هل تنجح خطط التحفيز؟ تركيا وأمريكا تسعيان لزيادة معدلات الإنجاب

يثير الانخفاض الحاد في معدلات المواليد قلقا متزايدا لدى قادة عالميين، من الولايات المتحدة إلى تركيا. وبات ينظر إلى هذه الظاهرة بوصفها تهديدا وجوديا لمستقبل الدول.

في بداية عام ۲۰۲۵، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “عام الأسرة”، محذرا من أن بلاده “تخسر دماءها” في ظل التراجع السكاني الحاد، بينما دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى “طفرة في المواليد”، معتبرا أن استمرار الانخفاض السكاني يهدد البنية الاقتصادية والاجتماعية للولايات المتحدة.

المواليد في تركيا

تواجه تركيا تراجعا سكانيا مقلقا وغير مسبوق في سرعته، على حد قول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهو ما دفعه، في أعقاب اجتماع مجلس الوزراء في السادس من يناير/كانون الثاني ۲۰۲۵، إلى إعلان هذا العام “عام الأسرة”، في محاولة لوقف التدهور الديمغرافي.

Pregnant woman belly against Turkish flag background. Demographics and pregnancy in Turkey concept
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن ۲۰۲۵ “عام الأسرة” (شترستوك)

وقد تم تسجيل معدل المواليد المنخفض القياسي البالغ ۱٫۵۱ في عام ۲۰۲۳، مقارنة بـ۲٫۳۸ عام ۲۰۰۱، وفقا لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ( OECD).

وذكر مدير مركز السياسات السكانية والاجتماعية في جامعة مرمرة في إسطنبول، محمد فاتح إيسان، أن معدل الخصوبة في تركيا تراجع من ۶٫۵ ولادات لكل امرأة عام ۱۹۶۰ إلى ۱٫۵۱ اليوم، قائلا إنه رقم أدنى بكثير من ۲٫۱ وهو “المعدل الذي يعتبر ضروريا للحفاظ على استقرار عدد السكان”.

واعتبر أيسان في تقرير على “تي آر تي وورلد” أن هذا الانخفاض الحاد في عدد السكان يمثل ضغطا كبيرا على الاقتصاد والعلاقات الاجتماعية، مشيرا إلى أن الأسرة يمكن أن تلعب دورا محوريا في استقرار المجتمع في ظل هذه التغيرات.

وأكد أيسان على ضرورة تشجيع زيادة المواليد، قائلا إن إعادة الاعتبار لقيمة الأسرة “ليست مجرد طرح محافظ أو تقليدي، بل هي ضرورة عملية لضمان تماسك المجتمع التركي واستقراره في المستقبل”.

المواليد في أميركا

من تركيا إلى أميركا، وفي نفس العام ۲۰۲۳، الذي شهد أدنى معدل قياسي للمواليد في تركيا، سجلت الولايات المتحدة أيضا أدنى معدل للمواليد، وفقا لبيانات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.

وفي بداية ولايته الثانية، دعا الرئيس ترامب إلى ما سماه “طفرة في المواليد”، وأبدى انزعاجه من انخفاض معدلاتها، معتبرا ذلك تهديدا وجوديا للأميركيين.

وقالت عالمة الديمغرافية العائلية في جامعة نورث كارولينا في تشابل هيل، كارين بنجامين جوزو، في تقرير على “نيويورك تايمز” إنه في خلال تسعينيات القرن الـ۲۰ وحتى العقد الأول من القرن الـ۲۱، كان معدل الخصوبة في الولايات المتحدة حوالي طفلين لكل امرأة، “وهو ما يعادل تقريبا المستوى المطلوب للحفاظ على عدد السكان من خلال المواليد وحدهم”.

لكن منذ بداية الألفية الثانية، بدأت معدلات المواليد في الولايات المتحدة بالتراجع بشكل ملحوظ. ووفقا لبيانات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، فقد بلغ معدل المواليد عام ۲۰۰۷ نحو ۱۰۶٫۳ لكل ألف امرأة تتراوح أعمارهن بين ۲۰ و۲۴ عاما، وانخفض هذا الرقم إلى ۵۶٫۷ بحلول عام ۲۰۲۴٫

10 أسباب تجعل إنجاب طفلة أعظم متعة في حياتك
منذ بداية الألفية الثانية، بدأت معدلات المواليد في الولايات المتحدة بالتراجع بشكل ملحوظ (شترستوك)

لماذا انخفض معدل المواليد؟

تتشابه أسباب انخفاض معدلات المواليد كثيرا بين البلدين. في تركيا، يرتبط انخفاض المواليد بشكل مباشر بتدهور الأوضاع الاقتصادية.

