الصحة النفسية بعد الحرب…ندوب يجب معالجتها

من أكثر الأحاديث الشائعة بين اللبنانيين العائدين من التهجير هي الصدمة النفسية التي تعرّضوا لها خلال فترة النزوح، والحالة النفسية التي يعيشونها بعد العودة، يعود ذلك لقساوة الحرب التي تركت أثرا موجعا في النفوس، خاصة لمن لم يجد مكانا يأويه بسهولة، إضافة إلى أصوات القصف والغارات العنيفة وما خلّفته الحرب من مشاهد الدمار المخيفة وخسارة الأحبة والذكريات الجميلة، كل ذلك يسلّط الضوء على أهمية التركيز على جانب الصحة النفسية للأفراد بمختلف أعمارهم، من أجل العودة إلى الحياة بشكل طبيعي وسليم كما كانت عليه قبل الحرب.

المعالجة النفسية حنان نصر رأت خلال حديث خاص مع وكالة “شفقنا”، أنّ الأشخاص الذين مرّوا بتجارب قاسية خلال الحرب معرّضون أكثر من غيرهم للصدمة النفسية، حيث خسروا أفرادا مقرّبين وبيوتا وأماكن عمل، فيها ذكريات جميلة، واعتبرت أنّ الفرد الذي تعوّد على مكانه وروتينه الخاص من الذهاب إلى المدرسة، وممارسة الرياضة وطهي الطعام، عندما تهجّر من المنطقة المتواجد فيها وذهب إلى مركز للإيواء، أو بقي عند أحد معارفه أو اضطر للاستئجار، شعر بالعبء الكبير، بمعنى أين كنت وأين أصبحت؟!

وقالت نصر: “تعرّض الفرد للضغط من كل النواحي سواء ماديا أو نفسيا أو معنويا، وحتى فيما يتعلّق بالمنطقة التي كان يتواجد فيها، ممّا عرض الشخص لصدمات كثيرة، وخلال الحرب هناك أفرادا عبّروا عن هذه المشاعر وهناك من لم يستطع”.

كيف يتخطّى الفرد هذه الصدمة؟

لتخطي صدمة الحرب قد يلجأ البعض إلى الاستشارة والعلاج النفسي، خاصة هؤلاء الذين لم يتمكّنوا من الرجوع إلى الحياة بشكل طبيعي في العمل أو الدراسة مثلا، وقد لا يستطيع رب المنزل ممارسة عمله كالمعتاد، وقد لا يركّز تلميذ المدرسة أو الجامعة في الدراسة والقراءة والكتابة، وأيضا عدم القدرة على إعادة إحياء العلاقات الطيبة مع الأصدقاء، وبالتالي هؤلاء الذين لا يستطيعوا التكيّف مجدّدا عليهم اللّجوء إلى الاستشارات، الأمر الذي لا يدلّ على أنّ الشخص مريض وغير سوي، بل هو استعادة الحياة والنفس السابقة، بحسب نصر، لافتة إلى أنّ المعالج هو من يحدّد إذا كان الفرد بحاجة لأدوية أم فقط جلسات ودعم.

من أجل مساعدة الأفراد على تخطّي معاناة الحرب المعنوية هناك عدة طروحات وأفكار يمكن العمل عليها، منها ممارسة الرياضة واللجوء إلى علاقات الأصدقاء والأهل للترفيه عن النفس، هناك إعادة إحياء الروتين اليومي الذي كان قبل وقوع الحرب، وأضافت: “من النصائح التي نوجّهها تحديد الفرد لأولوياته وإعادة برمجة حياته، حيث يكتب على الورقة هل الأولوية للعمل أم للدراسة أم للمنزل أم للصحة، شرط أن لا يكتب الكثير ويعلّي سقف توقّعاته كثيرا، كي لا يصاب بالإحباط عند عدم قدرته على تحقيق ما كتب”.

وتابعت المعالجة النفسية: “الشخص بعد عودته من الحرب يشعر بأنّه غير سليم ويريد لملمة شتاته، لذا عليه العودة إلى ممارسة أمور صغيرة بسيطة تسعده، بعدها يعود إلى خططه الكبرى التي وضعت سابقا، بمعنى يضع أهداف صغيرة بعدها ينطلق للأكبر، ومن الضروري أن ينخرط مجددا داخل المجتمع، ويمارس نشاطات كالرياضة والهوايات من رسم أو كتابة أو طبخ أو في العمل التطوعي”، وشدّدت نصر على العمل التطوعي لما يعزّز شعور الفرد بدعم الأشخاص بأي طريقة، سواء مادّيّا أو معنويّا أو نفسيّا، كما أنّ العمل التطوعي يملأ وقت الفراغ ويقوّي ثقة الفرد بنفسه وشخصيّته، ويجعله شخص فعّال اجتماعيّا كونه يساعد الآخرين ويقف إلى جانبهم.

وأضافت نصر: “إضافة إلى ما ذكر، هناك من يتجه نحو الفنون، وهناك من يحب السفر والرحلات ضمن مجموعات، أشجّع المشاركة في مؤتمرات وورش عمل وتدريب لإنماء الشخصية والقدرات، إضافة إلى أهمية الدعم النفسي والعلاج التفريغي، مثلا نقوم بمبادرة تحت عنوان “كيفنا” وهي جلسة علاج تفريغي لمختلف الفئات العمرية على يومين، اليوم الأول يستهدف أعمار من ۱۲ إلى ۱۷ سنة، اليوم الثاني يستهدف طلاب الجامعات، وتكون طريقة التفريغ عبر الكتابة الإبداعية”.

المصدر: شفقنا