ثلاث قضايا تهز الرأي العام وسط مطالبات واسعة بتعميم عقوبة الإعدام.

الاعتداء الجنسي على الأطفال في مصر يثير غضبا ضد التشريعات العقابية

يرى المتخصصون في العلاقات الأسرية في مصر أن تنشئة الأطفال على المصارحة مع الأهل تجنبهم الوقوع فريسة سهلة للمعتدين جنسيا عليهم، داعين إلى أن ترتقي تربية الصغار إلى كيفية تحصين أجسادهم لتكون ثقافة مجتمعية، والمهم حسب رأيهم، أن تكون هناك جرأة أسرية على مواجهة المعتدين وعدم التعامل بسلبية. كما يرون أن تعديل التشريعات التي تعاقب على الاعتداءات الجنسية بحق الأطفال أصبح ضرورة حتمية.

 أثارت عدة وقائع لاعتداءات جنسية على أطفال في مصر غضبا أسريا وشعبيا واسعا ضد تشريعات تعاقب المتهمين على هتك العرض والاغتصاب والتحرش، رغم أن هناك وقائع يُحكم فيها على الجاني بالإعدام، لكن يوجد أيضا رفض أسري لعقوبة السجن المؤبد أو المشدد في الجرائم المرتبطة بالاعتداء على الصغار.

وحُكم على مسن يبلغ من العمر ثمانين عاما بالسجن المؤبد ۲۵ عاما عقب اتهامه بهتك عرض طفل في الخامسة من عمره داخل مدرسة خاصة، وهي واقعة شغلت الرأي العام ولفتت انتباه دوائر رسمية وتفاعلت معها الحكومة والمجلس القومي للطفولة بتكليف محامين للدفاع عن حق الطفل.

كما ألقت أجهزة الشرطة القبض على شاب في الأربعين من عمره، بعد اعتدائه جنسيا على طفلة في التاسعة من عمرها، بإحدى قرى محافظة القليوبية المتاخمة للقاهرة، حيث أقام معها علاقة جنسية كاملة تحت تهديد السلاح وأفقدها عذريتها، ما عمّق الغضب الشعبي ضد القوانين.

المعضلة أن المدارس لا تقدم للأطفال جلسات توعوية لحمايتهم بسبب وجود ممانعات ضد التطرق إلى أي موضوع يخص الجنس

وأثيرت على نطاق واسع تفاصيل مروعة لاعتداء جنسي تعرضت له طفلة في السابعة من عمرها بالقاهرة مؤخرا، وهي وقائع أثارت رعب الكثير من الأسر على أطفالها،لأنها جاءت في توقيت متقارب دون أن يتحرك مجلس النواب كجهة تشريعية لتعديل القوانين الخاصة بالاعتداءات الجنسية ويلغي أي رعونة فيها.

وحسب القوانين المصرية، فإن من واقع أنثى بغير رضاها يُعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد، ويُعاقب الفاعل بالإعدام إذا كانت المجنى عليها لم تبلغ ثماني عشرة سنة أو كان المتهم من أصول المجني عليها أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادما بالأجر عندها أو تعدد الفاعلون للجريمة.

وكل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد أو شرع في ذلك يُعاقب بالسجن المشدد، وإذا كان عمر الضحية لم يبلغ ثماني عشرة سنة تكون العقوبة بالسجن مدة لا تقل عن سبع سنوات، وكل من هتك عرض صبي أو صبية لم تبلغ ثماني عشرة سنة بغير قوة أو تهديد يُعاقب بالسجن، أيّ أن فترة السجن تقديرية للقاضي.

وإذا كان سن المعتدى عليه لم يتجاوز اثنتي عشرة سنة، أو كان من وقعت منه الجريمة تكون العقوبة بالسجن المشدد مدة لا تقل عن سبع سنوات، ما يعني أن عقوبة الإعدام في جرائم الاعتداء الجنسي تطبق على حالات محددة، وربما نادرة، وهو ما دفع شريحة أسرية واسعة للانتفاض ومطالبة الحكومة بالتعديل.

ولا تزال واقعة الاعتداء على طفلة داخل حمّام مسجد في محافظة الشرقية، شمال القاهرة، في رمضان الماضي، قابعة في أذهان الكثير من الأسر لأن المتهم حُكم عليه بالسجن المشدد، وجاء الحكم غير مرضي لشريحة واسعة، وهو ما برره البعض بأن القاضي يحكم بناء على نصوص قانونية أصبحت بحاجة عاجلة إلى تعديلات.

ما يعزز أهمية التحرك الحكومي أن المعتدي جنسيا على طفل قد يكون ارتكب ذلك الفعل من قبل، لكنه وجد أسرة سلبية لم تكن شجاعة في المواجهة خشية الفضيحة والعار

وأصبحت وقائع الاغتصاب وهتك العرض التي وقعت مؤخرا بحق أطفال صغار، جميعهم دون سن العاشرة، حديث الشارع المصري بمختلف فئاته، وهو ما مثل ضغطا مضاعفا على الحكومة ومجلس النواب للتحرك باتخاذ خطوات سريعة للاستجابة للضغوطات الشعبية المرتبطة بتعديل القوانين العقابية لتكون قاسية.

