المرأة في الحروب والنزاعات.. عنف مضاعف بأكثر من شكل ونوع

تشكل النزاعات والحروب العامل الأكبر لتصاعد العنف ضد المرأة حول العالم، ومع كل شرارة حربٍ تندلع؛ تدفع النساء الثمن الأكبر منها، ليواجهن بذلك أشكالاً مختلفة من التمييز والاضطهاد والأذى الجسدي والنفسي وغيرها من الأساليب.

يبدو العالم اليوم، ككرة ملتهبة من الصراعات اللا متناهية تتأرجح بين حروب ونزاعات وأزمات مناخية آخذة بالتصاعد مع صعود القوى الاستبدادية المعادية للديمقراطية، ما يعزز أشكال العنف والتمييز ضد النساء ويجعلها المتضرر الأكبر من هذه الصراعات.

ومع اقتراب اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، تؤكد التقارير الإعلامية أن النساء حول العالم يدفعن الثمن الأكبر للحروب والصراعات المستمرة، فمن العنف إلى الاعتداء الجنسي إلى التشريد والفقدان؛ انتهاءً بالتأثير المضاعف على صحتهن النفسية والجسدية، جميعها تستخدم كأدوات بيد الأطراف المتصارعة.

ووفقاً لتقرير حديث لمنظمة الصحة العالمية، تتعرض واحدة من كل ثلاث نساء في العالم للعنف، بما في ذلك الاضطهاد والأذى الجسدي، ما يُعدّ انتهاكاً لحقوق الإنسان الأساسية.

السوريات وسنوات الحرب الطويلة

تواجه المرأة السورية منذ اندلاع الأزمة في ۱۵ آذار ۲۰۱۱، وحتى اليوم، آثار الحرب المستمرة، من تشريد وقتل ودمار، وجرائم تحت مسمى “الشرف”، فضلاً عن مساعيها للتحرير من أشكال العنف الأخرى التي تمارس بحقها، من إقصاء وتهميش واستبعاد من مراكز صنع القرار.

وتغيب الإحصائيات الدقيقة لمعدل العنف الممارس بحق المرأة في سوريا مع سيطرة قوى مختلفة على الأراضي السورية، إلا أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان أكدت في تقرير لها نشر في آذار ۲۰۲۴، أنها وثّقت مقتل قرابة ۱۶۴۴۲ امرأة منذ آذار ۲۰۱۱ وحتى آذار ۲۰۲۴٫

وطبقاً للتقرير، فإنَّ ما لا يقل عن ۱۰۲۰۵ امرأة لا يزلنَ قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد أطراف النزاع. مشيرة إلى “أن حكومة دمشق مسؤولة عن قرابة ۸۳ بالمائة من حالات الاعتقال والاختفاء القسري”.

أرقام مروعة في فلسطين ولبنان

الحرب المستمرة منذ السابع من تشرين الأول ۲۰۲۳ على غزة، أثرت بشكل كبير على الفلسطينيات اللواتي شكلن إضافة إلى الأطفال، القسم الأكبر من حصيلة القتلى الناجمة عن الحرب، بنسبة تصل إلى ۷۰ %، بينما تعيش الناجيات من القصف ظروفاً إنسانية قاسية، بما في ذلك التشرد والمجاعة. كما تعاني كثيرات منهن من أمراض نفسية وجسدية بسبب نقص الرعاية الصحية.

وذكرت الإحصائيات الأممية، التي تناولت الفترة من ۷ تشرين الأول ۲۰۲۳ إلى ۲۹ نيسان ۲۰۲۴، أن ما يُقّدر بـ ۶۳ امرأة، من بينهن ۳۷ أُماً، يقتلن يومياً، ويعتقد أن ۱۷,۰۰۰ طفل فلسطيني أصبحوا أيتاماً منذ بدء الحرب على غزة.

ولم تكن المرأة اللبنانية بمنأىً عن هذه الحرب، والتي امتدت إلى لبنان في ۲۳ أيلول الماضي، بين إسرائيل وحزب الله، حيث كشف صندوق الأمم المتحدة للسكان، أن ۵۲۰ ألف امرأة وشابة تأثرن بتصاعد حدة الصراع في لبنان منذ ۲۷ أيلول المنصرم، من بينهن أكثر من ۱۱ ألف امرأة حامل، في حاجة ماسة إلى الرعاية الصحية وخدمات أساسية أخرى، مع اضطرار أكثر من مليون شخص للفرار من منازلهم.

