نساء الصين… اقتسام واجبات الأمومة ليس ترفاً

تشكّل الاستعانة بمصادر خارجية لرعاية الأطفال استراتيجية شائعة بين نساء الصين العاملات. فالعمل في المدن الكبرى يحتم على النساء اقتسام واجبات الأمومة مع مربيات يعملن بالأجرة، نتيجة الانشغال في الوظيفة وضيق الوقت. ومع ذلك، فإن هذا التحول لا يعادل التحرير الكامل، لأنه يتحقق من خلال تفويض واجبات الأمومة، والتي تقع عادة على عاتق الأقارب الإناث والجدات، مع تقاسم المسؤولية بين جيلين. وحين يستعصي الأمر بسبب كبر سن الجدات، وصعوبة التأقلم مع واقع المدينة، تتجه النساء إلى البحث عن مربيات صغيرات السن لرعاية أبنائهن، وإن كان ذلك يكبدهن تكاليف باهظة.

ويبقى ذلك خياراً إلزامياً وليس ترفاً أو مؤشراً على رغد العيش في المدن الكبرى. وبحسب تقرير للمكتب الوطني للإحصاء في الصين صادر عام ۲۰۲۳، بلغ متوسط كلفة تربية طفل منذ سن الولادة وحتى ۱۷ عاماً في جميع أنحاء البلاد ۵۳۸ ألف يوان صيني (حوالي ۷۴ ألف دولار أميركي)، بينما بلغ متوسط تربية طفل في المدن الصناعية الكبرى، مثل بكين وشنغهاي وشينزن عن الفئة العمرية نفسها ۹۳۶ ألف يوان (حوالي ۱۳۲ ألف دولار أميركي).

تظهر أمهات في الصين أسلوب رعاية متطرفة بالأولاد، 5 فبراير 2015 (Getty)

خيارات محدودة أمام نساء الصين

جانغ سون، وهي أم لطفلين، تعمل في مجال التعليم، في مدينة شينزن، جنوبي البلاد، تقول في حديث لـ”العربي الجديد”، إنه نظراً لانشغالها الدائم وقضاء وقت طويل في مجال التعليم للمرحلة المتوسطة، اضطرت للاعتماد على أم زوجها في رعاية طفليها، لكنها واجهت مشاكل تتعلق بطريقة التربية واختلاف أسلوب التعامل، بالإضافة إلى عدم التفاهم بسبب فارق السن. وبعد ستة أشهر فقط، قررت الاستغناء عن حماتها والاستعانة بمربية تعمل بالأجرة. وتوضح أن هذه الخطوة كبدتها تكاليف باهظة إذ يبلغ الراتب الشهري للمربية ۴۵۰۰ يوان صيني (حوالي ۶۱۵ دولاراً).

تضيف أن بعض زميلاتها في العمل يعتقدن أنها تعيش حياة مترفة نظراً لاعتمادها على مربية لرعاية أبنائها، لكن الحقيقة أنها مرغمة على هذه الخطوة لأنه لا يوجد أمامها خيار آخر سوى ترك الوظيفة والبقاء في المنزل، لكن هذا سيضاعف من الأزمة على حد قولها، لأن دخلاً واحداً (راتب زوجها) لا يكفي لتغطية مصاريف العيش في المدينة، خصوصاً لمن لديهم أكثر من طفل واحد.

عدد المواليد في الصين إلى انخفاض، 21 يوليو 2021 (شيلدون كوبر/ Getty)
عدد المواليد في الصين إلى انخفاض، ۲۱ يوليو ۲۰۲۱ (شيلدون كوبر/ Getty)

