اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
وكما حال حوامل غزة اللواتي يتأثّرنَ بشدّة من شحّ المواد الغذائية والمياه والأدوية، يبدو الإرهاق واضحاً على ملامح الفلسطينية فاطمة عرفة في أحد مستشفيات مدينة غزة شمالي القطاع، حيث تخضع لفحوص طبية في إطار متابعة حملها. ويؤشّر هذا الإرهاق إلى معاناتها من سوء التغذية الناجم عن شحّ المواد الغذائية في زمن الحرب المستمرّة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول ۲۰۲۳، علماً أنّ هدنة هشّة كانت قد دخلت حيّز التنفيذ في ۱۹ يناير/كانون الثاني ۲۰۲۵ قبل أن تستأنف إسرائيل عدوانها بعد أقلّ من شهرَين في ۱۸ مارس/آذار ۲۰۲۵٫
وفي طريق العودة إلى مخيم النزوح الذي لجأت إليه مع عائلتها بعدما هجّرتهم آلة الحرب الإسرائيلية من منزلهم في محافظة شمال غزة، التي تشكّل مع محافظة غزة منطقة شمال القطاع الفلسطيني، تقول فاطمة لوكالة فرانس برس: “أنا في شهري السادس ولا أستطيع توفير الحدّ الأدنى من الاحتياجات الأساسية لإكمال هذا الحمل”. تضيف المرأة البالغة من العمر ۳۴ عاماً، بوجهها الشاحب، أنّ الطبيب أبلغها بوجوب نقل دم إليها “بسبب انعدام التغذية”، وتردف: “عندما أريد أن آكل أو أشتري طعاماً لأتناوله، لا أجد شيئاً”.
وكانت منظمة “أطباء بلا حدود” قد أفادت أخيراً بأنّ طواقمها في قطاع غزة تشهد “زيادة حادة وغير مسبوقة في سوء التغذية الحاد”، علماً أنّ أكثر من ۷۰۰ امرأة من حوامل غزة وكذلك المرضعات في القطاع أُدخلنَ إلى عيادتَين تابعتَين للمنظمة بسبب سوء التغذية الحاد أو المتوسط، إلى جانب نحو ۵۰۰ طفل. وأوضحت المنظمة، في بيان، أنّ الأعداد في عيادة مدينة غزة ازدادت بنحو أربعة أضعاف في أقلّ من شهرَين؛ من ۲۹۳ حالة في مايو الماضي إلى ۹۸۳ حالة في بداية يوليو/تموز الجاري.
في هذا الإطار، تقول الطبيبة جوان بيري من منظمة “أطباء بلا حدود” لوكالة فرانس برس إنّه “بسبب انتشار سوء التغذية بين حوامل غزة والشحّ في المياه وقلّة النظافة، يولد أطفال كثيرون قبل أوانهم”. تضيف أنّ “وحدتنا لرعاية حديثي الولادة تعاني من اكتظاظ شديد، إذ يتشارك أربعة إلى خمسة أطفال حاضنة واحدة”.
من جهته، يقول طبيب الأمراض النسائية والتوليد فتحي الدحدوح، من مستشفى الحلو الدولي حيث تخضع فاطمة لفحوصها، إنّ “حالات الإجهاض ازدادت بصورة كبيرة منذ بداية الحرب، وصارت تبلغ يومياً ما بين ثماني حالات وتسع في مدينة غزة”. ويؤكد لوكالة فرانس برس أنّ “الحرب صعبة خصوصاً بالنسبة إلى الحوامل والنساء اللواتي أنجبنَ أخيراً”. ويشير الدحدوح إلى أنّ حوامل غزة “يأتينَ إلى هنا وهنّ يعانينَ انخفاضاً في ضغط الدم وضعفاً وتعباً وإرهاقاً بسبب الوضع في البلاد وانعدام التغذية”.
وكان صندوق الأمم المتحدة للسكان قد حذّر في مايو الماضي من أنّ ۱۷ ألف امرأة من حوامل غزة، وكذلك المرضعات، سوف يحتجنَ إلى علاج من سوء التغذية الحاد في الأشهر الـ۱۱ المقبلة. وجاء التحذير بالتزامن مع فرض إسرائيل حظراً على إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة المحاصر والمستهدف.
في سياق متصل، فإنّ مجرّد الوصول إلى مواعيدها الطبية يمثّل تحدياً بالنسبة إلى فاطمة. وعلى الرغم من أنّ المنطقة المحيطة بمستشفى الحلو الدولي لم تتضرّر كثيراً من جرّاء الحرب الإسرائيلية التي تستهدف الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة، فإنّ شحّ الوقود يضطر فاطمة إلى السير ذهاباً وإياباً من مخيّم النزوح الذي لجأت إليه تحت الشمس الحارقة. ولدى عودتها إلى المخيّم، حيث الفواصل بين المساحات المخصّصة لكلّ عائلة هي مجرّد أغطية بلاستيكية، تتناول فاطمة وزوجها زهدي وأطفالهما الأربعة وجبة أعدّتها جمعية خيرية. ويتألّف الحساء من المعكرونة والعدس، علماً أنّ هذا كلّ المتاح لسكان غزة بغالبيتهم، فيما أُعدّ بما تيسّر لإشعال النار نظراً إلى عدم توفّر غاز الطهي.
تجدر الإشارة إلى أنّ الوكالات التابعة للأمم المتحدة وكذلك المنظمات الدولية، الخيرية وغيرها، تؤكد أنّ حجم المساعدات التي يسمح الاحتلال بإدخالها إلى المحاصرين في قطاع غزة ما زال غير كافٍ وأنّ مقدّمي الرعاية يعملون في ظروف قاسية.
العربي الجدید