اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
نساءٌ متعلمات، مثقفات، حافظات لكتاب الله، زوجات وأمهات صالحات، لكن صورتهن الحقيقية اليوم لا تُرى في قاعات الدراسة ولا أماكن العمل، بل في طوابير الماء والخبز، وفي أدوار لا تنتهي داخل البيوت والخيام.
تخيّل أن امرأة تقف يوميًا منذ السادسة صباحًا في طابور طويل لتحصل على بضع لترات من الماء أو وجبة ساخنة من التكية. كانت في الماضي تُجهّز أبناءها للمدرسة في هذا الوقت، أما اليوم فهي تبحث فقط عن أبسط مقومات الحياة. لقد أصبحت في آنٍ واحد الأب والأم لأطفالها، تتحمل أعباء مضاعفة لا يراها أحد إلا من عاش التجربة.هذا المشهد اليومي يكشف حجم التحديات التي تواجه النساء، ويُظهر كيف تحوّل “الحق” إلى “مطلب بعيد المنال”.
حق المرأة في التعليم، المكرّس في كل المواثيق والعهود الدولية، أصبح في غزة معركة يومية تخوضها الطالبات الجامعيات. كيف لطالبة أن تدرس وهي تحتاج إلى ساعات من البحث عن مكان تتوافر فيه كهرباء أو شبكة إنترنت لتسليم واجب أو تقديم امتحان؟
حق المرأة في التعليم، المكرّس في كل المواثيق والعهود الدولية، أصبح في غزة معركة يومية تخوضها الطالبات الجامعيات. كيف لطالبة أن تدرس وهي تحتاج إلى ساعات من البحث عن مكان تتوافر فيه كهرباء أو شبكة إنترنت لتسليم واجب أو تقديم امتحان؟ كثيرًا ما تسير مسافات طويلة تحت شمس الصيف الحارقة أو برد الشتاء القارس، فقط لتجد جهازًا مشحونًا أو إشارة ضعيفة تساعدها على الاتصال بالعالم الخارجي.
وفي الشتاء، حين تغرق الطرقات بالمياه وتتحول الشوارع إلى برك طينية، يصبح الوصول إلى الجامعة مغامرة قد تنتهي بالعودة بلا فائدة. حتى أبسط الحقوق، كأن تجلس الطالبة على مقعدها الدراسي، بات امتيازًا نادرًا يتطلب صبرًا ومعاناة.
تنهي الطالبة دراستها بمعدل ممتاز، تُعلّق شهادتها في إطار على الجدار، ثم تخرج لتقف في طابور طويل للحصول على الماء أو رغيف خبز. من حقها أن تدخل إلى سوق العمل وأن تجد وظيفة تليق بسنوات الدراسة والجهد، لكن في غزة تُجبَر كثير من النساء على ترك أحلامهن والانخراط في صراع البقاء اليومي.
أما الأمهات، فحقهن الطبيعي أن يرين أطفالهن يكبرون أمام أعينهن، يتعلمون وينجحون. لكن الواقع مختلف؛ الأم مشغولة بتأمين لقمة الطعام، والطفل منشغل بجمع الحطب لإشعال النار أو بجلب الماء من مسافات بعيدة. صورة تختصر كيف تتحول الأدوار في لحظة أزمة إلى عبء مضاعف يثقل كاهل النساء والأطفال معًا.
أما حرية الصحفيات لا وجود لها الحقيقة هنا ثمنها الحقيقة، من حق الصحفيات أن يؤدين عملهن بحرية وينقلن ما يجري دون خوف، فهذا حق أصيل كفلته المواثيق الدولية. لكن في غزة، قد تتحول الكاميرا أو حتى الهاتف المحمول إلى خطر يهدد حياة صاحبتها. الصحفية التي تلتقط صورة أو تسجل شهادة قد تصبح هدفًا مباشرًا.
تحمل الكثير من الأمهات جرحًا لا يندمل: فقدان فلذات أكبادهن. أمّ دفنت طفلها تحت الركام، وأخرى لم تتمكن من وداعه، وثالثة لا تجد سوى صورة قديمة تضغطها إلى صدرها كل ليلة. هذه المآسي تختصر ما تعنيه الحرب للأم: فقدان الحاضر والمستقبل.
ورغم ذلك، لم تتوقف النساء عن أداء دورهن. بعضهن يكتبن بأسماء مستعارة، وأخريات يصررن على الظهور رغم الخوف، لأن إسكات أصواتهن يعني محو نصف الحقيقة. فالحقيقة التي لا تنقلها النساء تبقى ناقصة، محرومة من تفاصيل البيوت والخيام والطوابير. حماية الصحفيات هنا ليست مطلبًا مهنيًا فحسب، بل شرطًا أساسيًا لحق الناس في المعرفة ولحماية ذاكرة المجتمع.
إلى جانب كل هذا العبء، تحمل الكثير من الأمهات جرحًا لا يندمل: فقدان فلذات أكبادهن. أمّ دفنت طفلها تحت الركام، وأخرى لم تتمكن من وداعه، وثالثة لا تجد سوى صورة قديمة تضغطها إلى صدرها كل ليلة. هذه المآسي تختصر ما تعنيه الحرب للأم: فقدان الحاضر والمستقبل.
كل هذه الصور اليومية – الطالبة التي تُعلّق شهادتها على الجدار، الأم التي تصحو مع الفجر، الصحفية التي تجعل من القلم درعًا – تكشف أن نساء غزة يتحملن مسؤوليات مضاعفة غير عادلة. لكن معاناتهن ليست مجرد قصص فردية، بل قضية حقوقية وسياسية واجتماعية يجب أن تُطرح على العالم بجدية.
إن حقوق النساء ليست ترفًا ولا شأنًا مؤجلًا، بل هي حق أصيل في الحياة الكريمة والعدالة والذاكرة. ومن دون إنصاف النساء وإشراكهن في القرارات الكبرى – من التعليم والعمل إلى الإغاثة وإعادة الإعمار – ستبقى العدالة ناقصة، وسيظل الإعمار بلا روح. فالمرأة التي تنتظر في الطابور كل صباح لا تنتظر الطعام فقط، بل تنتظر اعترافًا بأن حياتها وحقها في الكرامة أثمن من أن يُتركا للنسيان.
بنفسج