اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
منذ ۸ ديسمبر الماضي، عندما استولت جماعة “تحرير الشام” بقيادة “أبو محمد الجولاني” على السلطة في سوريا، شهدت البلاد موجة من عمليات الخطف، خاصة بين النساء العلويات. وتشير الأدلة الميدانية إلى أن هؤلاء النساء يتم اقتيادهن إلى محافظة ومدينة “إدلب”، معقل “تحرير الشام”، من قبل عناصر وجماعات مسلحة تابعة للجولاني بعد اختطافهن، حيث يتم استغلالهن جنسياً كعبيد.
إن اختطاف النساء العلويات واستعبادهن جنسياً من قبل “تحرير الشام” يذكر باختطاف آلاف النساء “الإيزيديات” من سنجار العراق من قبل “داعش” في عام ۲۰۱۴ واستعبادهن.
كشف ناشطة حقوق الإنسان
هبة عز الدين الحجي، المدافعة عن حقوق الإنسان السورية ورئيسة “شبكة شأن لبناء السلام” ورئيسة منظمة “العدالة والتمكين”، تحدثت في منشور على منصة فيسبوك، والذي حذفته لاحقاً بسبب تهديدات “تحرير الشام”، عن لقائها بامرأة قالت إنها اختطفت خلال مذبحة العلويين على يد عناصر مسلحة في مارس الماضي في منطقة الساحل السوري، وجُلبت إلى إدلب.
كتبت عز الدين: “في رحلتي الأخيرة مع أخي إلى إدلب، التقيت برجل كنت أعرفه من قبل. رأيته برفقة امرأة لم أرها من قبل. كنت أعلم أن الرجل قد تزوج عدة مرات، وكان لديه ثلاث زوجات في ذلك الوقت الذي التقيته فيه. ما لفت انتباهي هو مظهر المرأة الذي أظهر أنها لا تعرف كيف تستخدم الحجاب، وخاصة النقاب”.
بعد البحث والتحري، اكتشفت عز الدين أن المرأة من المنطقة الساحلية، وهي المنطقة التي قُتل فيها أكثر من ۱۶۰۰ علوي على يد عناصر الجولاني في مارس الماضي. وتضيف: “تزوج الرجل من المرأة بعد نقلها إلى إدلب، ولا أحد يعرف وضعها، ومحاولة الاتصال بها لم تنجح بسبب الخوف من الوضع الذي تعيش فيه”.
كانت هذه الشرارة لبحث ميداني أجرته عز الدين حول موضوع اختطاف النساء العلويات من المنطقة الساحلية. وتقول: “لسوء الحظ، أكد الكثيرون صحة هذا الأمر. هذه الجرائم لا تقتصر على جماعة إرهابية واحدة، بل كما سمعت من أصدقائي، فإن العناصر المسلحة الأجنبية وجماعة الجيش الوطني يرتكبون مثل هذه الجرائم أيضاً”.
منذ أن استولى الجولاني على السلطة في سوريا، بدأ في دمج الجماعات المسلحة المتطرفة، بما في ذلك التركمان السوريون التابعون لجماعة الجيش الوطني والحزب الإسلامي التركستاني، في صفوف هيئة تحرير الشام، وعيّن قادة من الأجانب لتولي مناصب عليا في وزارة الدفاع السورية الجديدة.
تعاونت هذه الجماعات مع هيئة تحرير الشام في مذبحة مارس الماضي في مناطق مختلفة من الساحل السوري، حيث هاجموا القرى والبلدات العلوية، وبعد نهب منازلهم وممتلكاتهم، قتلوا الرجال والأطفال وخطفوا نسائهم.
أنهت عز الدين منشورها بتحذير من أن ما يحدث في سوريا خطير للغاية، وأن على حكومة الجولاني العمل على كشف مصير هؤلاء النساء وإطلاق سراحهن. ولكن بدلاً من التحقيق في هذا الأمر، أمر محافظ إدلب باعتقال عز الدين بتهمة إهانة الحجاب.
