اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
“ما فرقته الحرب جمعه الطعام”، يعد هذا التعبير الأقوى عن المساندة المجتمعية للنازحين من الجنوب، والتي كان على رأسها موائد الطعام الممتدة، التي أسستها نساء بيروت لطهو الطعام وتقديمه ساخنا لأهالي الجنوب، في زمن الحرب لا ينظر للطعام باعتباره وجبة تسد الرمق فقط، لكنه الأمان والراحة والباعث على الأمل في خاتمة أخرى غير التي يتوقعها الجميع، لذا كان مطبخ “ماما إيزو”، السيدة اللبنانية التي تعمل في مجال طهي الطعام، والترويج للأواني الصحية، علامة فارقة وباعثا يوميا على الأمل والشعور بالدفء منذ اندلاع الحرب وبداية الهجوم الصهيوني، حين قررت “ماما إيزو” أن تخصص طهيها اليومي لنازحي المخيمات.
“إن شاء الله محنة ومارقة”، تقول “ماما إيزو” للجزيرة نت، عن حالة التكاتف والدعم التي تقدمها نساء بيروت لأهل الجنوب، مضيفة أن لبنان عانى طويلا من ويلات الحروب، وهذه ليست المرة الأولى التي تمر فيها تلك الظروف على الشعب اللبناني “تعلمنا طيلة سنوات الحروب الماضية أن لا حدا بيعتل همنا إلا نحنا (لا أحد يحمل همنا إلا نحن)، لذلك نحنا اليوم يدا بيد سوا في كل مناحي الحياة من طعام وشراب ودراسة ومذاكرة لأطفال المخيمات، الحياة بلبنان لن تتوقف إلا إذا ما ضل لبناني واحد على أرض بيروت”.
في محاولات دائمة للتكيف، تحاول سيدات لبنان عبر قنوات الطهي الخاصة بهم على موقع الفيديوهات يوتيوب أن ينقلن صورة لما يحدث في الجنوب اللبناني، فتقدم صفحة “أكلات لبنان” صورة حية للمطبخ اللبناني تحت القصف، قبل الحرب لم تظهر السيدة بوجهها أبدا، لكن مع بداية القصف، قررت السيدة اللبنانية أن تظهر في مقاطع فيديو مصحوبة بتعليقات عن الأحداث اليومية التي تحدث تحت نير الضربات الموجهة للجنوب اللبناني، فحملت فيديوهاتها عناوين لا تصف الأكلات نفسها، بقدر ما تصف الحالة “مبارح ما نمنا والله يستر كل الوقت عالأخبار، عملت أكلة ما بدها غاز ولا فرن ولا حول ولا قوة إلا بالله”.
لم يصل القصف بعد لمنزل السيدة اللبنانية، لكن أصوات الحرب تصل إليها من التلفاز ومن الأصوات البعيدة، للطبخة التي تعدها المرأة في منزلها، استخدمت آلة التقطيع الكهربية لتقطيع الخضار، لكنها تابعت “إذا كان استخدام الكهرباء غير متوفر يمكن تقطيع الخضار باليد”، حمل مقطعها لتجهيز وجبة في وقت الحرب اعتذارا منها للعالم الذي ربما لن يجدوا ما توفر لديها فصنعت منه طعاما لأطفالها.
في فيديو آخر كانت السيدة اللبنانية تواصل محاولات طمأنة جمهورها عن الأحوال بلبنان، ولكن تعابير وجهها أظهرت مزيدا من القلق هذه المرة، وهي تخبر جمهورها أنها تقوم بتصوير الفيديوهات كي تطمئن جمهورها على الأحوال بلبنان حتى وإن كانت هي نفسها غير مطمئنة “الظاهر مقبلين على الأسوأ.. شوفوا كيف نقضي أيامنا والوضع العام بلبنان”.
وتغيرت وصفات الطعام التي تقدمها قناة أكلات لبنانية عبر يوتيوب، وصارت الوصفات أكثر استخداما للمتاح من خضار وبقول، وأقل اعتمادا على اللحم والدجاج، وتقول السيدة اللبنانية إنها تفضل في هذه الأيام “شوربة العدس” التي هي من أكثر الأكلات إشباعا وأقل في التكلفة واستخداما للغاز، تحاول الطاهية إضافة الليمون الحامض ومزيج من التوابل المختلفة إليها في كل مرة لتضيف إليها نكهات متنوعة تساعد أطفالها على تقبلها في كل مرة تعدها في أيام الحرب.
عبر موقع الفيديوهات القصيرة تيك توك، قدمت صاحبة أشهر محتوى طبخ لبناني “أم ميلانا” فيديوهاتها التي تقدم فيها يومياتها لعمل وجبات الطعام اليومية لنازحي المخيمات، منذ اليوم الأول للحرب في لبنان “نحن القمح والمي وأهل جنوب وأصحاب الأرض”، على نغمات الأغنيات الحماسية تقدم الطبيبة اللبنانية، إيمان حمدان وطفلتها ميلانا الفيديوهات اليومية لإعداد الطعام، تحفظها أغنيات جوليا بطرس “ما بتنقص حبة من ترابك يا جنوب”، تقدم إيمان وجبات الطعام بالتعاون مع جمعيات أهلية لبنانية تتحمل تقديم المؤن التي يحتاجها أهل الجنوب النازحين بالمخيمات أو القابعين في الأنفاق تحت الأرض.
رغم قسوة الحرب وآلامها، يبقى المطبخ اللبناني مثالا على الصمود والإبداع في مواجهة الظروف الصعبة. من بيروت إلى الجنوب، تتواصل جهود النساء اللبنانيات في صنع الطعام، ليس فقط لإشباع البطون، بل لبث الأمل والطمأنينة في النفوس. فبين كل وجبة تُعد، وكل وصفة تُقدم، تتجسد روح الحياة والتضامن في أبهى صورها.
المصدر : الجزيرة