قاسم مشترك

ويقول أستاذ الدراسات الاجتماعية السابق في جامعة “صن يات سن”، وي لي فنغ، لـ”العربي الجديد”، إنه مع زيادة عدد الأسر ذات الدخل المزدوج، غالباً ما يواجه الأزواج الشباب صعوبات في رعاية الأطفال. ولحل هذه المشكلة، يختار العديد منهم ترك أطفالهم في رعاية أجدادهم. مع ذلك، فإن هذا الترتيب لا يسير دائماً بسلاسة ويمكن أن يؤدي إلى مشاكل أسرية، نتيجة صعوبة التناغم والتواصل بين الأجيال، في ظل تباعد الأفكار، واختلاف أساليب التربية. وبالتالي، يكون الحل الأمثل اللجوء إلى الاستعانة بمربيات صغيرات السن للقيام بهذه المهمة. ولكن هذا التوجه أيضاً يكبدهم مصاريف باهظة، قياساً إلى مستوى المعيشة والدخل في المدن الكبرى. ويشير إلى أن ذلك أحد أسباب عزوف الأزواج عن إنجاب مزيد من الأطفال رغم الحوافز الحكومية. ويضيف: “حتى الشباب يفضلون حياة العزوبية على الزواج، لأن معاناة رعاية الأبناء قاسم مشترك بين شريحة كبيرة من المجتمع الصيني”.

ويلفت الأكاديمي إلى أن الكلفة العالية للرعاية تعتبر من أهم العوامل السلبية التي تؤثر برغبة الأسر في الإنجاب. يضيف: “لهذا السبب، هناك حاجة ملحة على المستوى الوطني لإدخال سياسات للحد من كلفة الإنجاب والرعاية في أقرب وقت ممكن. وتشمل التدابير المحددة الإعانات النقدية والضريبية، وإعانات شراء المنازل، وبناء المزيد من دور الحضانة، وتوفير إجازة أمومة متساوية للرجال والنساء”.

وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ قد حث نساء الصين على تحمل مسؤوليات أسرية أكبر، والتركيز على الدور الفريد للمرأة في تعزيز الفضائل الأسرية للأمة الصينية، وتأسيس تقاليد عائلية جيدة. مع ذلك، فإن التطور والتغيرات في الحياة الاجتماعية دفعت العديد من الشباب الذكور والإناث إلى الابتعاد عن مسقط رأسهم، والانتقال إلى المدن الكبرى من أجل العمل. ونتيجة الانفصال الجغرافي، وحقيقة أن الأهل لم يتقاعدوا بعد، تكون ممارسة الأبوة والأمومة مشكلة صعبة بالنسبة للأسر الحديثة. وسجلت البلاد خلال الأعوام الماضية معدلات قياسية في العزوف عن الإنجاب رغم حوافز الحكومة الصينية المعنية بشيخوخة السكان.

وتظهر البيانات الصادرة عن المكتب الوطني للإحصاء أن عدد المواليد في الصين سيصل في نهاية عام ۲۰۲۵ إلى ۹٫۰۳ ملايين، بمعدل مواليد ۶٫۴%. وفي عام ۲۰۲۱، انخفضت معدلات المواليد في الصين إلى ۷٫۵ لكل ألف شخص، وهو أدنى رقم منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام ۱۹۴۹٫ واستمر عدد المواليد في الصين في الانخفاض منذ عام ۲۰۱۷، كما تراجع عدد المواليد عام ۲۰۲۴ للعام الثامن على التوالي.

ووفقاً لوسائل إعلام رسمية، تقترب الصين فعلاً من سيناريو “الشيخوخة المعتدلة”، إذ يبلغ عمر ۲۰% من سكانها ۶۰ سنة أو أكثر، ويتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى ۳۰% بحلول عام ۲۰۳۵، أي أكثر من ۴۰۰ مليون نسمة. وفي عام ۲۰۲۳، لم تعد الصين الدولة الأكثر سكاناً في العالم، إذ تنازلت عن اللقب للهند، بعدما كانت الدولة الأكثر سكاناً في العالم منذ عام ۱۹۵۰ على الأقل حين بدأت الأمم المتحدة في تسجيل الأرقام. لكن يتوقع أن تشهد انخفاضاً حاداً في عدد السكان على مدار العقد المقبل.

المصدر: العربي الجديد