قانون مغربي يرغم شركات التكنولوجيا على مراقبة المحتوى الرقمي بشكل أكثر صرامة لحماية المستخدمين.

“تأطير” منصات التواصل في المغرب: هل تنجح الحكومة في ضبط الفضاء الرقمي؟

كشف وزير الشباب والثقافة والتواصل محمد مهدي بنسعيد الأربعاء عن قرب إعداد إطار قانوني وطني شامل ومتكامل لضبط وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الرقمية، مشددا على أن الهدف هو حماية القيم المجتمعية، وعلى رأسها الأطفال والشباب، دون المساس بحرية التعبير، وذلك في ظل الانتشار المتسارع لهذه المنصات وما يصاحبه من مخاطر تهدد تماسك النسيج المجتمعي، والتعامل مع الفضاء الرقمي بوصفه قضية سيادة رقمية وحماية مجتمعية ولم يعد الأمر مقتصرا على اعتبارات السوق.

وأشار بنسعيد خلال عرض قدمه أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال، بمجلس النواب، إلى أن “قانون الخدمات الرقمية”، الذي دخل حيز التنفيذ في الاتحاد الأوروبي عام ۲۰۲۳، يشكل مرجعا هاما للاستئناس به والذي يُعد من أكثر التشريعات تقدما على الصعيد العالمي في تنظيم المنصات الرقمية الكبرى، حيث يفرض عليها التزامات صارمة تتعلق بالشفافية، ومحاربة المضامين غير القانونية، وضمان سلامة المستخدمين، خاصة القاصرين، بالإضافة إلى آليات فعالة لإزالة المحتويات السلبية بسرعة، ويمنح سلطات واسعة للهيئات التنظيمية لتتبع المنصات وفرض جزاءات في حال الإخلال بالواجبات القانونية.

ويرغم هذا القانون شركات التكنولوجيا على مراقبة المحتوى الرقمي بشكل أكثر صرامة وحماية المستخدمين من المعلومات الكاذبة وخطاب الكراهية.

ويطلب من الشركات أيضا المزيد من الشفافية في ما يتعلق بخدماتها والخوارزميات واختيار الإعلانات.

ودخلت المرحلة الأولى من القانون التنظيمي حيز التطبيق الجمعة وطالت ۱۹ منصة رقمية “كبيرة جدا” من بينها شبكات تواصل اجتماعي ومواقع إلكترونية وشركات بيع تجزئة على الإنترنت مع ۴۵ مليون مستخدم شهري نشط على الأقل في الاتحاد الأوروبي.

وأكدت شريفة لمويير أستاذة العلوم السياسية، أن إعداد إطار قانوني وطني لضبط وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الرقمية خطوة جد هامة بسبب ما تنتجه بعض المحتويات الرقمية من ثأثير بالغ خاصة لدى الشباب، ومن شأنه أن يشكل دعامة حقيقية لتحصين الشباب، كما سوف يسد هذا التوجه فراغا قانونيا يخص هذا الموضوع ومن جهة ثانية هو دعامة حامية للشباب.

 واستدركت شريفة، في تصريح لـ”العرب”، أنه لا يجب التسليم لهاته الآلية القانونية لوحدها فقط (عندما تخرج إلى الوجود) لأن حماية التماسك المجتمعي يأتي من خلال مجموعة من الآليات، وهو ما يستدعي تبني مقاربة توعوية للمجتمع المغربي تستهدف الشباب والتي من شأنها حماية وتقوية قيم المجتمع المغربي.

وسيتبنى الإطار القانوني المغربي الجديد نفس الرؤية الأوروبية التي تعتبر التعامل مع الفضاء الرقمي “قضية سيادة رقمية وحماية مجتمعية”، كما أكد الوزير، مضيفا أن الأمر لم يعد مقتصرا على اعتبارات السوق، إذ سيتم إعطاء “تعريف دقيق” لخدمة “المنصة الرقمية” أو منصة مشاركة المحتوى على الإنترنت (وسائل التواصل الاجتماعي)، وإخضاع مقدمي هذه المنصات لـ”التزامات قانونية واضحة” تهدف إلى هيكلة العلاقة بين الدولة والمنصات الرقمية.

