اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
بينما يحتفي العالم بأكتوبر كشهر التوعية من سرطان الثدي بتنظيم فعاليات تتخذ من اللون الوردي شعارا لحث النساء على الفحص الدوري والمبكر، ينهش المرض جسد نساء كثيرات في غزة، وجدن أنفسهن في مواجهة مع السرطان ومعاناة النزوح والتشرد.
ويعيش الجرحى والمرضى، وتحديدًا مرضى السرطان، أوضاعًا مأساوية في قطاع غزة، في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على القطاع، وانهيار المنظومة الصحية، ونقص الإمكانيات والمستلزمات الطبية وإغلاق معبر رفح البري من قبل الجيش الإسرائيلي.
وتقول الكاتبة التونسية وطالبة الطب ثروة بوليفي في تقرير لموقع عرب دايجست، إن اللون الوردي أصبح سائدا في مرافق الرعاية الصحية مع قدوم شهر أكتوبر. واكتست به المستشفيات والعيادات ومكاتب الأطباء والصيدليات وكليات التمريض والحرم الجامعي.
وعُلّقت ملصقات منظمة الصحة العالمية للتوعية بسرطان الثدي، وتنوعت منشورات حول فحص سرطان الثدي المتناقلة. وتصوّر ملصقة في رواق جامعتها نساء من القارات الأربع، في صحة وسعادة.
منع الجيش الإسرائيلي لآلاف المرضى من تلقي العلاج اللازم خارج غزة بمثابة حكم بالإعدام الميداني عليهم
وأضافت بوليفي “كان هذا التركيز يسعدني في الماضي. لكنني لم أعد أفرح وأنا أرى اعتماد جميع وسائل التواصل لنشر الوعي وإشراك العاملين المستقبليين في مجال الرعاية الصحية في فعاليات منظمة الصحة العالمية. أرى اليوم هذه الحملات تفتقر إلى المصداقية. فبينما تشجع هذه الأحداث نساء العالم الغربي على التوجه نحو مرافق الرعاية الصحية حيث يتلقين الدعم المعنوي والخدمات من الوقاية إلى العلاج، لا تستطيع النساء الفلسطينيات طلب هذه الرعاية لأسباب عديدة”.
ويبقى السرطان موضوعا حساسا في فلسطين وفي معظم أنحاء العالم العربي. وتمنع الحرب الحالية الرعاية والعلاج عن مستحقيه. ولكن هذا الحرمان ليس جديدا. فقبل هذه الحرب الأخيرة بوقت طويل، أصدرت الصحافيتان الفرنسيتان ألين فونتين وكارولين ليدوك فيلما وثائقيا في ۲۰۱۴، بعنوان “ورم في غزة”. وتعمقتا في الحياة اليومية للنساء الفلسطينيات المصابات بسرطان الثدي.
ولاحظت فونتين خلال التحقيق الذي قادته في قطاع غزة أن النساء المصابات بسرطان الثدي كن سعيدات إلى حد ما لأن شخصا ما كان مهتما بقصصهن وتجاربهن، حيث “لا يهتم أحد تقريبا،حتى في غزة، بهؤلاء النساء وصحتهن”.
وكان سرطان الثدي سببا في وفاة واحدة من كل امرأتين مصابتين بهذا الداء سنويا، حسب البيانات التي خلصت إليها الصحافيتان الفرنسيتان قبل عشر سنوات. بينما لا تتجاوز النسبة في الغرب، على سبيل المقارنة، ۱۰ في المئة. ويرجع معدل الوفيات المرتفع أساسا إلى أن هؤلاء النساء الفلسطينيات يجدن أنفسهن مضطرات إلى التعايش مع مرضهن في خضم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المتواصل. وتتركز الموارد الطبية المحدودة في فترات “ما بين الحروب” على علاج حالات الطوارئ. وليس لسرطان الثدي أولوية. وتفاقمت هذه المعاناة بسبب الحصار البري والبحري والجوي الذي فرضته إسرائيل على قطاع غزة في يونيو ۲۰۰۷٫
نقص المعدات الطبية تحد آخر للنساء الفلسطينيات المصابات بسرطان الثدي إضافة إلى الشح في جرعات العلاج الكيميائي
ويزيد هذا العائق أمام حقوق الإنسان الأساسية من إبطاء إيصال المعونة الدولية، بما يشمل الأدوية والعلاجات الطبية. ودفع هذا الأمر المستشفيات العامة، بما في ذلك مستشفى الشفاء الذي كان أكبر وأهم مستشفى إحالة في غزة (وهو الآن في حالة خراب بسبب حرب الدمار الإسرائيلية)، إلى التكيف مع النقص المزمن في جرعات العلاج الكيميائي، التي تُعطى دائما بكميات صغيرة جدا.
وخُصصت قائمة انتظار للمرضى. ولم تتلق سوى أول ۳۰ امرأة مسجلة العلاج. وأكدت ليدوك أن النساء اللاتي تلقين العلاج لم يتجاوز هذا العدد. أما الجرعات التي توفرت في الصيدليات فقد كانت من نصيب من هنّ أكثر حظا، حيث تكلّف كل واحدة منها ۳۵۰ يورو.
وأشار الفيلم الوثائقي إلى أنه “لا يوجد ضمان اجتماعي في غزة، وتعيش هؤلاء النساء على ۱٫۵۰ يورو فقط في اليوم”.