ظاهرة اختطاف النساء السوريات
قبل ذلك، اختطفت كاروليس نحلي، وهي شابة درزية، صباح يوم ۲ فبراير الماضي بالقرب من منطقة “جرمانا” في دمشق. كان الحادث غريباً، لأن الخاطفين لم يطالبوا بفدية، وفي الوقت نفسه، لم تتوفر أي معلومات عن مصيرها. لكن الأخبار كانت تشير إلى أن الشابات مثل كاروليس يتم نقلهن إلى إدلب كعبيد وإماء بعد اختطافهن، وهو الأمر الذي أكده تحقيق عز الدين الميداني.
وفي ۲۱ مارس الماضي أيضاً، اختطفت بشرى باسين مفرج، وهي شابة علوية، في محطة حافلات بمدينة “جبلة” الساحلية. وقال زوجها في مقطع فيديو نشره على الإنترنت إن زوجته نُقلت إلى إدلب، وهذا هو أفظع شيء يمكن أن يحدث لزوجة رجل. بعد اختطاف بشرى، اندلعت موجة من عمليات الخطف، وأعلنت وكالة أنباء “جينها” الكردية في ۲۵ مارس الماضي أن الجماعات المسلحة اختطفت أكثر من ۱۰۰ شخص خلال ۴۸ ساعة، وكثير منهم من النساء.
وفي ۵ أبريل من هذا العام، اختفت كاتيا جهاد قرقط، البالغة من العمر ۲۱ عاماً، بعد آخر اتصال بها في الساعة ۹:۴۰ صباحاً في صيدلية في حي “بحرة” في “عرطوز” بريف دمشق، ولم تنجح جهود عائلتها للعثور عليها.
في ۸ أبريل، اختطفت سمية سليمان حسنو، البالغة من العمر ۱۷ عاماً، بعد خروجها من مدرستها في بلدة “القرداحة” بريف اللاذقية. في ۱۱ أبريل، فقدت رنيم غازي زريقة، البالغة من العمر ۲۲ عاماً، في مدينة “مصياف” بريف حماة. في ۱۴ أبريل، اختطفت بتول عارف حسن، وهي أم لطفل يبلغ من العمر ۳ سنوات، بعد خروجها من منزل والديها وفي طريق عودتها إلى منزلها على طريق حمص-صافيتا.
في ۱۶ أبريل، اختطفت آية طلال قاسم، البالغة من العمر ۲۳ عاماً، بعد خروجها من منزلها في مدينة طرطوس. وعندما أطلق الخاطفون سراحها بعد ۳ أيام، اعتقلت من قبل عناصر “تحرير الشام”، وحتى يومنا هذا لا توجد أخبار عن مصيرها.
إحياء الذكريات المرعبة لسنجار
في ۱۷ أبريل، نشر موقع “الدرج” العراقي تفاصيل عن اختطاف ۱۰ نساء علويات في منطقة الساحل السوري وريف حمص وحماة. وذكرت إحدى هؤلاء النساء، واسمها المستعار “رحاب”، للموقع أنها اختطفت في وضح النهار واحتجزت مع امرأة أخرى في غرفة.
تضيف رحاب: “تعرضنا للتعذيب. لم يُسمح لنا بالتحدث مع بعضنا البعض. أدركت من لهجة الخاطفين أنهم ليسوا سوريين. كانت لهجة أحدهم أجنبية والأخرى من إدلب. كانوا يشتموننا لأننا علويون”.
وتقول امرأة أخرى كانت مسجونة معها: “أجبروني على التحدث مع عائلتي وأقول لهم أنني بخير وأن أطلب منهم عدم إعطاء أي معلومات عن اختطافي لأي شخص”.
يشير موقع “الدرج” أيضاً إلى اختطاف فتاة تبلغ من العمر ۱۸ عاماً في إحدى مدن الساحل السوري، حيث حذر الخاطفون عائلتها من نشر خبر اختطافها. بعد فترة، اتصلت الفتاة بعائلتها، لكن رمز الاتصال الخاص برقم هاتفها المحمول كان لدولة ساحل العاج الأفريقية. وقالت لعائلتها في هذا الاتصال الهاتفي إنها بخير، لكنها لا تعرف أين هي.
