ضعف مواجهة المأذونين المحتالين يعمق أزمة زواج الأطفال بمصر

تتورط الكثير من الأسر المصرية في زواج القاصرات، خصوصا في المناطق الريفية والشعبية، وذلك باللجوء إلى شخص يقدم نفسه على أنه مأذون، ولا يتشدد في الإجراءات وينفذ ما يُطلب منه دون إرهاق الأسرة بمطالب تعجيزية. وينمي هذا السلوك انتشار المأذونين المزيفين الذين يلعبون دورا في بروز ظاهرة زواج القصر. ويرى متابعون للظاهرة أن جزءا من الأزمة يرتبط بغياب الوعي وصعوبة اكتشاف الأسر للمأذون المزيف.

 جددت نقابة المأذونين المصريين تكرار التحذير من استمرار تزويج قاصرات من خلال أشخاص ينتحلون صفة مأذون، ما عكس لأي درجة تتعامل الحكومة ومجلس النواب مع ملف “المأذون المحتال” باستخفاف، دون اتخاذ إجراءات صارمة تمنع وقوع انتكاسة أسرية، عندما يقع الرجل والمرأة ضحية لشخص لا تعترف به الدولة، ويقدم نفسه للمجتمع على أنه مأذون شرعي.

أقرت نقابة المأذونين بأن بعض منتحلي الصفة يقومون بإبرام عقود زواج لأطفال دون بلوغهم السن القانونية، وتلك ظاهرة بدأت تنتشر في بعض المناطق الريفية والشعبية في أقاليم مصرية المختلفة، داعية الأسر إلى التأكد من هوية المأذون قبل الاستعانة به في عقود الزواج، كي لا يقع الأهل فريسة لعملية احتيال يجعل الزواج في نظر الدولة غير معترف به، وكل ما ينتج عنه من إجراءات عند توثيق العقود.

وأعادت نقابة المأذونين الحديث حول حتمية تطبيق إجراءات الزواج المميكنة التي يصعب التلاعب بها، أو تسلل المحتالين إليها، إذا كانت هناك جدية في التعامل مع الملف بصرامة، محذرة من أن القوانين التي تصدر وتجرم زواج القاصرات يتم التحايل عليها من خلال شريحة من الأشخاص يقدمون أنفسهم على أنهم مأذونون، مع أنهم غير شرعيين وليسوا أعضاء في النقابة، ولا يحق لهم إبرام عقود زواج لأحد.

خطورة المأذون المزيف تتجاوز مجرد إبرام عقود زواج لفتيات لم يتجاوزن السن القانونية، بل هناك أزمات أسرية أكبر من ذلك

وما يدعم تلك التحذيرات أن الأجهزة الأمنية في مصر تضبط مأذونين مزيفين على فترات متقاربة، وتحيلهم إلى النيابة العامة للتحقيق معهم بتهمة إبرام عقود زواج بالمخالفة للقوانين، لأنهم ليسوا حاصلين على رخصة مزاولة المهنة ولا تعترف بهم النقابة، وبحوزتهم سجلات زواج مزيفة، ويوهمون الناس بأنهم يعملون مع مأذونين شرعيين، لكن المعضلة في غياب الوعي الأسري حول آلية التأكد من هوية المأذون.

وينتشر المنتسبون إلى نقابة المأذونين في البلاد على نطاق واسع، ويستغلون ثغرة الظروف المعيشية الصعبة للمواطنين، لذلك لا يتشددون في الحصول على مستحقات مالية مرتفعة نظير إبرام عقود الزواج، أما لو كانت الفتاة لم تصل بعد إلى السن القانونية، فإنهم يمررون الزيجة دون أن يطلبوا وثائق ثبوتية من أسرتها، لذلك تلجأ الكثير من العائلات إلى تلك الفئة لإضفاء مشروعية على الزواج، ثم يصطدمون بأنهم مزيفون.

وتطال الاتهامات بعض المأذونين الشرعيين بأنهم يستعينون بأشخاص للعمل معهم، ومنحهم دفاتر رسمية وأختاما لمنحهم مشروعية، ثم يتم تقاسم المبالغ المالية التي يتم الحصول عليها من الأسرة، في حين تقول نقابة المأذونين إنها لا تستطيع إثبات تلك الاتهامات بشكل قاطع لأن الثغرات عديدة، وليس دورها أن تقوم بدور الأجهزة المختصة في محاربة ظاهرة الدخلاء على المهنة لأنها لا تجد مساعدة من الحكومة.

وكثيرا ما يكون خوف المأذون الشرعي المعتمد لدى وزارة العدل من خسارة الوظيفة أو الحبس في حال إبرام عقد زواج لفتاة لم تبلغ السن القانونية، دافعا أمام العديد من الأهالي في المناطق الريفية والشعبية إلى اللجوء إلى شخص يقدم نفسه على أنه مأذون، ولا يتشدد في الإجراءات وينفذ ما يُطلب منه دون إرهاق الأسرة بمطالب تعجيزية، وفي الواقع هو مزيف ولا يُكتشف ذلك إلا بعد إبرام العقد والزواج وربما إنجاب أبناء.