وإضافة إلى الشح المنتظم في جرعات العلاج الكيميائي، كان نقص المعدات الطبية تحديا آخر للنساء الفلسطينيات المصابات بسرطان الثدي. وتُفحص ۳ آلاف امرأة فقط من أصل ۱۵۰ ألفا سنويا، بتصوير الثدي بالأشعة السينية في مستشفى الأهلي الخاص (الذي دمرته الغارات الإسرائيلية أيضا). لكن الفحص الأكثر اكتمالا والعلاج الإشعاعي لم يتوفرا في غزة حتى قبل الحرب الحالية.
واضطرت النساء الفلسطينيات إلى السفر إلى إسرائيل بعد حصولهن على تصريح نقل. وكتبت الصحافيتان “إنهن ينتظرن أحيانا شهرا للحصول على رد، وليس التصريح مضمونا”. وتطرقت فونتين إلى الظروف الصعبة التي تفرضها إسرائيل، والتي تسعى فيها النساء الفلسطينيات المصابات بسرطان الثدي إلى البقاء على قيد الحياة. وقالت إن “كل شيء يستغرق الكثير من الوقت في غزة”.
لكن أمكن تنظيم ورش عمل للتوعية في۲۰۱۲ بقيادة النساء الفلسطينيات رغم العقبات، بما في ذلك المواقف الأبوية السائدة. وتدربت المشاركات على رفع مستوى الوعي بين سكان غزة حول سرطان الثدي.
ولم تتردد النساء في التنقل بين المنازل لنشر المعرفة. وذكر الفيلم الوثائقي أن جل النساء “لا يعرفن شيئا عن هذا المرض”. ويجب على النساء في هذا المجتمع التقليدي رعاية المنزل وأسرتهن. وغالبا ما يتخلى عنهن أزواجهن إذا مرضن، فهم يخشون أن يكون السرطان معديا لهم أو لأطفالهم من خلال النوم على نفس السرير مع المصابة. وكافحت النساء ضد الجهل والنقص الحاد في العلاج. ثم تغير كل شيء في ۷ أكتوبر، مع هجوم حماس والانتقام الوحشي الإسرائيلي.
وأوضحت بوليفي “أتذكر نساء الوثائقي الشجاعات عندما أنظر إلى ملصقات منظمة الصحة العالمية في جامعتي. من التي قُتلت ومن التي أصيبت في العدوان؟ كم عدد المصابات بالسرطان اللاتي خسرن المعركة أو شهدن تقدم المرض دون رادع بسبب غياب العلاج؟”.
وتابعت “ليس في هذا الشهر الوردي أيّ شيء وردي أو مشرق في غزة. إنه شهر أحمر دموي بسبب الإبادة الجماعية التي طالت النساء على أرضهن. أتساءل، بصفتي شابة من شمال أفريقيا وطالبة طب، عن نساء شمال الكرة الأرضية. أفكر في الناشطات اللاتي يعملن على التوعية بسرطان الثدي. أين ومتى يتحدثن عن الفظائع التي تشهدها النساء في فلسطين؟”.
وكشفت بيانات وزارة الصحة أن سرطان الثدي هو أكثر أنواع السرطان شيوعا في فلسطين، إذ تم تسجيل ۵۴۶ حالة سرطان ثدي جديدة في الضفة الغربية خلال عام ۲۰۲۳، وبمعدل حدوث بلغ ۱۸٫۶ حالة لكل ۱۰۰ ألف من السكان، فيما لا تتوفر معلومات دقيقة عن وضع المرض في قطاع غزة بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر.
وأضافت الوزارة في بيان صحفي، عشية انطلاق فعاليات “شهر أكتوبر الوردي” للتوعية حول سرطان الثدي، أن معاناة مرضى السرطان تفاقمت في قطاع غزة في ظل العدوان ومنع دخول الدواء إلى قطاع غزة، مشيرة إلى أن مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني وهو المستشفى الوحيد الذي يقدم خدمات السرطان في غزة، توقف عن العمل بسبب الاستهداف المباشر له من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
وصرح الدكتور محمد أبوندى رئيس مستشفى الصداقة التركي المختص في علاج مرضى السرطان في قطاع غزة “حاصر الجيش الإسرائيلي المستشفى مع بداية الحرب على غزة، وقام بتدمير أجزاء واسعة منه، إذ حرم حوالي ۱۲ ألف مريض سرطان من تلقي العلاج وجرعات الكيميائي وأجبر الكثير منهم على الخروج من المستشفى بعد أن حوله الاحتلال إلى ثكنة عسكرية قبل تدميره بشكل كامل”.
وأضاف أبوندى أن “مرضى السرطان يشعرون بمعاناة شديدة جدًا في ظل عدم توفر علاج أو بدائل لعلاجهم داخل القطاع، إذ أننا يوميًا نفقد مرضى مصابين بالسرطان من دون القدرة على توفير أيّ خدمة علاجية”.
وتابع “مع استمرار إغلاق معبر رفح بسبب السيطرة الإسرائيلية وبسبب العملية العسكرية على مدينة رفح، ازداد الوضع صعوبة وسوءًا؛ إذ يمنع الجيش الإسرائيلي آلاف المرضى من تلقي العلاج اللازم خارج قطاع غزة”، موضحًا أن “هذه القرارات بمثابة حكم بالإعدام الميداني لهؤلاء المرضى، وتحويل حياتهم وحياة ذويهم إلى جحيم في ظل انعدام الأدوية والعلاجات اللازمة”.
وأوضح أبوندى أن ما نسبته ۳۵ في المئة وأكثر من حالات مرضى السرطان في القطاع هي لأطفال دون سن ۱۵ سنة.
المصدر: العرب