اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
عكست ردود الفعل الإيجابية في مصر تجاه واقعة زواج رجل وامرأة على مشارف الثمانين من عمرهما، إلى أي درجة يحتاج المجتمع إلى مظاهر سعادة زوجية تُحيي العلاقة التشاركية بين الرجل والمرأة وعدم استغناء أحدهما عن الآخر مهما تقدم العمر، ما ينسف الثقافة الأسرية التي تقر بأن علاقة المرأة والرجل محكومة بسن محددة.
وقد استقبلت شريحة من المصريين واقعة زواج نادية صاحبة الـ۷۹ عاما من يوسف البالغ ۸۱ سنة، بسعادة بالغة؛ حيث أثبت الزواج أن العمر بالنسبة إلى الرجل والمرأة رقم فقط، وأن الحب والمودة والقدرة على إنشاء أسرة لا ترتبط بتوقيت معين، وتتوقف على قدرة الشريكين على إسعاد بعضهما البعض وتعويض ما يفتقدانه، ولو كان ذلك في الشيخوخة.
وارتبط الضجيج الذي صاحب زواج نادية ويوسف بأن المجتمع يعيش حالة غير مسبوقة من معدلات الطلاق والحوادث الشاذة، من قتل وصراعات محاكم وابتزاز بالأبناء وامتناع عن النفقة وانفصال مبكر، وانتشار الطلاق أيضا بين كبار السن، أي أن الأسر بحاجة إلى واقعة تعيد الأمل بأن السعادة الزوجية ممكنة إذا أراد الشريكان ذلك.
واستمرت صورة الزوجين الأيام الماضية منتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي، مصحوبة بتعليقات توحي بأن الشريكين مصدر إلهام للكثير من الأسر والشبان والفتيات، حيث يفتقدون إلى القدوة الحسنة، ولدى شريحة منهم اعتقاد أن الحب والسعادة الزوجية لهما فترة صلاحية تنتهي بتقدم العمر.
وتبين لاحقا أن الزوجين أقدما على الخطوة بعد قصة حب استمرت سنوات، ولنادية أولاد تزوجوا ثم تفرغت لنفسها وأكملت علاقتها مع يوسف الذي لم يمل الانتظار إلى أن تؤدي رسالتها تجاه أبنائها ثم يتقدم لخطبتها، وإن بلغ به العمر ۸۱ سنة، لكن قلبه تمنى أن يُكمل ما تبقى من حياته مع من أحبها وعاش على أمل تحقيق حلمه.
وعلى خلاف عادة النظر إلى العلاقات الزوجية بين كبار السن بامتعاض وسخرية، لم يتعرض الزوجان لسخرية أو تهكم، وحمل زواجهما تساؤلات عديدة وفتح نقاشات مختلفة حول الفكرة نفسها، لأن العلاقات التي تتأسس بعد عمر طويل غالبا لا يكون الهدف منها رغبة جنسية، بل تهدف إلى السكينة وتعويض كل طرف بما حُرم منه من حب ومشاعر.
وظهرت العروس سعيدة بالارتباط الرسمي، وبدت متزوجة وهي مقتنعة بما تفعل وغير مكترثة بنظرات البعض أو إمكانية أن تتعرض لعبارات قاسية، وهي نقطة رآها كثيرون مفصلية في العلاقة بين طرفين وصلا إلى مرحلة عمرية متقدمة، فالمهم أن يكونا مقتنعين بما يفعلان، وكل ما يعنيهما هو الحياة السعيدة.
ويغيب عن البعض من رافضي زواج كبار السن، سواء أكانت علاقاتهم قد نشأت مع أشخاص يتقاربون معهم في العمر أم لا، أن لكل شخص الحق في اختيار شريك يعيش معه ما تبقى من حياته، المهم أن يتمتع بمواصفات يبحث عنها الراغب في الزواج ويراها مناسبة لنمط حياته وسلوكياته ومتطلباته النفسية والمعيشية، والأهم أن تكون هناك شجاعة من الزوجين المتقدمين في السن لمجاهرة المجتمع بالعلاقة.
وثمة قناعة لدى شريحة من الأسر في مصر بأن الزواج الذي يتأسس في مرحلة عمرية متقدمة تنتهي صلاحيته في أقرب وقت، وإن نشأ عن حب وتفاهم ورغبة في العيش المشترك، إلا أنه توجد شواهد على أن تلك الزيجات محصنة من الانهيار لغياب المصلحة فيها، أو لأن الطرفين لديهما رغبة متبادلة يمكن حصرها في الإحساس بالأمان والطمأنينة والسكون وعدم الشعور بالوحدة التي قد تُهلك صاحبها.