يؤكد الموقع أن وضع هؤلاء النساء السوريات العشر يشبه تماماً وضع آلاف النساء الإيزيديات اللاتي اختطفن من منطقة سنجار العراق من قبل داعش عام ۲۰۱۴ واستعبدن.
في ذلك العام، باع داعش حوالي ۶۴۰۰ امرأة إيزيدية بعد اختطافهن كعبيد وإماء، أو تم تدريبهن كعناصر انتحارية لتفجير أنفسهن في المناطق التي كان داعش ينفذ فيها عمليات. و الرغم من فرار الكثيرات منهن، إلا أنه بعد مرور ۱۰ سنوات، لا توجد معلومات عن مصير ۲۶۰۰ منهن.
هيئة تحرير الشام تسير على خطى داعش
إن الكشف عن وجود نساء علويات يتم استعبادهن من قبل هيئة تحرير الشام في إدلب ليس أمراً غريباً أو غير متوقع، لأن نظرة هذه الجماعة إلى العلويين لا تختلف عن نظرة داعش إلى الإيزيديين.
في عام ۲۰۱۴، وصف سام هيلر، المحلل في الشأن السوري، “جبهة النصرة” بأنها جماعة تنشر الطائفية، بل وتشجع على إبادة العلويين، وأن جبهة النصرة، أو هيئة تحرير الشام الحالية، وداعش بقيادة الجولاني يعتبرون العلويين مرتدين.
عندما سقط داعش وهرب بعض الأسرى من النساء والأطفال الإيزيديين، شهدوا بأن العديد من بني جلدتهم نُقلوا من العراق إلى تركيا وسوريا من قبل داعش للاستعباد.
وبحسب تقرير لصحيفة الغارديان نقلاً عن عبد الله شرم، الناشط الحقوقي البالغ من العمر ۴۶ عاماً والذي تعاون لإنقاذ الإيزيديين، فإن النساء الإيزيديات كن محتجزات في سجون في شمال حلب وإدلب، وهو الأمر الذي أكده أيضاً ألكسندر هوغ، رئيس اللجنة الدولية لشؤون المفقودين في العراق.
نقل علي حسين في عام ۲۰۱۹ عن إيزيديين من دهوك أنهم دفعوا ۷۰ ألف دولار لإنقاذ حياة فتاة إيزيدية تبلغ من العمر ۱۱ عاماً من أيدي الدواعش الذين باعوها لأحد قادة جبهة النصرة.
كما ذكرت رويترز في تقرير نقلاً عن فتاة إيزيدية تدعى روجان، كانت تبلغ من العمر ۱۳ عاماً فقط في عام ۲۰۱۴، أن سعودياً داعشياً اشتراها واحتجزها كعبد لمدة ۵ سنوات في إدلب.
إمارة داعش في مظهر جديد
بعد يوم واحد من دخول تحرير الشام بقيادة الجولاني إلى دمشق، أعلنت شبكة “روداو” عن إطلاق سراح امرأة إيزيدية تبلغ من العمر ۲۹ عاماً كانت محتجزة في إدلب.
وأوضحت الشبكة الكردية العراقية أن العديد من النساء الإيزيديات عُثر عليهن في مناطق تسيطر عليها قوات مسلحة في سوريا، بغض النظر عن مخيم “الهول”، حيث كن محتجزات لدى عناصر تكفيرية.
احتفلت الساحات الرئيسية في المدن السورية الكبرى في الأسابيع التي تلت ذلك بسقوط نظام بشار الأسد وتولي حكومة الجولاني السلطة، ولكن لم يمض وقت طويل حتى اتضح المعنى الحقيقي لحكم الجولاني للشعب السوري.
إن موجة اختطاف الفتيات والنساء العلويات بهدف استعبادهن كما فعل داعش بالإيزيديات، هي ما تعنيه الحرية التي جلبها الجولاني للشعب السوري.
تعریب خاص لـجهان بانو من وكالة أنباء فارس