ولاء طنجي وإيمان الشوامرة: شهادات من قلب سجن الدامون

في صباحٍ ثقيلٍ على غير عادته، داخل سجن الدامون القابع في أعالي الكرمل، التقى المحامي حسن عبادي بالأسيرتين ولاء خالد فوزي طنجي، وإيمان إبراهيم عبد الله الشوامرة، في مقابلتين كشفتا جانبًا من الواقع اليومي القاسي الذي تعيشه الأسيرات الفلسطينيات، إذ يتقاطع القمع الجسدي مع العزل النفسي، وتتحول التفاصيل الصغيرة إلى معركة يومية من أجل الكرامة والبقاء.
ولاء طنجي

ولاء طنجي: الصلاة تحت القيد 

قبل أن تبدأ التحية، استهلّت الأسيرة ولاء طنجي حديثها بانفعال واضح: “رجّعوا القمعات”. ولاء، المولودة عام ۱۹۹۶ وابنة مخيم بلاطة، روت تفاصيل اقتحام فجري وقع يوم الأحد ۱۴ كانون الأول، قرابة الرابعة صباحًا، بينما كانت تؤدي الصلاة. جرى تقييدها مع أسيرتين أخريين، وتعصيب أعينهن، وإخراجهن إلى ساحة السجن وإجبارهن على الركوع. ورغم القيود، أكملت صلاتها في الساحة، في مشهد يلخص إصرار الأسيرات على التشبث بطقوسهن كفعل صمود.

ولم يكن ذلك الاقتحام الوحيد؛ فقد تكرر القمع عصرًا، مع استخدام القنابل الصوتية واقتحام عدة غرف، رافقه اعتداء جسدي على إحدى الأسيرات وتقييد أخريات وتصويرهن في أوضاع مهينة. تؤكد ولاء أن هذه “القمعة” هي الخامسة عشرة منذ بداية اعتقالها، وأن الغاز رُشّ مباشرة على وجهها، ما ترك أثره في عينيها وأنفها.

رغم ذلك، أشارت إلى توقف التفتيش العاري بعد نشر متكرر عن هذه الانتهاكات، واصفةً إياه بأنه “أصعب ما مرّ علينا”. عبّرت عن قلقها العميق على شريحة هاتفها المصادَرة، التي “عليها كل شيء”، في إشارة إلى الخوف من فقدان الذاكرة الخاصة والعائلية.

رسائل ولاء كانت مفعمة بالحنين والاعتزاز؛ سلّمت على أهلها، وعلى شقيقها الأسير محمد الزنكلوني، مؤكدة أنها “عايشة بالحياة عشانه”، وتفتخر بأن تُنادى “أخت الزنكلوني. عند الوداع، قالت بصوتٍ متهدّج: “إحكي للوطن يدعيلنا… صحابو خذلونا”، جملة تختصر شعورًا عامًا بالعزلة والخذلان.
 

إيمان الشوامرة: الأمومة خلف القضبان

الأسيرة إيمان الشوامرة.jpg

في اللقاء الثالث معها، أطلّت الأسيرة إيمان الشوامرة، المولودة عام ۱۹۷۹ من قرية جيت في محافظة قلقيلية، حاملة ثقل الأمومة المؤجلة. بدأ اللقاء بإيصال رسالة من ابنها يوسف، الذي عبّر عن شوقه واطمئنانه على صحتها، وسؤاله الدائم عنها، ودعائه لها. إيمان تقيم في غرفة ۲ مع أسيرات أخريات، بينهن آيات سويلم التي اعتُقلت برفقة والدتها آمنة.

وصفت الوضع داخل السجن بأنه “صعب جدًا”، مشيرة إلى قمعين متتاليين في اليوم السابق، شملَا قنابل صوتية ورش غاز مباشر على الوجوه، وضربًا بالعصي والهراوات. كما تحدثت عن “غيارات” داخلية، ومخالفات عقابية متكررة، إذ تلقت ۱۲ مخالفة تقيّد حركتها لأدق الاحتياجات.

إلى جانب القمع، يبرز البرد القارس ونقص البطانيات والملابس الشتوية كمعاناة يومية إضافية. ورغم ذلك، كانت رسالتها لابنها يوسف مليئة بالدفء: أوصته بدراسته، وبالعناية بوالده، وقالت إنها تشتاق لسماع كلمة “يا ماما”. وعند الوداع، اختصرت أملها بكلمتين: “هانت، هانت”.  تكشف هاتان المقابلتان عن واقع تتراكم فيه الانتهاكات، من القمع الجسدي إلى الإهمال المعيشي، لكنهما تكشفان في الوقت ذاته عن قوة إنسانية استثنائية.

في سجن الدامون، لا تُقاس مقاومة الأسيرات فقط بقدرتهم على الصمود، بل بتمسكهن بالحب، والذاكرة، والهوية، رغم القيود، وعلاقتهن المرتبطة بالأهل والأبناء والأحبة وأمل الحرية أيضًا. وتذكر وكالة وفا أنه حتى مطلع خريف ۲۰۲۵، يقبع في السجون الإسرائيلية أكثر من ۱۱,۰۰۰ أسير فلسطيني، وهو أعلى عدد يسجَّل منذ اندلاع الانتفاضة الثانية عام ۲۰۰۰، بحسب بيانات المؤسسات الحقوقية الفلسطينية. هذا الرقم لا يشمل الفلسطينيين المحتجزين في معسكرات الجيش الإسرائيلي خارج السجون النظامية.

من بين هؤلاء الأسرى، يبلغ عدد الأسيرات الفلسطينيات حوالي ۴۹ امرأة (بما في ذلك اثنتان من قطاع غزة)، وقد احتُجزن في سجون مثل سجن الدامون وغيره .إلى جانب ذلك، تشير الإحصاءات إلى وجود مئات الأطفال الفلسطينيين في السجون (أكثر من ۴۰۰ طفل)، وأن هناك آلاف المعتقلين تحت نظام “الاعتقال الإداري” (دون تهم أو محاكمة)، ما يجعل ظروف الاحتجاز والمعاملة موضوع اهتمام حقوقيين دوليين. تُظهِر هذه الأرقام أن الأسيرات يشكّلن نسبة تختلف في قضاياهن، من العزل المنزلي، الاعتقالات للضغط على الأسير.

بنفسج