اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
لا تزال ردود الفعل على تشكيل مكتب شؤون المرأة التابع للإدارة السياسية الجديدة في سورية، برئاسة عائشة الدبس، متباينة، خصوصاً لعدم معرفة كثير من السوريين بهذه الشخصية، وزاد التباين بعد إدلائها بتصريحات حول واقع المرأة السورية اعتبرها البعض تشكل انطباعاً عن المستقبل المنتظر بعد مخاوف كبيرة انتابت المجتمع من فرض قيود.في حين يرى أخرون أنه لا بد من منح الإدارة الجديدة الوقت قبل الحكم عليها، مستبشرين بتعيين سيدة كمحافظ للبنك المركزي، والحديث عن وجود سيدات في اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني.تؤكد الباحثة الحقوقية سوسن زكزك أن سورية لا تحتاج إلى مكتب لشؤون المرأة بل إلى وزارة كاملة في حال لم يتم إنشاء مجلس أعلى لشؤون المرأة، نظراً لوجود الكثير من قضايا النساء التي تحتاج إلى حلول، ومنها التمييز في القوانين، وتفشي التعنيف داخل الأسرة، وضعف مشاركة النساء في الحياة العامة، إضافة إلى ضعف مشاركتهن في مواقع صنع القرار.وتقول زكزك لـ”العربي الجديد”: “لا يمكن لأي بلد أن يتطور وتتحقق فيه التنمية الشاملة في ظل تهميش المرأة التي تشكّل أكثر من نصف المجتمع في الحالة السورية. هناك تمييز في كافة القوانين التي تتصل بحقوق النساء، كتلك المتعلقة بالأحوال الشخصية، وقانون العقوبات، ومنح الجنسية، والتأمينات الاجتماعية وغيرها. أعتقد أن المكتب الذي تم إحداثه لا يمكنه معالجة كافة القضايا، خاصة أن توجهات مديرته عائشة الدبس تبدو تقليدية، إذ تريد أن تركز على دور المرأة في المنزل، واهتمامها بالعائلة، من دون أن تذكر الدور الحقيقي الذي يتطلب منها أن تكون إنساناً فاعلاً في كافة مجالات الحياة”.
تضيف: “تلمح الدبس في تصريحاتها إلى أنه من الممكن حرمان النساء من حقّهن في ممارسة القضاء، وتجدر الإشارة إلى أن أول قاضية في المنطقة كانت سورية، ومن بيّن التصريحات التي تثير المخاوف أيضاً، تلك التي تشير إلى أنها ستدعم فقط من يوافقها الرأي، وهذا يعني إقصاء فئة كبيرة من النساء المختلفات. ما الفارق إذن عن طريقة عمل نظام الأسد؟”.تتابع زكزك: “يجب ضمان حقوق المرأة السورية كما ورد في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، سواء في الإعلان العالمي، أو في العهدين الدوليين، أو في اتفاقية سيداو، كما لا يمكن للمرأة أن تساهم في التنمية من دون أن يكون هناك قانون يحميها من العنف، سواء داخل المنزل أو في الفضاء العام، بما في ذلك العنف السياسي. المنظومة الحاكمة الحالية هي قوة أمر واقع أتت عبر عملية تسليم واستلام، ولا تمثل سوى جزء من المعارضة السورية، ومن الضروري أن يضمن الدستور الجديد كافة حقوق النساء، وأن يكون دستوراً حضارياً موضوعاً من قبل كافة السوريين والسوريات، وليس بواسطة أشخاص استطاعوا فرض سلطتهم، ويريدون صناعة قوانين تتناسب مع عقليتهم”.
من جهتها، تقول مديرة مؤسسة “موج” التنموية الناشطة النسوية أميرة مالك، لـ”العربي الجديد”، إن “تشكيل مكتب شؤون المرأة في الحكومة المؤقتة ليس سلبياً بالمطلق ولا إيجابياً بالمطلق، ولا يمكن البناء عليه حالياً، إذ يمكن التعويل مستقبلاً على الحكومة الجديدة التي ستضم وزراء ووزيرات يتقلدون مناصبهم بناء على استحقاقات، كما يمكن التعويل على الدستور الجديد الذي يجب أن يكون حساساً في ما يخص النوع الاجتماعي”.تضيف مالك: “المكتب الذي تم إحداثه له إيجابيات عدة، منها أنه جاء استجابة لمطالب نساء سورية، والتي تلت تصريحات الناطق الرسمي باسم الإدارة السياسية عبيدة أرناؤوط، إضافة إلى أنه يعتبر إجراء مؤقتاً ريثما تستطيع النساء الحصول على حقوقهن. في البلدان التي تعاني النساء فيها من الهشاشة، مثل سورية، يتم اتخاذ إجراءات تمييزية مؤقتة تلغى في ما بعد، لذا فإن مكتب شؤون المرأة يجب ألا يستمر في سورية الجديدة، لأنه سيصبح تمييزاً لا يناسب طموحات السوريين والسوريات بدولة مواطنة تتساوى فيها الحقوق والواجبات. تصريحات عائشة الدبس حتى الآن إيجابية، ومن المبكر الحكم على أدائها، وأساساً لا يجب التعويل على المكتب كي لا يتم تثبيته لاحقاً”.
