اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
“أهانت رجولتي”.. هكذا برر زوج مصري قيامه بقتل شريكة حياته لمجرد أنها قررت رفع دعوى قضائية ضده بغرض الخلع، فأقدم على الانتقام منها دون أن يُبدي الندم على فعلته.
أصبح بعض الرجال في مصر ممن تُرفع ضدهم دعاوى خُلع يعتقدون ذلك، ولا يتساهلون مع هذا الفعل ويربطونه دائما بأنه يمس برجولتهم ويحط من كرامتهم.
على فترات متقاربة أصبح الناس يستيقظون في مصر على حوادث شبيهة، ضحيتها زوجة قررت إنهاء العلاقة الزوجية من خلال الخلع، ما يعكس مدى تمسك الرجال بأن يكونوا وحدهم أصحاب الكلمة في تقرير مصير الحياة الزوجية، وعدم الاعتراف بحق المرأة في اختيار الحياة الني تناسبها بعيدا عن شريكها.
لم تعد وقائع انتقام الرجل من زوجته مقتصرة على بيئة سكانية بعينها، وإنما صارت تطال الريف والحضر في مصر، مع أن حوادث القتل في المناطق الريفية من النوادر، لكن بعض الرجال يُقدمون على ذلك الفعل ضد زوجاتهم لمجرد تفكيرهن في إنهاء العلاقة بالخلع، ما يجعل الرجل منعوتا بعبارات وتوصيفات مسيئة في المحيط السكني.
وتتنوع أشكال الجريمة التي يرتكبها الزوج المخلوع بحق زوجته، فقد يقرر الرجل أن ينتقم بإنهاء حياتها، وآخر يُقدم على تشويه وجهها بحيث لا تستطيع الزواج من غيره بعد الخلع، وثالث يقوم بتهديدها بنشر صور خاصة لها أو التلويح بخطف الأبناء ومطاردة الزوجة في مقر عملها، المهم أنها لا تعيش مستريحة بعد الانفصال.
الزوجة نادرا ما تلجأ إلى الخلع كأول خطوة لإنهاء العلاقة الزوجية، لكنه غالبا ما يكون المسار الأخير الذي تسلكه
ونادرا ما تلجأ الزوجة إلى الخلع كأول خطوة لإنهاء العلاقة الزوجية، لكنه غالبا ما يكون المسار الأخير الذي تسلكه، حيث يرفض الكثير من الرجال تطليق المرأة بسهولة، ويتم ابتزازها لفترات طويلة، وعندما تيأس من مراوغة زوجها تضطر إلى رفع دعوى قضائية لخلعه، وهو ما يرفضه الرجل مهما كان سلوكه سيئا أو يصعب استمرار العلاقة معه.
أقدم مزارع في ريف محافظة البحيرة شمال القاهرة على قتل زوجته قبل أيام، بعد أن قررت رفع دعوى خلع، وبرر تصرفه أمام النيابة العامة بأنه شعر بالإهانة وأصيب بحالة جنون من الصدمة التي تعرض لها منذ أخبرته محكمة الأسرة بتحديد جلسة النطق بالحكم في قضية الخلع، وكان يعتقد أن زوجته تهدده فقط لكثرة الخلافات.
وهناك حادثة وقعت في قلب القاهرة، حيث أقدم رجل في العقد الخامس من العمر على قتل زوجته فور خروجها من عملها لمجرد أنها قررت إنهاء العلاقة بالخلع، فقرر أن ينتقم منها وسط المارة في الشارع، وجلس إلى جوار الجثة منتظرا قدوم الشرطة للقبض عليه، مؤكدا أنه أصبح يشعر بالسعادة وليس نادما على فعلته.
وتوحي نشوة الانتصار التي يشعر بها الرجل عقب الانتقام من زوجته بسبب الخلع بأن هناك صعوبة بالغة في نشر ثقافة حق المرأة في تقرير مصيرها بنفسها، دون أن تتذلل إلى زوجها لإنهاء العلاقة الزوجية، ما يظهر في اعترافات المتهمين بأنهم انتصروا لكرامتهم ورجولتهم وحافظوا على كيانهم أمام العائلة، ويصعب أن يظهروا ندما على ما حدث.
