اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
وقعت مشادة حادة بين الطفلين يوسف وحمزة في إحدى المدارس القومية بالقاهرة، بعد أن كسر حمزة “المسطرة” الخاصة بيوسف بغير قصد، مما تطور إلى اشتباك بالأيدي..
لكن اليوم التالي شهد مفاجأة حين جاء الثاني بواحدة جديدة، مما أثار ذهول يوسف ووالدته، التي اكتشفت أن زميله لم يكتف بجلب الأداة الجديدة وحسب، ولكنه أيضا قام بجلب “فيشار” على سبيل الاعتذار، تحكي صفاء الإتربي، والدة يوسف للجزيرة نت: “قبل يوم واحد من هذا الاعتذار كان ابني يحكي عن كراهيته للمدرسة وللفصل ولزميله وللتعليم عموما، لكنني فوجئت بموقف والدة الطفل التي يبدو أنها لم تسمع القصة من ابنها وحسب، ولكنها دفعته إلى واحد من ألطف التصرفات التي غيرت من حالة ابني ۱۸۰ درجة حتى إنهما صارا أصدقاء مقربين لاحقا، تصرف واحد غير نفسية ابني من النقيض إلى النقيض”.
يعرف “اللطف” بأنه اختيار القيام بشيء لأنفسنا أو للآخرين بدافع من مشاعر حقيقية ودافئة، وهي عادة لا تكون أمورا عظيمة، فيمكن لأمور صغيرة وبسيطة جدا أن تصنع فارقا، ورغم المعروف الكبير الذي يسديه اللطف إلى الآخرين، فإنه يساعد الشخص اللطيف نفسه، حيث يدعم صحته العقلية والنفسية، ويزيد من ثقته بنفسه، ليس هذا فحسب، فالتعامل اللطيف من شأنه أن:
يصادف أن الكاتبة ورسامة قصص الأطفال آلاء عرفة، تعمل كمعلمة للتربية الفنية أيضا بإحدى المدارس الابتدائية، مما جعلها شاهدة على ما يفعله اللطف في المسار التعليمي والتربوي للأطفال داخل المدرسة، تقول للجزيرة نت: “الأطفال الأصغر سنا عادة ما يكونون أكثر لطفا من الطلاب في الأعمار الكبيرة، لاحظت أنه مع الوقت ينظر الطلبة الأكبر عمرا للتصرفات اللطيفة باعتبارها تصرفات أطفال، حتى تتحول التعاملات العادية إلى ساحة معارك، يتعامل خلالها الطالب كمتصارع يسعى للانتصار، بهدف إثبات النفس”.
وتابعت “كما أنه مع الوقت يتم النظر إلى الطالب اللطيف الذي يتعامل بالحسنى على أنه ضعيف، هكذا يتخطى زملاؤه دوره، ويستغلونه بقوة، والتفاصيل ذاتها تنطبق على المعلم اللطيف، حيث يختبره الطلاب بمزيد من الشغب في حصصه مقارنة ببقية المعلمين”.
تتجلى مظاهر اللطف بين الطلاب بحسب آلاء في مجموعة من التصرفات العفوية بين الطلاب، تعددها بقولها: “يظهر اللطف داخل المدرسة في كلمات الشكر والامتنان، مشاركة الزملاء بود في الأنشطة، والمساعدة، وأيضا في يظهر اللطف في خطابات الشكر والتقدير والتعبير عن الحب التي يتم توجيهها إلى المدرسين، وتضيف: “عادة ما تكون البنات أكثر لطفا من الذكور، وإن كان هناك أولاد يتميزون باللطف أيضا”.
