اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
في الأيام القليلة الماضية، نزحت آلاف من العائلات من شمال غزة إلى جنوبها، بعد إنذارات من قوات الاحتلال التي أمعنت في تعذيب الفلسطينيين/ ات، إلى جانب القصف المستمر للأهداف المدنية، من منازل ومستشفيات ودور عبادة، بالإضافة إلى قطع إمدادات المياه والكهرباء والإنترنت عن القطاع.
لا تخفى على مُبصر العواقب الكارثية لما يحدث من جرائم حرب في فلسطين، لكن ربما تكون التأثيرات الكارثية مفجعةً أكثر للنساء اللواتي هنّ أكثر عرضةً للقلق والاكتئاب.
تتحدث الصحافية من غزة روان الكتري، التي تعيش الآن تحت نيران قصف الاحتلال، عن التبعات النفسية لهذا العدوان على النساء في غزة، فتقول لرصيف۲۲: “نساء غزة يعشن الحزن الذي يصل حتى العظم. ربما لم تقرأوا مثل هذا التعبير من قبل ذلك، لكن المرأة العشرينية اليوم تعجز عن الوقوف على قدميها. عظامها تصرخ من الحزن والخوف. تخاف على زوجها حتى لا تصبح أرملةً، ثم على أولادها، ثم على إخوتها، ثم على أهلها، ثم على بيتها، ثم على حالها. ترفع يديها إلى السماء وتقول: ‘يا رب خذني، قبل أن تأخذ أحداً منهم’، ثم تعود وتتراجع: ‘طيب يا رب إذا أخذتني مين يربّي أولادي؟’ حتى في دعائها تحتار وتعجز: ‘خذنا يا الله كلنا في كفن واحد حتى نلتقي في الأرض كما نلتقي في السماء'”.
تُكمل روان: “فقدت سيدة أبناءها، وهي في عمر السبعين. تجري خلف نعشهم وتقول: ‘كفنوني معهم. موّتوني. خدوني معهم’. السيدات هنا يلوي الوجع عصبهنّ وقلوبهنّ ودمعات عيونهنّ. نخاف الله، نخاف حدّ الموت، نخاف حدّ الاكتئاب، نخاف حدّ القهر، نخاف حدّ الموت، نخاف إلى حدّ سلب منّا الخوف معه أرواحنا”.
ترفع يديها إلى السماء وتقول: ‘يا رب خذني، قبل أن تأخذ أحداً منهم’، ثم تعود وتتراجع: ‘طيب يا رب إذا أخذتني مين يربّي أولادي؟’ حتى في دعائها تحتار وتعجز: ‘خذنا يا الله كلنا في كفن واحد حتى نلتقي في الأرض كما نلتقي في السماء'”
قبل الأحداث الدائرة حالياً، عاشت النساء والفتيات في قطاع غزة ظروفاً مأساويةً، إما مكروباتٍ من موت أبنائهن، وإما مكروبات من ضيق العيش والعوز والشحّ في المياه والطعام والكهرباء مع طول فترات الحصار، وإما لاستحالة وصولهنّ إلى مراكز العناية الطبية للرعاية الصحية والنفسية. فمع قطع الإمدادات الحيوية كالمياه، تضاعف العبء النفسي على النساء، خاصةً اللواتي يمررن بفترة الحيض والولادة، مما يؤدي إلى مخاطر صحية تؤثر على صحتهن الجسدية والنفسية.
ويكشف تقرير صدر عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة، عن التأثير المدمر للأزمة في غزة على النساء والفتيات: “تقدّر هيئة الأمم المتحدة للمرأة أن اندلاع العنف والدمار قد تسبب في نزوح ما يقرب من ۴۹۳،۰۰۰ امرأة وفتاة من ديارهنّ في غزة، وبالإضافة إلى ذلك، كانت النتيجة المأساوية هي زيادة عدد الأرامل، حيث أصبح ما يقدَّر بنحو ۹۰۰ امرأة يرأسن الأُسر بعد وفاة شركائهن الذكور”.
هناك أيضاً عبء نفسي آخر يقع على عاتق النساء في الحروب، خاصةً اللاجئات منهنّ اللواتي قد يتعرضن لمخاطر شتى من مضايقات وعنف، بالإضافة إلى إجبارهنّ على الانصياع لتقاليد اجتماعية ربما تكون ضد رغباتهنّ.
قبل تعرّض غزة للإبادة الدائرة من قوات الاحتلال، كانت النساء أصلاً يعشن في ظروف عصيبة نتجت عن الحصار والفقر والعنف.
وتحدث تقرير صادر عن الأمم المتحدة، عن سبب آخر للكرب النفسي وهو “عنف المستوطنين تجاههنّ”، مما يجعل النساء يعشن في خوف مستمر على أنفسهنّ وعلى عائلتهنّ.
في هذا السياق، وجد مسح أجرته منظمة أوكسفام ومعهد دراسات المرأة في جامعة بيرزيت في العام ۲۰۱۹، أن الخوف من العنف العسكري أو عنف المستوطنين كان السبب الرئيس وراء افتقار النساء إلى حرية التنقل داخل حقول مناطق الرعي أو إليها، كما أن ثلث النساء عددن أن هذا كان أيضاً بسبب القيود المفروضة على وصولهنّ إلى الأراضي المنتجة.
ويفيد التقرير الصادر عن “لجنة شؤون المرأة في غزة ۲۰۲۱″، بأن من تداعيات العدوان الإسرائيلي على النساء والفتيات، سيطرة مشاعر الخوف والقلق وعدم الأمان والحماية وفقدان الأمل في الحياة وتوقّع الموت في كل لحظة.
ويضيف التقرير: “لقد تسبب العدوان في حدوث مشكلات نفسية عديدة لدى النساء والفتيات، مثل شعورهنّ بالقلق والتوتر والعصبية والانفعال الزائد والخوف الشديد واضطرابات النوم واضطرابات الأكل والحزن والبكاء المستمر والشعور بفقدان الأمل في المستقبل وغيرها من المشكلات النفسية”.
لكن هناك من يعتقد بأن العدوان لا يولّد إلا الإصرار على النضال من أجل القضية حتى آخر نفس.
“كل عدوان في الدنيا يُولّد إصراراً، وبالنسبة للشعب الفلسطيني الرابط بينه وبين الأرض عقيدة، ودم، وشرف، وتالياً سيبقون في أرضهم حتى النفس الأخير”
تعليقاً على هذه النقطة، يقول الدكتور محمود محمد علام، الاستشاري النفسي، لرصيف۲۲: “إن فكرة استهداف النساء بصفة عامة في غزة، ناتجة عن الوهم القابع في عقلية المحتل حول ضرورة استهداف الرمز ومحوه، أي النساء، لأن المحتل يتوهم أنه باستهدافه النساء والأمهات فهو بذلك يقتل الجذور، جذور الأرض الطيبة الصالحة ويضرب مصدر ولادة أجيال أخرى تدافع عن قضية تحرير الأرض وتتبناها، مما تكون له تداعيات نفسية في غاية الصعوبة على كل حامل للقضية، لذلك نجد دائماً أن المحتل يركز في إبادته على الحضانات والأسواق وكل الأماكن المكتظة بالنساء”.
ويستدرك الدكتور محمود: “لكن قتل الجذور في رأس المحتل ما هو إلا محض أوهام. كل عدوان في الدنيا يُولّد إصراراً، وبالنسبة للشعب الفلسطيني الرابط بينه وبين الأرض عقيدة، ودم، وشرف، وتالياً سيبقون في أرضهم حتى النفس الأخير”.
المصدر : رصیف ۲۲