تركيا: ارتفاع العنف ضد المرأة رغم الخطط الوطنية

ترتفع جرائم قتل النساء في تركيا ويعيدها مراقبون إلى تردي الواقع المعيشي، في حين يطالب آخرون بإعادة عقوبة الإعدام أو العودة لاتفاقية إسطنبول من أجل ردع العنف ضد المرأة.

“قتل زوجته، قتل عشيقته، وقتل أسرته ثم انتحر”، عناوين تتكرر بشكل أسبوعي تقريباً في وسائل الإعلام التركية، ما دفع البعض إلى الحديث عن ارتفاع حدّة العنف ضد المرأة، بينما رأى آخرون أن مستوى الجريمة بشكل عام ارتفع في تركيا. وأجمع العديد من المواطنين على أن إلغاء عقوبة الإعدام عام ۲۰۰۴ أدى إلى استسهال القتل، مؤكدين ضرورة إعادة النظر بالعقوبات والقوانين، وتكثيف البرامج التوعوية لحماية المرأةوالأسرة والمجتمع من العنف. وإذ يربط البعض ارتفاع معدل الجريمة والعنف بتراجع المستوى المعيشي وضغط النفقات، يؤكد كثيرون أن هذه العوامل ليست مبرراً، لأن سكان تركيا ورغم تراجع المدخول يعيشون بحبوحة لا تُقارن بما قبل العام ۲۰۰۳٫

وبينما أعلنت وزارة الأسرة والخدمات الاجتماعية التركية أنها أوشكت على الانتهاء من إعداد الخطة الوطنية الخامسة لمكافحة العنف ضد المرأة، والتي ستغطي الفترة ما بين عامَي ۲۰۲۶ و۲۰۳۰، وقعت جريمة مروّعة بحي العمرانية في الشطر الآسيوي من إسطنبول، حيث أقدم المدعو (و. س) البالغ من العمر ۳۵ عاماً على ذبح زوجته الأوزبكية نيغينة سطاروفا (۳۵ عاماً)، في الشارع العام مستخدماً فأساً صغيرة، قبل أن تتمكن قوات الأمن من القبض عليه، ليبرر لاحقاً أن الغيرة كانت الدافع خلف الجريمة.

تقول الناشطة التركية آريا بيكام: “لم نجد فارقاً بعد تنفيذ ما يُسمّى بالخطة الرابعة لمكافحة العنف ضد المرأة، لأن الجرائم لا تزال تُرتكب، وبطرق وحشية بشعة، ولو أن هناك قوانين صارمة ورادعة لما استمرت الجريمة وارتفعت معدلاتها”، مؤكدة لـ”العربي الجديد”، أن انسحاب تركيا من “اتفاقية إسطنبول” (اتفاقية المجلس الأوروبي لمنع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي)، زاد من تردد النساء إزاء اللجوء للقانون أو طلب المساعدة من الجمعيات النسائية المحلية والدولية، بسبب “عدم القدرة على عرض قضايانا أمام محاكم أوروبية عند الضرورة، وعدم مساواتنا مع المرأة الأوروبية، والتشكيك بعدم نيل الحقوق محلياً”.

يطالب البعض بإعادة عقوبة الإعدام، تركيا، 24 نوفمبر 2024 (بيركمان أولوتين/ Getty)
يطالب البعض بإعادة عقوبة الإعدام في تركيا، ۲۴ نوفمبر ۲۰۲۴ (بيركمان أولوتين/ Getty)

وتعترف بيكام بعدم نجاعة التظاهرات عام ۲۰۲۱ احتجاجاً على انسحاب تركيا من “اتفاقية إسطنبول”، والذي أضرّ حتى بانضمام البلاد إلى الاتحاد الأوروبي وتجميد الطلب المقدم منذ العام ۱۹۸۷، كاشفة أن التذرع بأن الاتفاقية تروّج للمثلية أو لا تحمي العادات التركية “غير منطقي”، إذ إن المثلية والمساكنة تُعتبران حقوقاً شخصية لا يحق لأي دولة منعهما أو التعاطي معهما على أنهما شذوذ، بل إن المنع والملاحقة برأيها يزيدان السلوكيات التي “نرفضها أصلاً”، وتدعو إلى التمييز بين الحقوق البشرية وعوامل تدمير الأسرة التركية، وتقول: “نطالب بالحقوق وفي الوقت نفسه بالترابط الأسري، لكن بمفهوم عصري لا يخضع للوصاية والقمع”. وتؤكد الناشطة التركية أن وقف العنف يتطلب العودة إلى “اتفاقية إسطنبول” عوض إعادة عقوبة الإعدام التي يطالب بها البعض، أضف إلى أهمية منح المرأة حقوقها والاعتراف بتلك الحقوق.