وسيتم إلزام المنصات الرقمية بتعيين “ممثل قانوني معتمد فوق التراب الوطني” كـ”مخاطب رسمي للدولة”، سواء كانت تستهدف الجمهور المغربي من خلال المحتوى أو تحقق أرباحا من السوق الإشهاري الوطني، معتبرا أن هذا الإجراء يهدف إلى تجاوز حالة الفراغ التشريعي التي تستفيد منها المنصات الأجنبية، ويوفر آلية عملية لتفعيل المراقبة والزجر في حالة وقوع خروقات أو امتناع عن التعاون مع السلطات الوطنية.

وسيتضمن الإطار القانوني اعتماد نظام لتعديل المحتوى يلزم منصات التواصل الاجتماعي بوضع نظام فعال لترصد المضامين غير القانونية بشكل آلي، خاصة تلك المتعلقة بالعنف، والكراهية، والأخبار الزائفة، أو المحتويات الموجهة بشكل غير مناسب للقاصرين، إذ يتضمن النظام توفير آليات واضحة للتبليغ من طرف المستخدمين تتيح سرعة التجاوب مع الشكايات، بهدف إرساء مسؤولية وقائية لدى المنصات الرقمية وتمكينها من التدخل قبل تزايد الأضرار المحتملة، وإلزام المنصات بعدم ترويج محتويات تخفي طبيعتها الدعائية أو تضليلية، لضمان السلامة المعلوماتية للمجتمع وتفادي الفوضى الرقمية.

في سياق حماية القاصرين من المحتوى الضار، أكد الوزير بنسعيد إلزام المنصات الرقمية باتخاذ تدابير لتصنيف المحتويات وفق الفئات العمرية

وفي سياق حماية القاصرين من المحتوى الضار، أكد الوزير بنسعيد إلزام المنصات الرقمية باتخاذ تدابير لتصنيف المحتويات وفق الفئات العمرية، وتفعيل أدوات الرقابة الأبوية، ومنع الإشهارات التي تستغل ضعف القاصرين أو تروج لمنتجات ضارة، ومسح أي محتوى يمكن أن يؤثر سلبا على تطورهم النفسي أو السلوكي، وإخضاع المنصات لواجب “التصدي الفوري” للأخبار الكاذبة أو المحتويات الزائفة أو المحرضة على العنف أو الإرهاب أو التمييز العنصري أو العرقي أو الديني، عبر تفعيل آليات إزالة المحتوى والتعاون مع السلطات الوطنية في تنفيذ قرارات الهيئة العليا بالحجب أو التقييد.

بدورها أوضحت رئيسة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري لطيفة أخرباش أن المغرب وعلى غرار باقي دول العالم، يتأثر بالتحولات المتعددة والمتسارعة للتحول الرقمي للإعلام والتواصل، وخاصة ما يترتب على وجود المواطن وسط منظومة رقمية شمولية، وسطوة محتويات المنصات الشمولية وشبكات التواصل الاجتماعي غير المقننة والحاملة لمخاطر، مع ما يتيحه التحول الرقمي للتواصل والإعلام من فرص جديدة في مجال الوصول إلى المعلومة وحرية التعبير والابتكار والإبداع، مشددة على أن المملكة ما فتئت تولي عناية خاصة لقضية حماية الجمهور الناشئ من المحتويات الإعلامية التي من شأنها أن تضر بسلامة الأطفال النفسية أو العقلية أو الجسدية.

وسيمنح الإطار القانوني الجديد دورا محوريا للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري “الهاكا”، من خلال توسيع صلاحياتها وتعزيز سلطتها التنظيمية والرقابية لمواكبة التحولات العميقة في الفضاء الرقمي والتصدي للمخاطر المتزايدة المرتبطة بالمحتوى السمعي البصري الذي يُبث عبر المنصات الاجتماعية، خاصة الموجه للقاصرين والجمهور الناشئ، وأكد الوزير بنسعيد على وعي الوزارة بالإشكاليات التي تطرحها مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة في ما يتعلق بالأخبار الزائفة والمحتوى السلبي، مشيرا إلى العمل على تقوية الإطار القانوني والقيام بحملات توعية لضمان بيئة إعلامية ورقمية مناسبة.

العرب