ويرى متابعون للظاهرة أن جزءا من الأزمة يرتبط بغياب الوعي وصعوبة اكتشاف الأسر للمأذون المزيف، خاصة أن أغلب الأشخاص الذين ينتحلون الصفة يكونون من أئمة المساجد الذين يتعامل معهم البسطاء على أنهم الفئة الأكثر صدقا وثقة، ويوهمون الناس بأنهم يضفون على الزواج طابعا إسلاميا، والمهم الإشهار وليس عقد الزواج، وهو منطق السلفيين الذين يروجون لزواج الصغيرات بذريعة العفة والشرف والسُترة.

وبينما تطالب نقابة المأذونين بالتخلي عن الطرق التقليدية في إبرام وتوثيق العقود واستبدالها بإجراءات رقمية يصعب اختراقها، تتحجج بعض الجهات الرسمية بعدم وجود بنية تكنولوجية لتطبيق مشروع رقمنة إجراءات الزواج بشكل كامل كحل جذري للقضاء على المزيفين في المهنة، ما يمهد لاستمرار عمليات الاحتيال وتزويج الصغيرات في غياب وقفة جادة من قبل الحكومة لوضع حد لتلك التجاوزات باعتبارها خطرا على أمن المجتمع.

الخطر الأكبر يمس النساء المصريات أكثر من الرجال، فقد تتزوج المرأة وتُنجب وعندما تقرر الانفصال تكتشف أنها لم تتزوج رسميا

وتتجاوز خطورة المأذون المزيف مجرد إبرام عقود زواج لفتيات لم يتجاوزن السن القانونية، إلى أزمات أسرية أكبر من ذلك اكتشاف بعض النساء أن زواجهن غير موثق، والأخطر أن بينهن من تلجأ إلى الطلاق وتكتشف أن مصلحة الأحوال المدنية المعنية بتوثيق عقود الزواج والطلاق وكل ما يرتبط بالأحوال الشخصية، تصنفها على أنها لا تزال امرأة عزباء في نظر الدولة، أي أنها لم تُسجّل كمتزوجة من الأساس.

والمشكلة الأكبر أن بعض رجال الدين وشيوخ الجماعة السلفية أوهموا فئة في المجتمع المصري بأن الزواج على يد مأذون مزيف صحيح من الناحية الشرعية طالما استوفى الشروط من ناحية الإشهار، وباعتبار أن الشريحة الأكبر من المواطنين في مصر متدينة بالفطرة، فإنها لا تجد غضاضة في مسألة التوثيق طالما أن الزواج صحيح، وهناك بعض الأسر تكتفي بوثيقة الزواج دون السؤال عنها بعد ذلك للتأكد من أنها أصبحت موثقة في سجلات الدولة.

أكد نقيب المأذونين في مصر إسلام عامر أن مشكلة المأذون المحتال في مصر متشعبة، وتحتاج إلى تدخل رسمي عاجل، لأن الأزمات الأسرية التي تترتب على ذلك تكون عصية على الحل، فهناك مشكلات مرتبطة بإثبات النسب، أو حقوق المرأة عندما تكتشف عند الطلاق أنها ليست متزوجة، إضافة إلى أزمة تزويج الصغيرات وطلاقهن قبل بلوغهن السن القانونية، أي أن المخاطر متشعبة وشديدة التعقيد.

وأضاف لـ”العرب” أن الأسر عليها العامل الأكبر لاكتشاف المأذونين المزيفين بأن يُطلب منهم إثبات هوياتهم للتأكد من طبيعة عملهم، بالاطلاع على الهوية الشخصية لكل منهم، ولا يجب أن يقبل والد الفتاة بأي مأذون يأتي به الشاب، لأنه قد يكون بينهما اتفاق مسبق على الزيجة بعقد مزيف، وتكتشف الفتاة بعد ذلك أنها ليست متزوجة، وهناك حالات شبيهة عانت في المحاكم للحصول على حقوقها وإثبات الزيجة.

ويمس الخطر الأكبر النساء المصريات أكثر من الرجال، فقد تتزوج المرأة وتُنجب وعندما تقرر الانفصال تكتشف أنها لم تتزوج رسميا، أو تُجبر فتاة صغيرة لم تصل إلى السن القانونية على الزواج، ثم تصطدم بأن الشاب يُنكر الأبناء، ويتبرأ من الزواج، ما يكشف حجم المخاطر التي لم تنتبه لها الحكومة بعد، أو لا تجد لها حلولا جذرية.

المصدر: العرب