اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
جاء ذلك في مقال قدمته الدكتورة المصري خلال الندوة الافتراضية للمؤتمر الدولي الـ ۳۹ للوحدة الاسلامية التي عقدت برعاية المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية؛
بسم الله الرحمن الرحيم/
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يُعتبر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم رمزًا للرحمة، لم تكن رسالته مجرد دعوة لتوحيد الله، بل كانت في جوهرها دعوة لارساء قيم الرحمة والتسامح والعدل والتعايش السلمي في مجتمع كان يغرق في ظلمات الجهل والظلم.
جاءت سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لتكون مثالًا حيًّا على الرحمة التي تجاوزت حدود الزمان والمكان. كانت حياته مليئة بالمواقف التي تجسد هذه القيم؛ من عفوه عن أهل مكة الذين آذوه وطردوه، إلى حنانه على الأيتام والمساكين، إلى رأفته بالأسرى، ورفقه بالحيوانات، وكان شعاره دائمًا ما ورد في القرآن الكريم : [وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين].
أرست تعاليم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أسس مجتمع متكافل، حيث عامل الناس سواسية بغض النظر عن ألوانهم أو أعراقهم أو معتقداتهم، وذلك وفقًا للآية القرآنية، [وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا]، وورد عنه الحديث الشريف : [إن أكرمكم عند الله أتقاكم].
لقد علّم النبي (ص) أتباعه الرحمة، ليس فقط في العطاء المادي، بل أيضًا في الكلمة الطيبة والحسنة، والابتسامة الصادقة، وفي رفع الظلم عن المظلوم.
كما تجلت رحمته في تشريعاته التي جاءت لتخفف عن الناس وتصلح أحوالهم وتحقق لهم السعادة في الدنيا والآخرة؛ فقد حثّ على التيسير في الأمور، ونهى عن التشدد والتعقيد، وجعل الدين يُسرًا وليس عُسرًا.
في زمننا الحالي الذي نعيشه، نشهد الصراعات والتوترات، وأكثر ما نحتاج إليه في هذا الوقت هو سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لنستلهم منها قيم الرحمة التي جاء بها، ونأخذ منها قيمًا كفيلة ببناء جسور تواصل ومحبة بين الشعوب، ونبذ الكراهية والعنف، وتحقيق الأمن والسلام في العالم.
إن سيرة رسول الرحمة هي منارة تُنير دروب الإنسانية، وتدعو إلى عالم تسوده المودة.
هناك اشكالية تُطرح اليوم إشكالية حول “مفهوم الحرب والسُّلم في سيرة النبي محمد”.
نحن لا نرى التعقيد في السيرة النبي (ص)، او محبة العنف أو سفك الدماء؛ إنما نرى أن الإسلام هو دين تعايش وسلم ومحبة؛ كان الرسول نبيًّا رحيمًا، كما كان قائدًا عسكريًّا اتخذ قرارات في الحرب في أوقات حاسمة وفي مواجهة التهديدات التي فُرضت عليه.
ولفهم هذا الجانب، لا بد أن نأخذ بعضًا من السياق التاريخي والظروف التي أحاطت بتلك الفترة :
– مبدأ الصلح والمهادنة، لقد كان النبي يميل إلى الصلح والمهادنة كلما أُتيحت له الفرصة، ولم يكن يرغب بالحرب أو بسفك الدماء أو بالعنف؛ ومن النماذج على ذلك صلح الحديبية، وهو صلح وافق فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم على شروط قريش التي بدت في الظاهر مجحفة، لكنها فتحت المجال والباب أمام الدعوة الإسلامية للانتشار بسلام، وأدت في النهاية إلى فتح مكة.
وكذلك نلاحظ أنه عندما فتح مكة لم ينتقم من أعدائه، فقد جعلهم “الطلقاء”.
كان نبي الرحمة (ص) يوصي بالرحمة في الأسرى وعدم التنكيل بهم، فكان ينظر إلى الأسرى على أنهم بشر لهم حقوق، وكانوا يُعاملون بالرفق والإحسان، وفي بعض الأحيان يُطلق سراحهم مقابل تعليم المسلمين القراءة والكتابة.
كان من نصائحه وتوجيهاته ألّا يتعرضوا في الحرب الى من لا يقاتل، بل عليهم ان يقاتلوا الذين يقاتلوهم فقط؛ أي منع قتال الشيخ الكبير والأطفال والنساء ومن كان لا يقاتل في المعركة.
كذلك من رحمته (ص)، وجدنا أنه أمر بحماية أهل الكتاب واليهود الذين يعيشون في ظل الدولة الإسلامية، وكان لهم الحق في ممارسة شعائرهم الدينية، وتُحفظ أموالهم وأعراضهم، ويُمنع الاعتداء عليهم.
إذًا، من هنا نرى أن القتال في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لم يكن هدفًا في حد ذاته، بل كان وسيلة للدفاع عن النفس والدين في ظل ظروف قاهرة. يمكن تلخيص بعض هذه الأسباب مثلًا :
الدفاع عن النفس – على سبيل المثال كانت غزوتا بدر وأُحد ردًّا مباشرًا على اعتداءات قريش على المسلمين في المدينة المنورة، التي حاولت إجهاض الدعوة الإسلامية وتدميرها.
مواجهة الغدر والخيانة – عندما كان يأخذ صلحًا مع قبيلة معينة، ثم تقوم هذه القبيلة بنقض العهد، كان النبي يواجه هذا الغدر بالقوة لضمان الأمن والاستقرار.
فتح الطريق أمام الدعوة – بعض الحملات كانت تهدف إلى إزالة العوائق التي تمنع الناس من اعتناق الإسلام بحرية؛ لم يكن الهدف إجبار الناس على الإيمان، بل إزالة الأنظمة الظالمة التي تضطهد المسلمين وتمنع الدعوة من الوصول إليهم. ت
جلّى مفهوم التعايش السلمي في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في العديد من المواقف والمبادئ التي أرساها، والتي تجاوزت حدود المعتقدات والأعراق؛ لم يكن هدفه (ص) إنشاء مجتمع موحد عقائدي فحسب، إنما بناء مجتمع متسامح ومتعايش يحترم التنوع ويضمن حقوق الجميع.
ويُعتبر أبرز مثال على ذلك وعلى التعايش السلمي في عهد النبي (ص) هو “وثيقة المدينة”، هذه الوثيقة لم تكن مجرد معاهدة، بل كانت دستورًا ينظم العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين.
يمكن القول أن منهج النبي محمد في التعايش السلمي كان قائمًا على الاعتراف بالآخر واحترام حريته، وإقامة العدل بين الجميع، والتعاون في القضايا المشتركة، مع الحفاظ على الهوية الدينية لكل فرد.
كانت سيرته (ص) نموذجًا عمليًّا لكيفية بناء مجتمعات متعددة ومتنوعة تعيش في سلام ووئام، ونموذجًا للأمة الإسلامية الواحدة التي تضم مختلف الأطياف داخلها.
المجمع العالمي للتقریب بین المذاهب الإسلامیة
این مطلب بدون برچسب می باشد.