وكانت تركيا قد انسحبت في مارس/ آذار ۲۰۲۱ من “اتفاقية إسطنبول”، التي حملت اسم المدينة نظراً لكون التفاوض والتوقيع على الاتفاقية بين تركيا والدول الأوروبية تم في إسطنبول عام ۲۰۱۱٫ وتقول الباحثة بجامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول عائشة نور إن بلادها انسحبت من الاتفاقية “بعدما شابها تلاعب يتعارض مع القيم التركية، بمقدمتها المثلية الجنسية، في حين كانت خلال التفاوض والتوقيع تركز على حقوق المرأة والأسرة. غير أن اعتماد الاتفاقية مبدأ عدم التمييز على أساس التوجه الجنسي يمكن أن يؤثر على المجتمع التركي وقيمه، حتى أن العديد من دول أوروبا، وفي مقدمتها روسيا، تعارض نصوص المثلية وتمنعها”.

وترى نور أن لا علاقة بين الانسحاب من “اتفاقية إسطنبول” وموافقة الأوروبيين على عضوية تركيا الدائمة بالاتحاد الأوروبي، لأن بلادها، وعبر مسارات تفاوض ممتدة لنحو أربعين عاماً، قدمت ونفذت كل مطالب الانضمام، لكن من دون جدوى، وتقول: “لنعترف بأن المانع يكمن بأن تركيا دولة إسلامية، ولا يمكن أن يكون لها عضوية بالاتحاد الأوروبي وتكون الأكبر من حيث عدد السكان، والدليل الذرائع والتسويف، حتى بعد الانضمام للمجموعة الاقتصادية الأوروبية واتفاقيات التجارة الحرة، رغم أن تركيا من الدول المؤسسة لمجلس أوروبا عام ۱۹۴۹”.

وحول ما تتضمنه الخطة الخامسة لمكافحة العنف ضد المرأة وما تم تنفيذه بالخطة الرابعة بين عامَي ۲۰۲۱ و۲۰۲۵، تقول الباحثة التركية إن بلادها تصون حقوق المرأة وتكفل مساواتها بالرجل، قبل انسحابها من “اتفاقية إسطنبول” وحتى بعدها، وقد احتفلت تركيا في العام الذي انسحبت فيه من الاتفاقية بمرور ۸۷ عاماً على حق المرأة بالتصويت، بل ومنذ العام ۱۹۲۶ تكرس تركيا بقانونها المدني المساواة بين النساء والرجال. أما الخطة التي أعلنتها وزارة الأسرة والخدمات الاجتماعية، والتي لم تكشف موادها أو خطواتها بعد، فهي تتمّة لمسار تعديل القوانين لما فيه صالح المرأة لناحية العمل والأمومة والنفقة ما بعد الطلاق، وزيادة التدابير لحماية النساء من العنف”. 

وبحسب بيان الوزارة، تشير نور إلى أن الخطة الجديدة ستتضمن آليات أكثر شمولية لمتابعة الحالات ودعم الضحايا وتطوير التشريعات المرتبطة بحقوق المرأة، وترسيخ الوعي المجتمعي بخطورة العنف ضد المرأة وتعزيز دور المؤسسات الرسمية بمعالجته. وتضيف أن الخطة السابقة كانت تتعامل مع الناس باعتبارهم بشراً وأصحاب حقوق، وليس حسب جنسهم فقط، كما كانت تتوخى البحث بأسباب ظهور العنف ضد المرأة، وليس فقط بالنتائج. وقد ساهمت دورات التوعية بتسليط الضوء على أهمية تبديد المفاهيم الخاطئة بشأن حقوق المرأة.

وقد شهد العام الماضي قتل ۴۴۵ امرأة في تركيا على أيدي رجال، بينما قُتلت ۶۹ امرأة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، وفق منصة “أوقفوا قتل النساء”. وكانت المنصة قد كشفت في يوم المرأة العالمي في الثامن من مارس الماضي عن زيادة معدل الجريمة والعنف ضد المرأة، وطالبت بالعودة إلى “اتفاقية إسطنبول” باعتبارها “الضامنة الوحيدة لحقوق المرأة”.

العربي الجدید