكرة مطاردة الأرواح الشريرة المحيطة بالنساء الأرامل قد تراجعت نسبياً مع دخول المجتمع الصيني مرحلة الحداثة وزيادة وعي الأجيال الجديدة، لكن الجميع لديهم اعتبارات مثل الحالة المزاجية والنفسية لهذه الفئة من النساء اللواتي يعانين ألماً وانكساراً داخلياً يجعلان من الصعب التوافق والتواصل معهنّ، لذا أفضّل تجنبهنّ للحفاظ على درجة من الاستقرار النفسي والتصالح مع الذات بعيداً عن أي مؤثرات خارجية تجلبها لي هذه العلاقات”.

أرملة ماسح أحذية خسرت رخصة العمل (نورا تام/ Getty)
أرملة ماسح أحذية خسرت رخصة العمل (نورا تام/ Getty)

يقول لين وي، وهو طالب دراسات عليا في جامعة شينزن، لـ”العربي الجديد”: “لا أعتقد أن الاقتران بأرملة أمر ممكن لأسباب عدة، منها عدم رضا أهلي عن هذه العلاقة، حتى لو كان هناك حب وتفاهم”. يضيف: “هناك حدود وحواجز أدبية وأخلاقية واجتماعية، لأن إقامة علاقة مع أرملة قد تؤدي أيضاً إلى مخاطر خفية من التورط العاطفي. فعلياً، تحتاج الأرملة إلى وقت للتأقلم والتعافي عاطفياً بعد فقدان زوجها، وإذا دخل شخص في حياتها خلال هذه الفترة، فسيتسبب ذلك في تشابكات عاطفية معقدة وغير ضرورية. وقد تؤدي العلاقة إلى اضطرابات نفسية بسبب المقارنات المستمرة وصعوبة تجاوز الشعور بالفقد وحالة الهشاشة الداخلية”.

وتعلّق الباحثة الاجتماعية في معهد “غوانغ دونغ”، تانغ لي، بالقول لـ”العربي الجديد”: “في المفاهيم التقليدية يُنظر إلى النساء الأرامل على أنهنّ ضعيفات يحتجن إلى احترام وحماية. وقد يواجهن صعوبات مالية وعاطفية وغيرها بسبب فقدان أزواجهنّ، وبالتالي يحتجن إلى رعاية ودعم اجتماعي. ويجعل ذلك الاقتراب منهنّ محفوفاً بالمخاطر. وفي هذه الحالة قد يكون الرجال أكثر عرضة للشفقة عليهنّ وتقديم العزاء لهنّ ودعوتهنّ إلى تناول العشاء، ويرجع ذلك لأطماع ذكورية، بينما تفضل النساء البقاء بعيداً خوفاً من تعرّض مشاعرهنّ لأذى، والتزاماً بالتقاليد الصينية القديمة التي تفترض أنهنّ مسكونات بطيف الموتى والأرواح الشريرة”.

تتابع: “لا يفهم كثيرون حقاً الألم الداخلي للنساء الأرامل ومعاناتهنّ، ما يجعل رعايتهنّ ودعمهنّ يتضاءلان على مستوى الأصدقاء أو حتى القرابة الأسرية، لذا يجب تصحيح المفاهيم الخاطئة والحفاظ على احترام الكرامة الشخصية للنساء الأرامل وحقهنّ في الاختيار، وفهم الصعوبات والتحديات التي يواجهنها في أثناء التفاعلات الاجتماعية، وتجنّب التطرق إلى مواضيع حساسة أو الانخراط في سلوك غير لائق”. 

وتلفت تانغ لي إلى أنه “يجب أن يتكاتف المجتمع لتقديم المساعدة والدعم المناسبين عندما تحتاج النساء الأرامل إلى دعم مادي وعاطفي، لكن أيضاً يجب توخي الحذر في الحفاظ على مسافة لا تقتحم الخصوصية لتجنّب سوء الفهم الذي قد يقود إلى عواقب”.

المصدر: العربي الجدید