العراقيات في مواجهة قوانين تسنُّها سلطة أبوية

وشكلت السلطة الأبوية المهيمنة على النساء العراقيات نوعاً آخر من العنف ضدها مع صعود أصوات في البرلمان العراقي لتعديل قانون الأحوال الشخصية، والذي ينصّ على سماحه بتزويج القاصرات وحرمان الزوجة من حقوق النفقة والحضانة، بالإضافة إلى اعتماد النصوص الدينية مرجعاً للأحكام بدلاً من القوانين.

وأظهر إحصاء لوزارة التخطيط العراقية عام ۲۰۲۱، ارتفاعاً في نسبة تزويج القاصرات خلال عشر سنوات. فقد تزوجت “۲۵,۵ في المائة من النساء قبل بلوغهن ۱۸ سنة و۱۰,۵ في المائة قبل بلوغهن ۱۵ سنة”، بينما بلغت النسبتان عام ۲۰۱۱ على التوالي ۲۱,۷ في المائة و۴,۹ في المائة”.

المرأة اليمنية بين العنف وإعالة أسرتها

تمرُّ اليمن بإحدى أشد الأزمات الإنسانية حول العالم وفق توصيف الأمم المتحدة؛ إذ إنّ هناك الملايين من اليمنيين يحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدات، وبحسب تصريح لممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن (نيستور أووموهانغي) فإنّ النساء والأطفال يشكلون ما يقرب من ۷۶ % من النازحين في اليمن، ما يجعل المرأة في وجه مصاعب الحياة والنزوح في إعالة أسرتها.

كما يفيد صندوق الأمم المتحدة للسكان أنّ في صنعاء وعدن وحجة ما يقرب من ۸۰۰,۰۰۰ نازح هم من النساء والشابات اللواتي تراوح أعمارهنّ بين ۱۵ إلى ۴۹ عاماً، وبحسب التقرير، فإنّهنّ معرّضات لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي، كما أنّ النساء في اليمن هنّ المعيلات الرئيسات لثلث الأسر التي نزحت عن مناطقها ومنازلها بسبب الصراع.

أرقام مروعة للعنف ضد السودانيات

تواجه المئات من النساء والشابات السودانيات خلال الحرب المستمرة منذ نيسان ۲۰۲۳، لاعتداءات جنسية، مثل الاغتصاب والاسترقاق، التي تؤثر بشكل كبير على أوضاعهن النفسية، بالإضافة إلى مشكلات اجتماعية وصحية؛ تشمل هذه الحالات الحمل القسري والإجهاض، علاوة على وقوع العديد من حالات الزواج القسري.

ووفقاً لحملة “معاً ضد الاغتصاب” التي تأسست نهاية العام الماضي، وتضم عدداً من الشخصيات المدافعة عن حقوق الإنسان، في مجال رصد الانتهاكات والعنف الجنسي، بلغ عدد ضحايا الاعتداء الجنسي في السودان ۵۰۵ حالات خلال الفترة من منذ بداية الحرب وحتى ۳۰ تموز ۲۰۲۴٫

وبحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان، وصل عدد النساء والشابات اللواتي يمكن أن يتعرضن للعنف الجنسي والعنف المبني على النوع الاجتماعي في السودان إلى ۶٫۹ ملايين امرأة وطفلة في هذا العام.

أفغانستان.. صوت ووجه المرأة عورة!

يتواصل العنف على المرأة الأفغانية بأشكال مختلفة، فمن فرض النقاب كلباس ومنعهن من التعليم والعمل، وصلت أحدث فصول القيود التي تفرضها حركة طالبان على النساء إلى حظر سماع الأفغانيات أصوات بعضهن بعضاً!

وعدّ مراقبون هذا القرار انتهاكاً صارخاً لحقوق المرأة وأشد أنواع العنف الممارس بحقها والذي يمهد إلى محو وطمس هويتها وكيانها كإنسان، بينما قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن حركة طالبان خلقت أخطر أزمة لحقوق المرأة في العالم منذ توليها السلطة في أفغانستان في ۱۵ آب ۲۰۲۱٫

ويحمل العنف ضد المرأة أشكالاً وأوجهاً مختلفة تغلفها العديد من الأنظمة والمجتمعات بمصطلحات جذابة، نستعرضها لكم غداً في الجزء الثاني من الملف.

المصدر: شفقنا