وكانت تلك الوقائع يتم التعامل معها من جانب شريحة من الأسر برعونة خوفا من الفضيحة التي يتعرض لها الطفل، وأصبح العكس يحدث تماما، بإثارة قضية الابن، أو الابنة، على مواقع التواصل الاجتماعي والكشف عن تفاصيلها، بغية لفت انتباه المجتمع وحشد الرأي العام لدعم القضية لتسريع الحكم فيها.

وأظهرت تلك التغيرات إلى أي درجة أصبح منسوب الوعي الأسري مرتفعا، سواء أهل الضحية أو المتعاطفين معها شعبيا، لأن وقائع الاعتداء الجنسي كانت تتم التغطية عليها من أطراف متعددة حفاظا على صورة الطفل وأهله من الفضيحة، لكن الحال تبدّل وصارت كل عائلة تبحث عن القصاص من المتهم بأي صورة كانت.

وكثيرا ما تسببت سلبية الأب والأم في تكرار وقائع التحرش وهتك العرض لترددهما في الإبلاغ، كما أن بعض المدارس تتستر على المعتدين خشية أن تطالهم العقوبات الإدارية، وهناك مدراء مدارس ينفون وجود مثل هذه الحالات ويقومون بحماية المعتدين حفاظا على سمعة المدرسة، كما حدث مؤخرا مع الطفل ياسين.

وتعرض ياسين لهتك عرض على يد رجل ثمانيني، ورغم تقديم الأسرة شكاوى عديدة إلى إدارة المدرسة، فإنها تعاملت برعونة ونفت الواقعة وشهّرت بالأسرة وهددتها، مع أن النيابة العامة لاحقا أثبتت التهمة وأحيلت القضية إلى المحكمة التي عاقبت المتهم بالسجن المؤبد، وسط مطالبات شعبية بمحاكمة مديرة المدرسة.

ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية أن تعديل التشريعات التي تعاقب على الاعتداءات الجنسية بحق الأطفال أصبح ضرورة حتمية وهذا شق يخص الحكومة، لكن الأسر عليها دور أكبر بتوعية أطفالها وعدم التعامل مع الغرباء أو الاحتكاك بهم، وتعريفهم بكيفية الاستغاثة وحماية أجسادهم من أي تلامس.

القضية ما لم تصبح محور اهتمام الحكومة والبرلمان باستغلالهما انتفاضة المجتمع ضد هذه الحوادث، فإن الاعتداءات قد تتحول من وقائع فردية إلى ظاهرة مستفحلة

والأهم وجود حوار بين الآباء وأبنائهم طوال الوقت لأن هناك وقائع تحرش واعتداءات جنسية يخشى الأطفال البوح بها مع الأسرة، لأنهم لا يتوقعون ردة الفعل أو يكونوا قد تعرضوا لتهديد إذا تحدثوا، ما يجعل بعض الأهالي يكتشفون تلك الجرائم بالمصادفة عقب مرضهم، أو بعد الحادث بفترة طويلة.

والمعضلة الأكبر أن المدارس لا تقدم للأطفال جلسات توعوية لحمايتهم من الاعتداءات بسبب وجود ممانعات مجتمعية ضد التطرق إلى أي شيء يخص الجنس، مع أن الخطاب البسيط أقصر طرق المواجهة خاصة عندما يتعود الطفل على حماية نفسه ولو بالصراخ حال الشعور بالخطر، لأن المعتدي جبان بطبعه.

وأكدت استشارية العلاقة الأسرية وتقويم السلوك في القاهرة هالة حماد أن تغليظ العقوبة لم يعد خيارا كنوع من الترهيب، لكن تنشئة الأطفال على المصارحة مع الأهل تجنبهم الوقوع فريسة سهلة للمعتدين، ومن الضروري أن يكون هذا الملف محور اهتمام كل الأطراف في المجتمع من مؤسسات رسمية وتوعوية.

وأضافت لـ”العرب” أن تربية الصغار على كيفية تحصين أجسادهم لم ترتق إلى ثقافة مجتمعية، والمهم أيضا أن تكون هناك جرأة أسرية على مواجهة المعتدين وعدم التعامل بسلبية، لأن تفعيل القوانين يبدأ من التحرك الأسري الواعي، ويجب أن تصبح الفضفضة بين الآباء والأبناء عادة يومية دون سقف بين الطرفين.

ويتفق متابعون لوقائع الاعتداءات الجنسية في مصر على أن القضية ما لم تصبح محور اهتمام الحكومة والبرلمان باستغلالهما انتفاضة المجتمع ضد هذه الحوادث، فإن الاعتداءات قد تتحول من وقائع فردية إلى ظاهرة مستفحلة، ما يفرض الاستجابة لنداءات تعديل التشريعات وإعلان خطة توعوية تشمل الجميع.

ما يعزز أهمية التحرك الحكومي البرلماني أن المعتدي جنسيا على طفل قد يكون ارتكب ذلك الفعل من قبل، لكنه وجد أسرة سلبية لم تكن شجاعة في المواجهة خشية الفضيحة والعار، أو صغيرا رفض الشكوى إلى أهله خوفا من رد الفعل، ما جعله يتمادى بجرأة في تكرار نفس التصرف، أمام رعونة الأسرة وضعف العقوبات.

المصدر: العرب