ويعتقد متخصصون في العلاقات الزوجية أن زواج كبار السن يقدم صورة إيجابية للشبان والفتيات حول قدسية العلاقة الزوجية، لأن تلك الشريحة أوشكت على فقدان الأمل في أن تعيش حياة أسرية هادئة، والبعض منها قاطع الزواج من كثرة تصدير نماذج سلبية في أعمال فنية أو عبر وسائل إعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، ومن شأن تعدد زيجات المتقدمين في العمر أن تُحيي آمال الشباب.
ويقول هؤلاء المتخصصون إن زواج الرجل والمرأة في سن متقدمة يصعب أن ينتهي بالفشل لأن متطلباتهما تنحصر في الأمان والسكينة وعدم الوحدة وليس في البحث عن متعة جنسية ومحاولة تحقيق معجزات تحتاج إلى مسؤوليات جسيمة، وبالتالي تندر الضغوط النفسية على كبار السن مع عدم وجود أبناء أو حاجة إلى بناء مستقبل من جديد، فكلاهما يعيش للآخر ويلبي احتياجاته.
صورة الزوجين استمرت منتشرة على مواقع التواصل، مصحوبة بتعليقات توحي بأنهما مصدر إلهام للشباب
ويتوقف اقتناع المجتمع والأسرة بأحقية كبار السن في بناء علاقة جديدة وإن تقدم العمر، على نظرة كل جيل إلى قيمة العلاقة الزوجية وما يجب أن تكون عليه، فهناك رجال يصعب عليهم العيش دون امرأة وقد يتزوجون في سن السبعين، وعلى النقيض ينظر الجيل الجديد إلى زواج الشيخوخة على أنه يفتقد الهدف والغاية من متعة وأبناء، ولذلك يتحفظ بعضهم على تلك العلاقة.
وأكد استشاري العلاقات الأسرية في القاهرة علاء الغندور أن احتفاء فئات شبابية بزواج كبار السن انعكاس لحالة الرهبة من فشل مستقبلي، وكل طرف ينظر إلى تلك العلاقة على أنها نسخة جيدة يمكن البناء عليها لتأسيس زواج ناجح، كما أن زواج كبار السن يعيد الطمأنينة إلى فتيات توهمن أن قطار الزواج فاتهن، والنقطة المهمة أن يقتنع المجتمع نفسه بأن مؤسسة الزواج لا علاقة لها بالسن.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن بعض كبار السن يدفعون ثمن غياب الفهم الصحيح للزواج، وهناك من يرغبون في تلك الخطوة ويخافون ردة الفعل، وكل ذلك بسبب معتقدات جرى توريثها لجيل الوسط والأجيال الجديدة بأن الزواج مرتبط بمتعة وأبناء ومسؤوليات، دون اكتراث بالمودة والتشارك والسند والطمأنينة، وهذا ما يجب تنشئة الأبناء عليه بعيدا عن ثقافة العيب من زواج كبار السن.
ويظهر ذلك في رفض الكثير من الأبناء زواج الأم بعد الطلاق أو وفاة الأب، ويرون ذلك من الأمور المعيبة، وهذا مرتبط بطبيعة التنشئة والتحضر الفكري وإيمان الأبناء بحق الأم في بدء حياة جديدة، مع أن المجتمع يدعم فكرة زواج الرجل بغض النظر عن السن كي لا يعيش وحيدا ويجد من تعينه على تحقيق متطلباته وتوفيرها، وهي إشكالية تعكس حالة الانفصال التي يعيشها البعض تجاه زواج كبار السن.
وسواء تغيرت تلك النظرة أم لا فسوف يظل زواج المتقدمين في العمر نقطة مضيئة أمام الكثير من الشباب، ويرتهن ارتفاع معدلاته أو انخفاضها بقدرة وشجاعة الرجل والمرأة على المواجهة، وتوافر إرادة رسم مسار الحياة بقرار شخصي ولو أدى ذلك إلى خوض معارك مع المحيطين، ومن المهم أن يتم اختيار الشريك المناسب الذي يحقق الطموح من الزواج بلا خوف من وصمة أو التزام بتقاليد بالية.
المصدر: العرب