العمود صفر.. قصة تعاطف مع أطفال غزة المظلومين

في الأيام الحارة التي تتلاطم فيها أمواج حب أهل بيت أبا عبد الله عليه السلام، وتحت أنظار صاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه الشريف)، تبدأ أقدام زوار مسير المشاية النوراني رحلة عشق مليئة بالشوق والحماس من العمود صفر في مسجد السهلة. موكب أويس القرني الدولي وأنصار الزهراء سلام الله عليها، كواحة من العطف والمحبة، يودع زوار الأربعين المتوجهين سيراً على الأقدام إلى حرم العشق.

هذا الموكب رمز للتضامن والتضحية وحب الإنسانية، وهو صرخة مدوية لأصوات أطفال غزة الجائعين، حيث يقدم الزوار من جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى لجوئهم إلى هذا المكان للراحة وتجديد النشاط، مساعداتهم الإنسانية ونذوراتهم وتبرعاتهم لدعم الأطفال المظلومين والمنكوبين في غزة، بقلوب مليئة بالإيمان بانتصار المقاومة. إنها حركة شعبية تدل على الروح العالية للتضامن والمسؤولية تجاه مظلومي العالم.

من بين الخدام الثقافيين المجاهدين في هذا الموكب، الذين بذلوا أياماً وساعات مضنية في إيران لإعداد المستلزمات الأساسية من حزم ثقافية وكتيبات بلغات الفارسية والإنجليزية والعربية لشرح الظروف المؤلمة لأطفال غزة في الأيام الأخيرة، انضمت فتاة من مواليد التسعينات (عقد الثمانينات بالتقويم الإيراني) إلى العمل، لترسم بخطوة متعاطفة للعالم فكر الجيل الجديد وجهودهم لنقل رسالة العدالة والإنسانية عبر الحدود، متحدية بذلك الأعداء.

لقد خلقت الأنشطة الثقافية للخدام المجاهدين في هذا الموكب الدولي رابطاً لا ينفصم بين قلوب زوار الأربعين المتعاطفين وأطفال غزة المظلومين، لتذكير العالم الواعي بأن ألم الإنسانية لا يعرف حدوداً.

أقيم موكب العمود صفر بجهود عالية من أبي حيدر، الرجل اليمني-العراقي الشجاع، الذي وهب بيته وكل إمكانياته، بمرافقة عائلته المتفانية والصابرة، لخدمة زوار طريق حب الحسين. فاستضافت زوجات أبي حيدر الشابات النشيطات، جنباً إلى جنب مع رجالهن الغيورين الأقوياء، بوجه بشوش وقلب مليء بالمحبة، حيث كانوا يستقبلون الزوار من جميع أنحاء العالم يومياً بالخبز الطازج والماء البارد والشاي والطعام الساخن. كانت ضيافة عاشقة وحماسية مليئة بمعرفة إمام الزمان، لم تكن تزيل تعب الطريق عن الزوار فحسب، بل كانت تذكّر أيضاً بسنة الضيافة العريقة في الثقافة الإسلامية.

عكست هذه العائلة البصيرة المحبة لأهل البيت عليهم السلام عالماً من الإيمان بعصر الظهور، من خلال إقامة صلاة الجماعة للمغرب والعشاء عند مدخل الموكب.

يقدم الخدام الثقافيون لموكب أويس القرني الدولي يومياً حزم تبركات متنوعة تحمل رسالة مستوحاة من التضامن ودعم مظلومية أهل غزة، من المشابك وإكسسوارات الشعر إلى دبابيس تحمل خريطة غزة وصور الأطفال وغيرها، ويهدونها لزوار المسير، ويرسلون رسائل معادية للأعداء من خلال وضع لافتات على حقائبهم، لتكون تذكارات هذه الرحلة الروحية لزوار المشاية تذكاراً لمسؤوليتهم الجسيمة تجاه مظلومي العالم.

تواصلت هذه الأنشطة الجهادية بتوعية رواة “مدرسة فلسطين”، الذين يعملون كخدام في الموكب، من خلال تقديم خرائط وشروحات خاصة لنقل رسالة جبهة المقاومة لتوعية الجميع بحجم الألم والمعاناة التي يعيشها شعب غزة وفلسطين في قالب روائي. وقد أوجد هذا العمل ارتباطاً جميلاً بالدفاع المقدس الذي استمر ثماني سنوات، وشهداء الدفاع عن الحرم، وحرب الأيام الاثني عشر لإيران بجهود مخلصة من الجانبين الحاضرين في الموكب، ليتذكر كل زائر عند مروره بهذا الموكب أن ثورة عاشوراء هي جذر شجرة التضحية والفداء العظيمة التي تروى دائماً بالدماء الطاهرة للشهداء.

بالإضافة إلى الخدمة العاشقة والمخلصة للبشرية، بغض النظر عن الدين والمعتقد، كان هذا الموكب رمزاً لوحدة دول إيران والعراق واليمن وفلسطين ولبنان، التي تكاتفت أياديها لترفع صوت مظلومية الأطفال والأمهات الفلسطينيين في أكبر مؤتمر شعبي عالمي.

هذا التضامن الجدير بالثناء يدل على قوة الإيمان وحب إقامة العدل في الأمة الإسلامية، ويذكرنا بحقيقة لا يمكن نسيانها: “فلسطين مفتاح الفرج الغامض”!

هنا، كل خطوة تخطوها تعبر عن حقانية طريق أهل البيت عليهم السلام، والحضارة المهدوية الجديدة التي ترتبط بخدمة الإنسانية، وطريق الأربعين هو المكان الوحيد الذي يمكنه تدريب سالكي طريق العدالة للحضور في الدولة الكريمة.