تحاول آلاء، صاحبة عشرات القصص المنشورة، أن تسهم عبر حصة التربية الفنية في نشر سلوكيات إيجابية، ودعم الطلاب الذين يتميزون باللطف على طريقتها، تقول: “يمكن دعم الطالب الذي يتصرف بلطف وتعزيز سلوكه بالثناء عليه مع التأكيد على أنه إنسان جميل ويجب أن نتصرف على طريقته، وبما أنني أدرس الأطفال مادة تعبير فني، فإني أحرص على أن تعكس أفكارهم ومشاعرهم، مع اقتراح موضوعات حول التعاون مع الآخر وتعزيز الصداقة، وغير ذلك من الموضوعات، فضلا عن حكي القصص كما هو الحال مع قصتي “ميما”، والتي تدور حول فتاة رقيقة تعيش حياة مختلفة مع سماعة أذن، ويتقبلها الأطفال بشكل طبيعي، ويتبادلون التصرفات اللطيفة، مثل تلك القصص تنشر مشاعر اللطف بين الأطفال بشكل محبب من دون وعظ مباشر”.
يمتد تأثير التصرفات اللطيفة إلى آفاق غير متوقعة، فبحسب دراسة بعنوان: “الفوائد الصحية العقلية للمدارس الموجهة نحو اللطف” خلص باحثون عام ۲۰۲۲ إلى ارتباط اللطف المدرسي بأبعاد الرفاهية مثل المشاعر الإيجابية وتحسين الأعراض الاكتئابية وتحسين نتائج التعلم الأكاديمي والاجتماعي والعاطفي للطلاب، ربما لهذا طورت مؤسسة الصحة العقلية في المملكة المتحدة عام ۲۰۱۵ برنامجا بعنوان “مشروع تعليم الأقران” (PEP) والذي تضمن دليلا لمساعدة المعلمين على القيام بدور فعال في نشر اللطف، عبر مجموعة من الأنشطة والفعاليات، أبرزها:
تشجيع الطلاب على الاحتفاء بالزملاء المختلفين، من ذوي الاحتياجات الخاصة، أو الديانات والجنسيات المختلفة، أو من يعانون صعوبات عبر مساعدتهم ومنحهم الاهتمام والترحيب بهم.
منح جوائز ومكافآت للطلبة الذين نجحوا في إنجاز تصرفات لطيفة والثناء عليهم أمام زملائهم كشكل من أشكال التحفيز الإيجابي.
تنظيم فعاليات خيرية داخل الفصل، أو بالتعاون بين طلاب المدرسة، ووضع تحديات لممارسة الأفعال اللطيفة بين الطلاب بعضهم وبعض مثل ترك رسائل لطيفة على مقاعد الزملاء، تعريف الطلبة بفكرة التطوع وممارسة بصحبتهم ليوم وليكن في يوم التطوع العالمي.
تشجيعهم على الابتسام، واعتياد قول أهلا للناس الذين يمرون بهم كل يوم على الطريق، وكذلك لزملائهم والعاملين بالمدرسة.
تشجيعهم على منح مقعدهم في وسائل المواصلات لمن يحتاجه أكثر منهم، والتخلي عن فكرة الجلوس في مقدمة الفصل لصالح الأطفال الأقصر قامة، أو من يعانون ضعفا في النظر.
تشجيعهم على المساهمة في أعمال النظافة عموما، سواء بالمساعدة في تنظيف المنزل أو أعمال البستنة الخاصة بالبيت، أو المساعدة في جمع القمامة في ساحة المدرسة.
التواصل مع صديق لم يتواصلوا معه منذ فترة، وتشجيعهم على الاتصال بزملائهم الذي يتغيبون فجأة أو لفترة عن الدراسة.
حثهم على التبرع بملابسهم وألعابهم غير المستخدمة لدور الأيتام.
منحهم فكرة لمساعدة صديق أو قريب في أداء واجبه المنزلي أو فهم جزئية غير واضحة.
التطوع في أحد الأنشطة الخيرية القريبة لمساعدة كبار السن أو المشردين أو الأيتام.
التأكيد على أن الاعتذار عن الخطأ من شيم الفرسان.
المصدر : الجزيرة