وأشار تقرير على مؤسسة “جلوبال فويسيس” إلى أنه في ظل ارتفاع التضخم وغلاء المعيشة، أصبح من الصعب على العائلات تلبية احتياجاتها الأساسية، مثل الإيجار والطعام، وبالتالي انخفضت معدلات الإنجاب.

وكان اتحاد نقابات العمال التركي “هاك-إيش”، أعلن أن نصف عدد العاملين في تركيا يتقاضون الحد الأدنى للأجور، وهو مصدر الدخل الرئيسي لهم. وطالبوا في ديسمبر/كانون الأول العام الماضي أن يكون الحد الأدنى ۲۹٫۵۸۳ ليرة تركية (۷۶۰٫۷۴ دولارا أميركيا) على الأقل، لمواكبة التضخم وزيادات الأسعار، لكن هذا المبلغ لم يعتمد. وكانت الحكومة قد أعلنت عن زيادة سابقة في الحد الأدنى للأجور في يناير/كانون الثاني من نفس العام، ليصبح ۱۷ ألفا وليرتين (437 دولارا أميركيا).

ولا تتماشى تلك الأجور ولا حتى الزيادة التي طالب بها الاتحاد مع تكلفة المعيشة في تركيا، فوفقا لتقرير صدر في نوفمبر/تشرين الثاني ۲۰۲۴ عن وكالة تخطيط إسطنبول، بلغ متوسط تكلفة المعيشة لأسرة مكونة من ۴ أفراد في إسطنبول نحو ۷۵ ألفا و۷۱۷ ليرة تركية (حوالي ۱۹۴۷ دولارا أميركيا).

وحتى التقدير الأقل لتكلفة المعيشة، وفقا لتقرير صادر عن اتحاد النقابات العمالية التركية في ديسمبر/كانون الأول ۲۰۲۴، بلغ لكل أسرة ۶۸ ألفا و۶۷۵ ليرة تركية أي ۱۷۶۶ دولارا أميركيا.

أما في أميركا، فعزت العالمة الديمغرافية جوزو، انخفاض المواليد إلى الظروف الاقتصادية وديون الطلاب الكبيرة، وعدم وجود إجازة عائلية مدفوعة الأجر على المستوى الفدرالي، والتكلفة العالية لرعاية الأطفال، وصعوبة امتلاك المسكن والشعور العام بعدم الاستقرار في العالم. وقالت جوزو “الناس لا ينجبون أطفالا عندما لا يشعرون بالرضا عن مستقبلهم”.

مقترحات الرئيسين لزيادة المعدلات

في مواجهة هذا التحدي، طرح الرئيسان مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى تشجيع الإنجاب، من خلال تقديم حوافز مالية، وتنظيم حملات ثقافية لتعزيز مفهوم الأسرة.

شجع أردوغان العائلات على إنجاب ۳ أطفال على الأقل، وهي دعوة أطلقها عام ۲۰۱۶، تحت شعار “طفل واحد يعني الوحدة، وطفلان يعنيان التنافس، و(إنجاب) ۳ يعني التوازن، و۴ يعني الوفرة”.

وأعلن أردوغان عن عدد من الإجراءات التي تهدف إلى تشجيع الزواج وتكوين الأسر، بحسب “تي آر تي وورلد” منها:

  • قروض ميسرة، من خلال تقديم قرض من دون فوائد بقيمة ۱۵۰ ألف ليرة تركية (۴۸۹۰ دولارا) للأزواج الشباب مع فترة سماح لمدة عامين، وسداد على ۴ سنوات.
  • دعم سكني، عن طريق قروض سكنية مدعومة وتسهيلات في الوصول إلى السكن بأسعار معقولة.
  • دعم الأسر الكبيرة، من خلال حوافز ومزايا مالية وفرص إسكان للأسر التي لديها ۳ أطفال أو أكثر.
  • خدمات رعاية الأطفال مجانية أو منخفضة التكاليف.
  • برامج توعية وإرشاد، مثل التعليم قبل الزواج، والإرشاد الأسري لتعزيز تماسك الأسرة واستقرار المجتمع.

أما في الولايات المتحدة، فتناقش إدارة ترامب عددا من المقترحات لتشجيع الإنجاب، وفقا لتقرير على “فوكس”، منها:

  • مكافأة المواليد، من خلال منح كل أم أميركية بعد الولادة ۵ آلاف دولار نقدا كمكافأة.
  • برامج تثقيفية للنساء حول الخصوبة، بهدف تعزيز الوعي بالخصوبة وزيادة فرص الحمل.
  • زيادة الإنفاق الحكومي في المناطق التي تسجل معدلات مواليد وزواج أعلى من المتوسط.
  • منح وسام وطني للأمومة للنساء اللاتي لديهن ۶ أطفال أو أكثر.

نساء FM