بدورها، تشير الناشطة الحقوقية والرئيسة التنفيذية لمبادرة “دارة سلام” رنا الشيخ علي، في حديثها مع “العربي الجديد”، إلى وجود اتجاهين حول إحداث مكتب لإدارة شؤون المرأة، الأول أكاديمي ينظر إلى ذلك باعتباره إجراء قد يكون مؤقتاً كون المواضيع المتعلقة بحقوق النساء تحتاج أحياناً إجراءات تمييز إيجابي مؤقت كنظام “الكوتا” على سبيل المثال، أما الاتجاه الثاني، الذي يمثل غالبية الناشطين، فيرى أن إحداث هذا المكتب يعد سيفاً ذا حدين، فمن الممكن أن يكون استجابة للمطالبات بألا يتم تحييد قضايا النساء، وألا تكون أدوارهن هامشية خلال الفترة القادمة.
تضيف: “هناك تساؤلات حول ما إذا كانت هناك خطة واضحة وملموسة لآلية التعامل مع النساء، وهل ستكون مطالبات النساء ضمن هذا المكتب فقط، أي أنه سيكون صلة الوصل بين المرأة والإدارة، وما القصص التي سيضبطها هذا المكتب؟ شخصياً، لا أريد لهذا المكتب أن يتحول إلى صلة وصل فقط، ولا إلى اتحاد نسائي، وهنا أذكر بالاتحاد الذي كان موجوداً لفترة معينة في عهد النظام السابق، والذي تم تحويله إلى أداة بيد حزب البعث. هذا المكتب يجب ألا يؤطر العمل على حقوق النساء ومشاركتهن، وألا يحتكر العمل في هذا الجانب”.وتؤكد الشيخ علي أنه “في حال لم يتم إعلان خطة عمل المكتب، فلا يمكن التنبؤ بمستقبله، لكن بالمجمل يجب الحرص على عدم تكرار التجارب القديمة، وأن تؤخذ احتياجات النساء وأصواتهن بعين الاعتبار، وألا يعتبر أن النساء مواطنون من الدرجة الثانية”.
وترى الناشطة النسوية مارينا منصور أن وجود مكتب خاص بالمرأة ضمن الحكومة الانتقالية هو خطوة جيدة، لكنه يعد غير كاف في ظل حجم المشاكل التي تعاني منها النساء، لافتة إلى أن أهم القضايا التي يجب أن يعمل المكتب عليها حالياً تتعلق بالنساء اللاتي كن في المعتقلات، وأطفالهن، إذ يجب تنظيم ذلك، وإجراء فحوص طبية لهن، وتقديم الدعم النفسي لهن، ومن ثم يجب أن يشكّل المكتب وجهة للنساء الراغبات بالطلاق، والفاقدات للاهتمام من قبل أسرهن لتأمين مكان مؤقت لهن عبر تخصيص دار إيواء، وإجراء دورات تدريبية لهن ريثما يصبحن قادرات على العمل وتأمين مورد مالي.وتؤكد منصور لـ”العربي الجديد”، على “ضرورة عدم إغفال تعديل القوانين المتعلقة بالحضانة والنفقة ومنح الجنسية، وغير ذلك من القضايا العالقة، ومنها القضايا المتعلقة بمتابعة ومعاقبة مرتكبي الجرائم ضد النساء، وأن يكون المكتب أداة ضغط على القضاء في حال كان هناك أي تقصير، ومن المهم أيضاً تشكيل فريق نسائي لاستقبال شكاوى الفتيات اللواتي يتعرضن للتحرش أو الاغتصاب، على اعتبار أن الإجراءات القديمة التي تتطلب توجه الفتاة إلى أقسام الشرطة لتقديم الشكوى، كان فيها الكثير من الإحراج بالنسبة لها، كما يجب تخصيص خط ساخن لاستقبال الشكاوى، علماً أن كل تلك الأمور تحتاج إلى وقت وجهد كبيرين، ويجب العمل عليها بالتدريج كي يكون المكتب فاعلاً”.
المصدر: العرب الجدد