يرى متخصصون في العلاقات الاجتماعية أن جرائم الانتقام من الزوجات بسبب الخلع تعكس عدم قدرة الرجل الشرقي على أن يحمل لقب “المخلوع”، نتيجة ميراث ثقافي وفكري كرسته تلك المجتمعات بأن مساس المرأة بالنزعة الذكورية خط أحمر، وإذا تجرأت وتجاوزته فمن حق الرجل أن يحفظ كرامته بالطريقة التي ترضيه.
وإذا كان الرجل مسالما وتقبل فكرة أن تُقدم زوجته على الخلع، قد يضطر إلى الابتعاد عن كل المحيطين من الأصدقاء والمعارف وزملاء العمل، بالانتقال إلى العيش في منطقة لا يعرفه فيها أحد، لخوفه من التعليقات الساخرة التي تطارده بعد الخلع، وشعوره بأن رجولته قد اهتزت وسيكون من الصعب عليه الاستمرار في نفس البيئة.
العقوبات التي تصدر ضد الرجل المخلوع بسبب انتقامه تبدو مغلّظة وتصل إلى السجن المشدد وربما الإعدام
وجزء من أسباب انتقام بعض الرجال من زوجاتهم بعد الخلع شعورهم بصعوبة أن تقبل امرأة الزواج منهم مرة أخرى، إذ تترسخ عنهم قاعدة ثابتة بأنهم أصحاب طباع سيئة والحياة معهم محفوفة بالمخاطر، وتلك الصورة الذهنية عن الرجل المخلوع شائعة في الأوساط النسائية تحديدا، أما الرجل المطلق فلا تطارده النظرات الجارحة.
ولأن المخلوع يُعاني نفسيا ويشعر بأنه لم يعد يصلح للزواج أو تكوين أسرة جديدة، وتطارده التوصيفات المسيئة، يعتقد أن حياته انتهت عند هذا الحد، ليقرر الانتقام من المرأة التي كانت سببا في ما وصل إليه، حيث يتأثر بالنظرة التي تكرست عنه مجتمعيا، ويجد صعوبة في التأقلم مع الحياة.
ويعتقد متخصصون في الشؤون الأسرية أن التقاليد البالية عند بعض الأسر المحافظة، مع أعراف المجتمع عموما، سبب رئيسي في تصاعد غضب الرجل على الزوجة التي تقرر الخلع، بل إن العائلة نفسها قد تكون الداعم للرجل في طريقة انتقامه من المرأة بزعم أنها تجرأت على المساس برجولته وحطت من كرامته بإنهاء العلاقة بإرادتها.
قالت عبير سليمان الباحثة والناشطة في قضايا المرأة بالقاهرة إن هناك أزمة فهم لدى بعض الرجال لفكرة الخلع، فهي رد فعل طبيعي لرفض الطلاق، وما لم يقتنع الرجل بأن رفضه تطليق الزوجة عندما تطلب ذلك يمثل مساسا برجولته سوف تستمر الأزمة، فمن المفترض ألا يعيش مع امرأة تبغضه ولم تعد ترغب فيه.
وذكرت في تصريح لـ”العرب” أن الانتقام من الزوجة “الخالعة” يعكس العداء الذكوري لقانون الخلع نفسه، ورفض التأقلم معه تحت أي ظرف، بدليل أن غالبية الأسر لا تزال ترفضه وتتعامل مع المرأة التي تخلع زوجها على أنها متمردة مهما امتلكت من مبررات منطقية لإنهاء العلاقة، وهذا يغذي انتقام الرجل بسبب التعامل بحساسية مفرطة مع مفهوم الخلع.
ومع أن بعض الأزواج يتمسكون بعدم الطلاق للحفاظ على كيان الأسرة من الانهيار، لكن ذلك لا يعني سجن المرأة في منزل لم تعد ترغب في الاستمرار به، أو إجبارها على حياة ترفضها، ما يتطلب نشر الوعي حول حقها في الخلاص من العلاقة بالخلع، كما يحق للرجل أن يُنهيها بالطلاق، والمشكلة تكمن في عدم الاعتراف بالمساواة.
والعقوبات التي تصدر ضد الرجل المخلوع بسبب انتقامه تبدو مغلّظة وتصل إلى السجن المشدد وربما الإعدام، لكن الأحكام السابقة لم تردع كثيرا من المخلوعين، لذلك من المهم نشر ثقافة أن المرأة ليست ملكية خاصة للزوج ومن حقها اختيار توقيت وطريقة إنهاء العلاقة إذا كانت العِشرة مستحيلة، ويجب احترام رغبتها في الانفصال، بدلا من لجوئها إلى الخلع.
المصدر: العرب